فضيحة وعار يلحقان بالفتاة وأسرتها إذا فاتها قطار الزواج و «بارت».. مهما كانت الأسباب حتى وإن كان وراء ذلك رفضها جميع من تقدموا لها من عرسان لأنها لم تجد بينهم الشخص المناسب ليكون شريك الحياة ورغم ذلك أحد لا يلوم الرجل أو يقيم أسباب تأخير زواجه أو عدمها لأن المجتمع اختصر مفهوم العنوسة فى حواء . هكذا بدء بعض الشعر الأبيض يزحف علي رأسه نصف الصلعاء.. ف «الچل» في هذه الأيام يلعب دورا كبيرا في فقدان الكثيرمن الرجال جزء مهم وأساسي من وسامتهم وهو شعرهم.. لكن هذا لا ينقص من رجولته شيئا، فالمثل المصري يقول «الراجل مايعبهوش إلا جيبه» مما يجعله دائما يرفع رأسه إلي عنان السماء وهو واثق الخطى متباهي بذاته المتوجة علي عرش الذكورة.. يستيقظ مبكرا بعد سهرة طويلة إعتاد عليها مع أصدقائه.. «النوم موجود لكن السهرات الحلوة مع الشلة نادرة».. يتفاني في تدليل نفسه كما إعتاد مع والديه.. ومع «صباح الخير ياماما» تنهال عليه الدعوات الرائعة التي تجعل يومه يبدأ أبيض مثل الحليب كما تحب أن تداعبه والدته «ربنا يجعلك في كل خطوة سلامة». مشهد آخر في نفس المنزل مجموعة من ماركات الماكياج والبرفانات موجودة بشكل عشوائي علي «التسريحة».. فهي اعتادت علي عدم تنظيم أدواتها ليس لأنها لا تملك الوقت لتنظيم أشيائها.. ولكن.. لأنها تعتبر الفوضى جزءا من شخصياتها لأنها تعرف كل كبيرة وصغيرة.. تستعد للخروج وهي في أبهي صورها ،مختالة برشاقتها ولون شعرها الجديد وماركات الملابس التي تحب إقتنائها .. تحضر الفطور فتقابلها والدتها بالدعوات « ربنا يرزقك بإبن الحلال.. أنا مش عارفة الرجالة عنيهم عنك فين».. فتتأفف من تلك الكلمات التي إعتادت علي سماعها خاصة إن الأمر لا يقتصر علي والديها، فعائلتها بالكامل تبحث لها عن عريس.. فثارت لها ثائره «ياماما إشمعني أنا .. مع إن أخويا أكبر مني بعشر سنوات «.. فتردت «ده راجل ومافيش راجل عانس .. لكن البنت هي اللي بتعنس»! مشهد يتكرر في بيوتنا المصرية.. بل وفي البيوت العربية.. تلك العائلات التي ربت أبناءها علي العادات والتقاليد التي تقول «لما قالوا بنية إتهدت الحيطة عليا.. ولما قالوا ولد إتشد ظهري وإتسند».. ورغم أننا أصبحنا في عصر التكنولوجيا السريعة والتليفون «التتش» إلا إن تلك التكنولوجيا التي نعتبر من أكبر مستهلكيها لم تؤثر في عقولنا.. فيظل الرجل يؤمن بداخله أن «الطاووس أجمل من الطاووسة».. وتظل المرأة تسعي جاهدة بكل ما أوتيت من قوة الهروب من شبح العنوسة في ظل أي رجل مهما كانت نسبة التوافق بينهما.. لكن جاءت الإحصاءات الرسمية من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لتؤكد أن أكثر من 2,5 مليون شاب فى مصر تجاوزوا سن الزواج.. وهذه النسبة ليست مقتصرة علي المحروسة فقط لكن شبح عنوسة الرجل يهدد عدد كبير من الأشقاء العرب.. فأعلي نسبة عنوسة موجودة بلبنان حيث يصل إضراب الطرفيين عن الزواج إلى معدل غير مسبوق، لتصل نسبة العنوسة إلى 90%، يليها العراق الجريح حيث تصل إلي 85%، ثم تونس الخضراء التي ترتفع فيها نسبة العنوسة ل 81%، والقائمة تطول وذلك حسب مركز أبحاث ميسود أند سليوشن للدراسات والأبحاث.. فالقضية طويلة وعميقة وأسباب عنوسة الراجل تتلخص في مشكلة التربية وثقافة المجتمع .. دكتورة إجلال حلمي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس توضح إن مصطلح العنوسة مرتبط بالرجل والمرأة، أي أنه ليس مقصورا علي الإناث فقط.. لكن كل من تقدم في سن الزواج وأصبح في العد التنازلي للوصول إلي سن الخامسة والثلاثون بالنسبة للإناث وسن الأربعين للرجال.. يطلق المجتمع عليهم كلمة عانس وهي كلمة ليست ظالمة خاصة حينما نطلقها علي الرجل تحديدا لأنه هو المؤهل للإقدام علي الإرتباط بل ويعطيه المجتمع كل الصلاحيات التي تجعله صاحب القرار، إذن هو الأولي من المرأة بلقب عانس.. كما إن أسباب عنوسة الرجال متعددة ولا ترتبط فقط بعدم القدرة المادية علي الزواج فكثير من الرجال ميسورين ماديا إلا أنهم يفضلون العنوسة.. أو بمعني أدق منحه المجتمع للرجل وهي «حياة العذوبية» فهناك رجال يفضلون حياة العذوبية المليئة بالمرح والخروج عن المألوف وشلة الأصدقاء.. وتساعدهم أسرهم على ذلك لأنها تعطيهم الحرية الكاملة دون وجود أي رقيب. تضيف دكتورة إجلال أن فشل الرجل في محاولات الإرتباط عدة مرات قد يدفعه لتفضيل عدم الإقبال علي تلك الخطوة مرة أخري.. كذلك إرتباط الرجل أكثر من مرة بنوعية من الفتيات التي تفقده الثقة في غيرهن.. وطبعا كل هذه الامور لا تمثل للعائلة إى شئ فدائما «العين علي البنت» ولا تعتبر إن تأخر إبنهم فى الزواج مشكلة.. هناك نوع آخر حيث ينشغل الرجل بحياته العائلية مع أخوته ووالديه لدرجة ينسي فيها أو يخاف أن يتزوج خوفا علي عائلته وعلاقتهم بزوجة المستقبل فيفضل راحة باله عن « وجع الدماغ «.. وغيرها من الأسباب التي تجعل عنوسة الرجل التي تجاوزت 2,5 مليون شاب موجودة بشكل ملموس في المجتمع بشكل يدعو للتساؤل ودراسة الأمر بعين الاعتبار. ويؤكد دكتور يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي والأعصاب بكلية الطب جامعة القاهرة أن السبب الرئيسي وراء إرتفاع نسبة عنوسة الراجل تكمن في الأعباء الاقتصادية المكلفة للزواج مما يجعل الرجل يفضل ألا يقبل علي القيام بتلك الخطوة خاصة أننا أصبحنا في مجتمع يفتقد للتكافل الإجتماعي في ظل تدني الأجور.. إضافة إلي أن هناك نظرة مغلوطة لمفهوم الحياة الزوجية بما فيها من توابع مقيدة للحريات ومشاكل وإعباء مستمرة وقد يكون السبب في تلك النظرة هو مشكلة نفسية يعاني منها منذ الصغر نتيجة لتربيته في نطاق أسرى غير مستقر بما فيه من مشكلات وأزمات عائلية تتأصل في نفسيته في مراحل سنية مبكرة وتتطور وتكبر معه.. أما فيما يخص الأشخاص الذين إستطاعوا تحقيق نجاح كبير في عملهم، فيختلف اللأمر في حالاتهم حيث يتحول هذا النجاح إلي حب شديد للذات بشكل يجعله يفتقد القدرة علي مشاركة شخص آخر هذه الحياة.. إضافة إلي إحساسه بالنجاح قد يجعله يتمتع بأنانية شديدة حتي يصل به الأمر لافتقاده الإحساس بأى إنسانة تستحق أن تشاركه حياته.. أو السعي وراء أكذوبة إن الإبداع والنجاح يسير على قدر الوثاق مع الحرية التي يقيدها الزواج. جانب آخر وزواية مختلفة عن عنوسة الرجل.. ف»المرأة لا تطلُب، المرأة تُطلَب، يُحلم بها، بل يُؤمَل أن يُحلم بها؛ فتمنُ على الرجل إن هي زارته في أحلامه!».. مقولة ضمن عدد كبير من المقولات التي حرص علي تقديمها الكاتب شادي عبد السلام في كتابه «الرجالة العوانس» ليؤكد أن الرجل هو العانس الفاعل أو المرأة هي المعنوس به أى المفعول به.. حيث أشار في مقدمة كتابه الفريد من نوعه فى حديثه عن أبناء جنسه فيقول «عنوستك عزيزي الرجل لم تقتصر علي التردد في الزواج.. والتأخر فيه.. والإستسلام لأغلال الحرية المزعومة .. عنوستك في سوء المعاملة وفحش المجادلة في الإستعلاء .. وفي الإستهزاء.. وفي المظهرية.. وفي الإزدواجية في الخيانة.. وفي الإهانة.. وفي التسلط.. وفي التشرط.. وفي حب الذات.. واللذات.. عنوستك في أنك تحكم فتظلم.. دون أن تبالي.. فتزوج وإنجب وتحمل مسئوليتك كاملة.. فلا تمر في هذه الدنيا كورقة شجرة لا تحمل ثمرا.. ولا تنشر ظلا.. ولا تنفع أحدا».. رسالة بداء بها شادي كتابه ليؤكد أن العنوسة رجل.. كتاب قد يكون بداية ولكنه ليس نهاية فالقادم أكبر.. إذن إحترس عزيزي فالعنوسة رجل.