فرق كبير بين قضية العنوسة التي طرحتها المؤلفة مني نور الدين في مسلسلها «بنات في التلاتين»، الذي يعرض حاليا علي قناة «النيل الدولية»، والقضية نفسها التي تناولتها مسلسلات أخري. فبعد غياب مشكلة العنوسة عن الدراما التليفزيونية منذ مسلسل «حارة العوانس»، الذي عرض في رمضان قبل الماضي، عادت مرة أخري للمناقشة بشكل مباشر، رغم اختلاف طريقة تناولها ومعالجتها، وفي حين دار الخط الدرامي الرئيسي لمسلسل «بنات في التلاتين» حول هذه القضية، التي طرحها وعالجها بشكل موضوعي، قدمت المسلسلات الأخري نموذجًا سيئًا للفتاة العانس، واستغلت أغلبها هذه المشكلة وطرحتها بشكل كوميدي بعيدًا عن الموضوعية بهدف إثارة ضحكات المشاهدين فكانت النتيجة عكسية. مسلسل «بنات في التلاتين» يعالج قضية تأخر سن الزواج عند الفتيات اللاتي يصلن إلي سن الثلاثين فأكثر، ولم يستطعن الزواج، ومن خلال الممثلات: منال سلامة ومنة فضالي ورانيا يوسف وأميرة فتحي وندي بسيوني وغيرهن طرحت المؤلفة عدة تساؤلات حول أسباب تفشي هذه الظاهرة، وهل تعود إلي الحالة الاقتصادية أم إلي التفاوت بين الطبقات، أم إلي طموحات الفتيات التي ربما تفوق أوضاعهن الاجتماعية. ولا يترك المسلسل هذه التساؤلات بلا إجابة بل يجيب عليها من خلال استعراض حياة مجموعة من الفتيات مررن بهذه التجربة وعانين من عدم الزواج رغم تقدم أعمارهن، وينبه المسلسل للآباء والأمهات، لأن بعضهم يساهم في تفاقم هذه المشكلة في المجتمع، كما يقدم نصائح للفتاة التي فاتها قطار الزواج ويدعوها إلي محاولة النجاح في عملها، دون الإحساس بوجود أي مشكلة في حياتها. علي النقيض تمامًا استعرضت مسلسلات «دموع القمر» و«راجل وست ستات» و«قمر» و«بعد الفراق» و«العيادة» نماذج لفتيات عوانس لكن أغلبها بصورة هامشية مفككة مثيرة للضحك فقط، ففي مسلسل «دموع القمر» قدمت عبير صبري شخصية فتاة طموحة في عملها ترتبط بقصة حب من طرف واحد بزميل لها في عملها مرتبط بفتاة أخري، لكن شدة حبها له تدفعها إلي رفض كل العرسان الذين يتقدمون لها عن طريق والدتها، وأمام هذا التصرف تعتبرها والدتها عانسًا، وتحاول استمالتها بالكثير من النصائح وأحيانًا الكلام الجارح للعدول عن موقفها من الزواج، لكنها تصر علي ذلك، وفي كل حلقة تبكي الأم، لأن ابنتها تتأخر يوميا في العودة إلي المنزل متعمدة حتي لا تقابل العرسان الذين تتفق معهم الأم حتي لا تلقب ابنتها بالعانس. وفي مسلسل «بعد الفراق» عانت الشخصية التي تجسدها نشوي مصطفي - حتي ثلثي حلقات المسلسل - من العنوسة، وظهر ذلك علي ملامح وجهها أكثر من مرة، خاصة بعد معرفتها بعودة هند صبري التي ترتبط بعلاقة حب مع شقيقها خالد صالح، ولأنها تعاني نفسيا من عدم الارتباط، رغم أنها تخفي ذلك، تتزوج «نشوي» من أول عريس يطلب يدها رغم علمها بأنه سبق له الزواج. أما النموذج السيئ للعانس فتقدمه خيرية أحمد في مسلسل «قمر» فهي تجسد شخصية خالة فيفي عبده، وطوال أحداث المسلسل تظهر في صورة امرأة متلهفة علي الزواج بشكل مبالغ فيه، لدرجة أنها أعلنت استعدادها فعل أي شيء مقابل توفير عريس لها، وتزداد حالتها توحشًا عندما ترتبط إحدي فتياتها شقيقتها فيفي عبده، وفي كل مرة تسأل: «هو ملوش خال ولا عم ولا قريب.. شوفولي عريس.. عايزة اتجوز يا ناس»، ورغم كرهها للشخصية التي يجسدها جمال إسماعيل - زوج شقيقتها - إلا أنها كادت ترفعه من علي الأرض فرحًا بعد أن ضحك عليها وأوهمها أنه جاء إليها بعريس، شرط أن تصلح بينه وبين زوجته، وبعد أن كانت تسبه بأفظع الشتائم لطرده من المنزل تراجعت وأصرت علي أن تصنع له كوبًا من الشاي بيديها حتي تجلس معه علي «رواقة» لمعرفة أمر هذا العريس. أما الشكل الكوميدي للعانس فظهر في مسلسلي الست كوم «راجل وست ستات» و«العيادة»، فقد ظهرت انتصار وبسمة في هذين المسلسلين في دوري عانستين تتعرضان لمواقف كوميدية لدرجة أنهما تلقبان بالعانس. د. هدي زكريا، أستاذة علم الاجتماع في جامعة الزقازيق، رفضت هذا التوجه الدرامي للسخرية من قضية العنوسة، وقالت: الدراما دائمًا لا تخدم قضايا المجتمع، فهي تستفيد فقط من المشكلة وتحاول استخدامها لعمل فرقعات مثل التي تفعلها خيرية أحمد في مسلسل «قمر»، ليحصل العمل علي نسبة مشاهدة مرتفعة أو ينجح في إضحاك الجمهور والدراما لا تعامل المرأة بشكل إنساني محترم، بل تزيد مشاكل من تعدت سن الثلاثين بلا زواج، فالدراما تكثف من الإحساس بوطأة الموقف الاجتماعي. وأكدت «هدي» أن المجتمع رسخ لدي الفتيات مفهوم أن الزواج «سترة» ولو لم تتزوج الفتاة «هتتهد الدنيا»، وقالت: ليه البنات رغم وصولهن إلي مستوي تعليم عال، لاتزال تبحثن عن «ضل راجل»، فالرجال في مجتمعنا أصبحوا مساكين ولم يعد لهم الضل، وأضافت: أنا تزوجت في ال 33 من عمري دون أن أشعر بأي مشكلة وتزوجت بإرادتي عندما شعرت أنني أريد الزواج ولم يجبرني أحد عليه، ولا أفهم لماذا تسجن الدراما المرأة في نمط واحد.