كثير منا يرغب فى اختيار صديق يتفهه، ويبثه آماله وأحلامه، ويضع طموحاته وأسراره بين يديه، ويكون له ملاذه الذى يعينه على استمرار الحياة، فإن لم ينتبه ويدرك أهمية الصديق والصداقة، ويقدره حق قدره فقد صنع عدوًا له دون أن يدرى.... فقبل أسابيع اختلفت أنا وصديق لى وتدامينا؛ ربما كان تعبيرًا موجعًا لكنه ماحدث بيننا بالفعل حيث أنكر كل منا فضل الآخر وحقه، وسعى إلى تجريده من كل الصفات النبيلة والقيم التى يتحلى بها، وتصارعنا على تقطيع مابقى من أوصال صداقتنا، واستئصال أى بذرة لها، ونسيان كل المشتركات بيننا والتركيز على الاختلافات حتى وصل الأمر إلى تسفيه أعمال بعضنا البعض، وحرق السفن، وجدع الأنوف حتى لايعود لجسد صداقتنا الحياة من جديد. وكنا قد اتفقنا عند أى خلاف أن نقوم باقتسام أصدقائنا المشتركين؛ فسعى كل منا لاجتذاب أكبر عدد منهم، وإذا صادف هوى أحد الأصدقاء أن يحتفظ بصداقته لكلينا أبلغناه بأن ذلك غير ممكن، ولن يكون، واتهمناه معًا بعدم الإخلاص، وطلبنا منه تحديد موقفه واختيار من يميل إليه أكثر، فإن اختارنى شعرت بغصة وتأنيب ضمير، وشعر صديقى بسوء اختياره لهذا الصديق، وأنه لم يكن يستحق صداقته من البداية. وإن اختاره هو اتهمت أنا الجميع بالخيانة، وأنهم بعيدون عن معانى الصداقة بعدنا عن القارة القطبية، بينما يزهو هو بالانتصار علىَ فى تلك الجولة. كنت حريصة على الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من الأصدقاء القدامى، بينما كان حريصًا على توسيع علاقاته، واكتساب صداقات جديدة. كنت حزينة من أجل صداقتنا وما آلت إليه، وكان حزينًا من أجل افتقاده مؤازرتى له فى كل صغيرة وكبيرة. استعرت وجهه الجاد، وأخذت فى العمل فى صمت دون ضجيج، واستعار ضحكتى ووجهى البشوش وغدا اجتماعيًا يشكو حاله ومايتحمله من أصدقائه (مشيرًا إلى صداقتنا) ويلعب بادعاء الضعف، وشكواه من الغدر والطعن من الخلف تلك على أوتار القلوب. أما الأسوأ على الإطلاق فكان: أن أكمل وحدى، ويكمل وحده كل مابدأناه معًا.. كان يَمنُ على صداقته كرجلٍ شرقى، وكُنت لا أصون أسراره.. كان يتباهى بى عندما يحتاجنى، وينكر صداقتنا وقت إحساسه بقلة مكاسبه من إعلانها، وكُنت انظر إليه كشخصية من ورق تصلح للكتابة وليس للصداقة.. كان يعاملنى كمنافسة ويكره تقدمى ونجاحى، وكُنت اتهمه كثيرًا بما ليس فيه.. كان يعطى لنفسه كل الحقوق فى انتقادى وتفتيش أوراقى وأحيانًا أفكارى، وكُنت أقلل من شأنه أمام الآخرين.. كان يشك فى دوافعى وفى أنا شخصيًا، وكُنت كثيرة التباهى بنفسى، لا أحاول فهم نفسيته المرتبكة وطموحه المرضى .. كان معتدًا بنفسه، وكُنت أعشق النكد وافتعال المشكلات، كان يعقد الأمور بكذبه الدائم، وكُنت مُتصلبه صعبة الإرضاء. أدمنت الخطأ فى حقه وكنت أعرف أنه طيب القلب سيسامحنى ويغفر لى، بل وسيلقننى كيفية التسامح معه ومع الآخرين. كنت أعتقد أنه يشعر بمودتى، واخلاصى فى صداقته، واستعدادى للبذل دون مقابل، وبأن سعادتى الحقة قرينة بنجاحه. بالطبع أنا الآن أتألم بشدة وأشعر بالمرارة والكآبة، ولكنى أخاف أن أأتمنك على صداقتنا من جديد ياصديقى، وأنا أُقيم صداقتنا لا أعرف إن كانت ماتت إكلينيكيًا أم أنها مازالت لها فرصة بالعناية الفائقة ، وسواء حدث هذا أم ذاك تذكر أنك من سعيت لتلك الصداقة، وخططت للوصول إليها، وكان دورى سلبيًا وهو الموافقة، وتيقن برغم كل شىء بأن هناك شخصًا على الضفة الأخرى من النهر يتمنى لك كل النجاح والسعادة، لكن يجب أن تعطيه قدره، وتراه بعين الرضا وليس بعين الحنق فهكذا الحياة، أو أمض فى طريقك ببساطة، وانس أمره تمامًا فهو غير قادر على إيذائك أو حتى كرهك فلا تقنع نفسك حينما تقع عليك آثامك أنه شريك فيها، ولا تسعى لتشويه صورته كاذبًا قبل رحيلك خوفًا من شعورك بالندم على عدم تمسكك به .. وأخيرًا فالصداقة هى تلك الواحة التى نقصدها فى الهجير، هى الملجأ بعد كل إخفاق شخصى، أو فشل عاطفى، أو حتى فقد عزيز، هى المرآة الصادقة وسط الزيف القائم حولنا، فإن لم ندرك أهميتها لن أتوعدكم أصدقائى بأن تعصف بكم الحياة، أو يشير إليكم الآخرون بأن هؤلاء محرومون من الصداقة، ولكن ستسير حياتكم كما هى روتينية بضحكاتها ومآسيها، وعند كل حدث سعيد ستجدون سعادتكم مقهورة، وأوقات حزنكم لاتمضى، أما أوقاتكم العادية، وفى أمسياتكم الهادئة فستحلق عليكم طيور الكآبة، ولن تستطيعوا أبدًا نسيان هؤلاء الأصدقاء الذين غدرتم بهم. لمزيد من مقالات ايمان سند