ب50 مليون جنيه.. محافظ الدقهلية يفتتح مجزر المنصورة نصف الآلي بقرية ميت الكرما    2 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم في سوق العبور للجملة    محافظ القليوبية يوجه رؤساء المدن بتكثيف المرور الميداني: لا تهاون مع التعديات خلال عيد الأضحى    روسيا: تلقينا مسودة مذكرة أوكرانية بشأن السلام    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل القيادة البولندية الجديدة العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    الوحش الانتحاري.. سلاح الاحتلال الذي يدمر غزة عن بعد    الزمالك يهنئ بيراميدز بعد فوزه بدوري أبطال أفريقيا    وكيل تعليم جنوب سيناء يتابع لجان امتحانات الشهادة الإعدادية    بدء استقبال حجاج السياحة الخمس نجوم في مكة استعدادا للتصعيد إلى عرفات    خالد صديق: حدائق تلال الفسطاط من أكبر المشاريع في الشرق الأوسط وإفريقيا    في بداية تعاملات جلسة الاثنين .. تراجع المؤشر الرئيسى للبورصة    « البنك المركزي» يكشف موعد إجازة البنوك بمناسبة عيد الأضحى    جامعة القناة ترسم البهجة على وجوه أطفال دار أيتام بالإسماعيلية    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    مواعيد إجازة البنوك خلال عيد الأضحى    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    الصين تتهم الولايات المتحدة بتقويض التوافق الذي تم التوصل إليه خلال محادثات جنيف    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    صحف قطرية: القاهرة والدوحة تسعيان لتذليل أى عقبات تواجه مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    منافس الأهلي - بالميراس يخسر للمباراة الثانية على التوالي في الدوري البرازيلي    أسعار الذهب ترتفع مع تهديد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية    مد فترة حجز وحدات «سكن لكل المصريين7» حتى 18 يونيو    تعليم الغربية: التقدم لرياض الأطفال حتى 30 يونيو بالموقع الإلكترونى الموحد    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    إرتفاع أسعار النفط بعد قرار «أوبك+» زيادة الإنتاج في يوليو    مجلس الوزراء : إصدار 198 قرار علاج على نفقة الدولة خلال شهر مايو الماضى    طارق يحيى لإدارة الزمالك: «انسوا زيزو وركزوا في كأس مصر»    ختام دوري حزب حماة الوطن لعمال الشركات الموسم الثاني    دنيا سامي تكشف كواليس دخولها مجال التمثيل    فريق من النيابة الإدارية يواصل الاستماع لأقوال مسئولى ثقافة الأقصر اليوم    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    شاب ينهي حياة والده بطعنة زجاج بسبب خلاف على «توك توك» في شبرا الخيمة    رفع درجة الاستعداد القصوى في الأقصر لاستقبال عيد الأضحى    رئيس تشيلي: فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    أرملة إبراهيم شيكا ترد على أنباء مساعدة سعد الصغير للأسرة    نصائح من وزارة الصحة للحجاج قبل يوم عرفة    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    المتهم الثاني في قضية انفجار خط الغاز بالواحات: «اتخضينا وهربنا» (خاص)    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    هل يحرم قص الشعر والأظافر لمن سيضحي؟.. الأوقاف توضح    خبير لوائح: هناك تقاعس واضح في الفصل بشكوى الزمالك ضد زيزو    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    رئيس قسم النحل بمركز البحوث الزراعية ينفي تداول منتجات مغشوشة: العسل المصري بخير    قد تسبب الوفاة.. تجنب تناول الماء المثلج    مسؤول بيراميدز: تعرضنا لضغط كبير ضد صن داونز والبطولة مجهود موسم كامل    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    هل صلاة العيد تسقط صلاة الجمعة؟ أمين الفتوى يكشف الحكم الشرعي (فيديو)    قبل العيد.. 7 خطوات لتنظيف الثلاجة بفعالية للحفاظ على الطعام والصحة    هل يمكن إخراج المال بدلا من الذبح للأضحية؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوبى ولد فى إخميم
ذو النون.. المصرى صاحب المقامات
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 07 - 2014

في زمن بعيد وفي يوم سعيد شهدته أخميم تلك البلاد الجنوبية الحارة النائية بنفسها عن اللغو والصخب شُرفت الديار المصرية التي كانت وقتها إحدى ولايات الدولة العباسية باستقبال وليد ذي شأن لن يفارقها إلا لسياحاته القصيرة ثم يعود ليدفن بين جنباتها مسطرًا بما تركه من أقوال سطورًا من نور في تاريخ التصوف الإسلامي؛ ليشهد له كثيرون في لاحق الأيام إنه أحق رجال التصوف بأن يُطلق عليه رائد علم التصوف إن جاز التعبير.
لأب نوبي كان مولى لإسحاق بن محمد الأنصاري كما تُجمع غالبية المصادر وُلد ذو النون المصري في أواخر خلافة العباسي أبي جعفر المنصور أي في أوائل سنوات النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وُلد بأخميم تلك البلدة الصغيرة التي تقع حاليًا بسوهاج فأقام بها فترة ثم هجرها نتيجة حادثة مفادها إنه سمع يومًا صوت لهو ودفوف: فسأل: ماهذا؟ قيل: عرس. وسمع بجانبه بكاءً وصياحًا، فسأل: ماهذا؟ قيل: فلان مات. قال: أعطى هؤلاء فما شكروا وابتلى هؤلاء فماصبروا، لله علي إن بت بهذا البلد فخرج فورًا إلى مصر فقطنها، والمقصود بمصر هنا الفسطاط والعسكر حيث لم تكن القطائع الطولونية والقاهرة الفاطمية قد بُنيتا بعد.
اختلفت المصادر في اسمه مابين ثوبان بن إبراهيم وفيض بن إبراهيم وأحمد بن فيض وإن كان الأول هو ما نرجحه لتكرار اسم ثوبان فيما رُوي عنه، وقيمته في عالم التصوف لا تنبع فقط بسبب كونه من أوائل الصوفية الذين شهدهم العالم الإسلامي ولكن لأنه أول من تحدث عن ترتيب الأحوال ومقامات الأولياء وهو حديث سوف يزدهر في لاحق الأيام ليصبح أحد الأعمدة الهامة في بناء التصوف الرحب.
لذي النون مثل غيره من رجالات الحقيقة عبارات دقيقة ومعانٍ رقيقة تناقلتها العقول جيلاً بعد جيل، ولعل أوقعها على النفس ما قاله في سبب انقطاعه عن الدنيا حين حكى أنه خرج يومًا إلى الصحراء فوجد قنبرة عمياء والقنبرة طائر صغير مغرد قد سقطت من وكرها فانشقت الأرض وخرجت منها سكرجتان أي قدرتان واحدة من الذهب والأخرى من الفضة في إحداهما سمسم وفي الأخرى ماء فجعلت تأكل من هذا وتشرب من هذا فقال ذو النون: حسبي قد تبت، وأضاف: ولزمت الباب إلى أن قُبلت.
وبغض النظر عن صدق الرواية من عدمه فلا يستطيع أحد إنكار مافيها من معانٍ عظيمة تُريح القلوب وتجليها، فالمدقق فيها سوف يدرك أن تصوف الرجل أتى عن طريق تدبره لما رآه من توزيع الرزق على كل المخلوقات بالعدل والقسطاس وهو فعل يتكرر يوميًا أمام أعين كل البشر يشاهدونه بلا اكتراث، ولكن في حالة ذي النون كان لهذا الفعل أثرٌ في نفسه جعله يسلك مسلكاً مختلفاً، وهو ما يشذ قليلاً عن قاعدة أهل التصوف حيث تأتى توبة أغلبهم بعد مرورهم بفترات من المحن والإحن.
وللجنوبي المصري دلو قد أدلاه في علم الحديث حيث روى عن مالك وابن لهيعة والليث بن سعد وفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة، وهو من القلة الذين رووا الموطأ عن الإمام مالك ورغم ذلك فعندما سُئل عن عدم اشتغاله بالحديث قال: للحديث رجال وشغلي بنفسي استغرق وقتي والحديث من أركان الدين ولولا نقص دخل على أهل الحديث والفقه لكانوا أفضل الناس في زمانهم ألا تراهم بذلوا علمهم لأهل الدنيا يستحلبون دنياهم فحجبوهم واستكبروا عليهم وافتتنوا بالدنيا لما رأوا من حرص أهل العلم والمتفقهين عليها فخانوا الله ورسوله وصار إثم كل من تبعهم في عنقهم جعلوا العلم فخًا للدنيا وسلاحًا يكسبونها بعد أن كان سراجًا للدين يُستضاء به.
وكما هو حال أهل التصوف في وقته عانى ذو النون من تعنت فقهاء أهل زمانه الذين وشوا به لدى الخليفة جعفر المتوكل ورموه بالزندقة تارة وتارة أخرى بنشر التشيع فكان يُنشد ويقول:
ومالي سوى الإطراق والصمت حيلة ***ووضعي كفي تحت خدي وتذكاري
وعندما زاد القيل والقال بعث المتوكل في طلبه فاقتيد إلى بغداد في الحديد، في يده الغل وفي قدميه القيد والناس يبكونه، وعندما مثل أمام المتوكل وتحدث، أعجب به الخليفة واعتبره من الزهاد أولياء الله في الأرض، وأمر بإكرامه وكان يقول: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بذي النون ولذي النون مقالات كثيرة في حضرة المتوكل منها ما قاله في وصف أولياء الله عزَّ وجلَّ عندما سأله الخليفة عن صفاتهم فقال: هم قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته، وجللهم بالبهاء من إرادة كرامته، ووضع على مفارقهم تيجان مسرته.
وقدر ذو النون في التصوف يأتي بسبب كونه من أوائل من تكلم في مقامات الأولياء كما ذكرنا سابقًا وهو حديث لم تعرفه مصر ولا العالم الإسلامي من قبله، وهو ما أغضب الفقيه المالكي عبد الله بن الحكم مفتى الديار وقتها الذي أنكر عليه حديثه فهجره العلماء وشاع عنه إنه أحدث علمًا لم يتكلم فيه السلف، وهي تهمة كانت كفيلة بقتله وقتها.
وذو النون صاحب سياحات كثيرة كعادة غالبية أهل التصوف الذين يسيحون في الأرض يتدبرون وينظرون في ما خلق الله وقد ذهب للشام وطاف بجبل لبنان وأقام مدة في دمشق وطرسوس.
وله أشعار كثيرة في الحب الإلهي، وينسب بعض الباحثين أشعار رابعة الشهيرة له:
أحبك حبين حب الهوى *** وحبا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى *** فذكر شغلت به عن سواكا
وأما الذي أنت أهل له *** فكشفك للحجب حتى أراكا
فما الحمد في ذا ولا ذاك لي *** ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
وأصل ذلك رواية أوردها أبو نعيم في «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» حين قال عن سعيد بن عثمان إنه قال: كنت مع ذي النون في تيه بني إسرائيل فبينما نحن نسير إذا بشخص فقال ذو النون: انظر فإنه لا يضع قدمه في هذا المكان إلا صديق. فنظرت فإذا هي امرأة فقلت إنها امرأة، فقال صديقة ورب الكعبة فابتدر وسلم عليها فردت السلام ثم قالت ما للرجل ومخاطبة النساء؟ فقال لها إني أخوك ذا النون ولست من أهل التهم فقالت مرحبًا حياك الله بالسلام. فقال لها: ما حملك على الدخول إلى هذا الموضع؟ فقالت: آية في كتاب الله تعالى :( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) فكلما دخلت إلى موضع يُعصى فيه لم يهننى القرار فيه بقلب قد أبهلته شدة محبته، وهام بالشوق إلى رؤيته. فقال لها: صفي لي فقالت: يا سبحان الله! أنت عارف تتكلم بلسان المعرفة تسألني؟ فقال يحق للسائل الجواب. فقالت: نعم، المحبة عندي لها أول وآخر، فأولها لهج القلب بذكر المحبوب، والحزن الدائم، والتشوق اللازم، فإذا صاروا إلى أعلاها شغلهم وجدان الخلوات عن كثير من أعمال الطاعات. ثم أخذت في الزفير والشهيق وأنشأت تنشد الأبيات المنسوبة لرابعة العدوية.
وآن للمحارب أن يستريح بعدما أوذي كثيرًا ممن أُغلق عليهم، فتوفى ذي النون عام 245 هجرية في التسعين من عمره بعد أن خاض حياة حافلة متنقلاً بين جنبات التصوف ويوم تشييع جنازته نُقل إلى قرافة أهل المعافر بجبل المقطم عن طريق النهر من الجيزة إلى الفسطاط خوفًا من زحام الناس على الجسر الذين شيعوه ببكاء عظيم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.