وفقا لصحيفة «الأهرام» فى يوم 17 يوليو الحالي، تمكنت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية من تحطيم كل الأرقام القياسية فى قطع الكهرباء وتخفيف الأحمال، ليبقى الكثير من المصريين ضحايا للظلام والحر، فضلا عن معاناتهم من إرتفاع قيمة فاتورة الكهرباء بعد زيادة أسعارها لتقليل فاتورة دعم الطاقة التى تثقل أعباء الموازنة العامة للدولة. الانقطاع المتكرر للكهرباء ولفترات طويلة فى العديد من مدن وقرى الجمهورية له آثار اقتصادية بالغة السلبية. حيث أدى فى عدد من الحالات، وفقا لما نشرته «الأهرام» فى نفس اليوم المذكور، إلى «حدوث شلل تام فى محافظة الوادى الجديد»، و«خسائر بالجملة فى ورش الأثاث ومصانع الحلويات فى محافظة دمياط»، و«خراب المحال فى محافظتى القليوبية وأسيوط». هذه الاخبار، ومثلها الكثير فى معظم وسائل الإعلام المصرية عن الخسائر المادية الضخمة المترتبة عن انقطاع الكهرباء، ليست إلا انعكاسا لحالة يرثى لها فى منظومة الطاقة المصرية، التى اصبحت «عصب الحياة المركزي» للشعب المصرى وانشطته الانتاجية والخدمية المختلفة. كما أن التأخر فى التعامل الجاد والفعال مع هذه الحالة «الحرجة» التى وصلنا إليها سيؤدى بنا ليس فقط إلى تغيير أسلوب الحياة الحديثة الذى تعودنا عليه، وإنما أيضا إلى العودة إلى نمط الحياة الذى مارسه قدماء المصريين فى العصر الحجري. كما أن استمرار العجز فى توفير الكهرباء، وغيرها من صور الطاقة المختلفة، لجميع المصريين فى جميع الأوقات، وبأسعار ملائمة، سوف يهدد إمكانية تنفيذ أى خطط تنموية فى المستقبل. ومن هنا، اقترح أن يقوم الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسى فورا بدعوة جميع الأطراف الفاعلة فى منظومة الطاقة المصرية، وعلى رأسها حكومة المهندس إبراهيم محلب ورجال الأعمال، للتوصل إلى «رؤية مشتركة ومتكاملة» تقوم على منظور واسع وطويل المدي، للتعامل مع تحديات الطاقة المتفاقمة فى مصر، والتى لا يصلح التعامل معها من منظور محدود وقاصر على «رد الفعل» تجاه الأزمات المتعاقبة، على أن يتم طرح هذه الرؤية للنقاش المجتمعى لضمان التوافق حولها، وبالتالى التضامن فى تنفيذها على أرض الواقع. هذه الرؤية يجب أن تشتمل، فى المدى القصير، على وضع خريطة طريق واضحة المعالم للتخلص تماما من انقطاعات الكهرباء خلال السنوات الأربع المقبلة، على أن يكون ذلك بالتعاون بين رجال الأعمال المصريين والوزراء المعنيين. ويجب أن تراعى هذه الرؤية تحقيق التنافسية فى سوق الكهرباء، والوصول لأفضل الأسعار وأعلى مستويات الخدمة، وأيضا حماية المستهلكين من خلال شفافية الأداء وضمان علاقة متوازنة بين موردى ومستهلكى الخدمة. ومن الضرورى أن تؤكد هذه الرؤية على آليات تشجيع رجال الأعمال على الاستثمار فى مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبيوجاز. ومن الآليات المتعارف عليها عالميا فى هذا الإطار منح إعفاءات ضريبية وجمركية على مستلزمات الانتاج المختلفة المتعلقة بهذه المشروعات، وتحديد الأراضى الممكنة لإقامة هذه المشروعات، من حيث القدرة على التوصيل بالشبكة القومية، وعمل دراسة وافية عن حالة هذه الشبكة ومدى قدرتها على استيعاب الكهرباء المولدة من هذه المشروعات. ولعل إسراع الحكومة الحالية بوضع سعر عادل ومغر لشراء الكهرباء المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة، عن طريق ما يعرف بالتعريفة المتميزة feed-in-tariff، من أهم الآليات التى ستشجع رجال الأعمال والبنوك على الاستثمار فى هذا المجال. كذلك قد يكون من المهم أيضا قيام جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك بوضع وإعلان جميع المواصفات القياسية المطلوبة فى مشروعات الطاقة المتجددة لربطها بالشبكة القومية للكهرباء، حتى نضمن عمل هذه المشروعات وفقا للمعايير الدولية. ومن الضرورى أيضا ان تضع هذه الرؤية تصورا حول كيفية إعداد الكوادر الفنية الوطنية المدربة لتصميم وتنفيذ وصيانة المشروعات الجديدة للطاقة، وهو ما سيوفر مئات الآلاف من الوظائف الجديدة سنويا، وبالتالى التخفيف من حدة أزمة البطالة الحالية. ومن جهة أخري، يجب على الدولة المصرية رعاية سلسلة من الاكتتابات العامة لتمويل مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة. فمثل هذه الاكتتابات لن تحمل الحكومة أى أعباء مادية جديدة. كما أنها سوف تعمق الانتماء الوطنى لدى كل من يشارك فيها لمساهمته فى التعامل الجاد مع أزمة الطاقة التى تهدد حياة جميع المصريين، فضلا عن إمكانية حصولهم على ربح من وراء المساهمة فى هذه المشروعات، التى تعد من أكثر المشروعات ربحية فى العالم. وفى المدى المتوسط والطويل، من الضرورى أن تؤكد هذه الرؤية ضرورة احتفاظ مصر بتنوع فى خيارات الطاقة المتاحة لها عن طريق عمل «توليفة طاقة» مناسبة، تضمن التوازن بين ثلاثة مكونات رئيسية وهى الحصول على إمدادات مستقرة من الطاقة، والأسعار المعقولة، والمحافظة على البيئة. وفى ضوء ذلك، يجب على رجال الأعمال ومسئولى الحكومة دعم الابتكارات التكنولوجية والتصنيع المحلى فى جميع مجالات الطاقة، سواء كانت شمسية أو رياحا او نووية أو بترولية أو غازا طبيعيا أو فحما. فكل مصدر من هذه المصادر له مزايا وعيوب، ويمكن عن طريق تشجيع التطوير والبحوث تقليل عيوب هذه المصادر، سواء من حيث الكفاءة المنخفضة او التكلفة المرتفعة أو عدم استقرار الانتاج. ومن ناحية أخري، يجب تفعيل ما يعرف بدبلوماسية الطاقة، وتتضمن توظيف وسائل التحفيز والضغط المختلفة من أجل تفعيل مجالات التعاون فى مجال الطاقة مع دول العالم المختلفة، رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية لمزيد من مقالات د. أحمد قنديل