مازال لإنجاب الذكور بريق خاص بين الكثيرين.. ذلك البريق يقابله على الجانب الآخر رعب يسيطر على المرأة التي تصادف أنها لم تنجب سوى البنات، وذلك لأنها تكون مهددة بين لحظة وأخرى بالطلاق أو بالزواج عليها حتى يحقق زوجها حلمه في إنجاب الذكور!! هذا ما تؤكده دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أن هناك 12 ألف حالة طلاق سنويًا بسبب إنجاب البنات، ورفض الزوجات الاستمرار في الإنجاب إلى ما لا نهاية، في انتظار الولد، رغم أنهن لسن مسئولات عنه، وهو ما يؤكد أننا أمام أزمة تعاني منها زوجات كثيرات، عندما يصر أزواجهن على استمرار الإنجاب حتى يأتي الولد! فماذا يفعلن؟ وما هو حكم الشرع في تلك المشكلة؟ الدكتور محمود عاشور أستاذ الشريعة وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف له رأي في هذا الموضوع يقول فيه: إن نفس الفكرة الجاهلية الذكورية التي قام الإسلام ليغيرها لا تزال للأسف موجودة عند بعض الأسر التي تعتقد أن أبناء البنات ليسوا أبناءها، ولا يزال يتردد قول الشاعر(بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد).. هؤلاء يعيشون في عالم تتغلب عليهم الأنانية والمعني الذكوري، والأمر يحتاج إلي ثورة ثقافية في المجتمع كله ترتفع فيها المستويات الثقافية بالمعني الحقيقي وليس مجرد الشهادات الجامعية او التعليم فقط. ويضيف: وليس في تعاليم ديننا السمح ما يميز بين الذكر والأنثي، والإنجاب أمره راجع إلي مشيئة الله، وليس في قدرة الإنسان مهما بلغ علمه أن يحدد المولود ذكرا أو أنثي، فقد استأثر سبحانه وتعالي بهذا التنظيم الدقيق والتوازن، فهو القائل «الله يعلم ما تحمل كل أنثي..»وإني أتساءل..هل يضمن أبو البنات الطامع في إنجاب الولد أنه سيكون باراً به مثلهن، بل إنه قد يكون وبالاً عليه ويسومه سوء العذاب ويذله في الحياة الدنيا، ولهذا قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» الآيتان 14- 15 سورة التغابن. فيجب على من رزقه الله بالبنات أن يتوقف عن التفكير الجاهلي ويرضى بقضاء الله ويحسن تربيتهن، لأنه إن سخط على قضاء الله فقد خسر الدنيا والآخرة، لأنه سبحانه القائل في الحديث القدسي: «عبدي، أتقرب إليك بالنعم وتتبغض إلى بالمعاصي، خيري إليك نازل وشرك إلى صاعد، من يرضى بقضائي ويصبر على بلائي ويشكر لنعمائي أحشره تحت سمائي، ومن لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر لنعمائي، فليخرج من تحت سمائي وليطلب له رباً سواي». وأنهي الدكتور عاشور كلامه بنصيحة أبي البنات أن يكون راضياً بما رزقه الله من البنات، فهو أفضل من العقيم الذي قدر الله حرمانه من الإنجاب أصلاً، ولهذا فإن الرضا بقضاء الله وقدره سعادة في الدنيا والجنة في الآخرة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط وقد أخبرنا الله تعالى في القرآن أننا لا ندري أين الخير الذي ليس مرتبطاً بإنجاب البنين، كما يظن الجهلاء فقال تعالى: «آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً» الآية 11 سورة النساء. مطلوب استراتيجية للتغيير وتشير الدكتورة هدي زكريا أستاذة علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، إلى أن تلك المفاهيم والموروثات الإجتماعية الراسخة في مجتمعاتنا من أيام العصر الجاهلي، لن يتم تغييرها في يوم وليلة، وإنما يتطلب هذا جهداً ووقتاً، لكن لا بد أن تكون هناك استراتيجية متكاملة لإحداث التغيير، من خلال تكامل دور الثقافة الدينية والطبية والإعلامية، التي يجب أن تلعب دورها قبل الزواج وليس بعده فقط. وطالبت أستاذة علم الإجتماع بأن تحترم الأسر البنات وتساويهن مع الذكور في المعاملة ك«شقائق»، كما لخص الرسول صلي الله عليه وسلم القضية في كلمات معدودة هي: «إنما النساء شقائق الرجال»، ومهمتنا تحويل هذه الكلمات البليغة إلى واقع يبدأ من الأسرة والمدرسة والجامعة ومؤسسات الثقافة والإعلام، حتى تعتز البنت بنفسها ويحترمها مجتمعها كالولد تماماً، وأن يتم ترسيخ ذلك في واقع الحياة العملي، وليس من خلال نصوص قانونية صماء شتان بينها وبين الواقع، مع فرض عقوبة قانونية على من يمارس أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة، بما في ذلك إجبار المرأة على الإنجاب المستمر كالأرنبة حتى تنجب الولد.