فى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية ، وما تعانيه منظومة النقل وخاصة السكة الحديد من قصور، أُعلن أن وزارة النقل انتهت من دراسة مشروع إنشاء خط سكة حديد سريع ومكهرب يربط مابين القاهرة ومدينة العاشر من رمضان ليبدأ تنفيذه مع نهاية العام الحالي. وذلك بالتعاون مع شركة صينية وبالتنسيق مع وزارة التعاون الدولى . ويلاحظ أنه فى الوقت الذى يدبر المسئولون تمويلا يقدر بأكثر من خمسة مليارات جنيه من مصادر محلية وخارجية لمشروع مشكوك فى فاعليته وله آثار سلبية كثيرة كما سنوضح لاحقاً؛ فإن هناك قصوراً كبيراً فى توفير الاحتياجات العاجلة لمشروعات قائمة فعلاً وبمبالغ أقل كثيراً . وعلى كل فإن هذا المشروع قديم سبق أن اتخذ قرار بتنفيذه مرتين، إلا أن التنفيذ أوقف بعد التأكد من عدم جدواه او فاعليته، وهذه هى المحاولة الثالثة لتنفيذه بعد اجراء تعديلات شكلية عليه. فقد سبق ان اتخذ المهندس حسب الله الكفراوى حينما كان وزيراً للإسكان والمجتمعات العمرانية قراراً بإنشاء هذا الخط ،وقد عُهد إلينا بتقييم العطاءات المقدمة من مجموعات بيوت الخبرة Consortiums التى تقدمت لإنشائه. وقد أعددنا دراسة فى يناير 1987 انتهينا فيها بعدم اقتصاديته، حيث إن العاشر من رمضان مدينة صناعية مستقلة تخدم مصر بكاملها وتهدف للتصدير للأسواق الخارجية وتتبع إدارياً محافظة الشرقية التى توفر لها احتياجاتها من اليد العاملة هى ومحافظة الاسماعيلية بشكل رئيسي. ومن ثم فان إنشاء هذا الخط لن يحل مشكلة العاملين الذين يعملون بمدينة العاشر ويقيمون خارجها، حيث إن أغلبهم لايقيمون بالقاهرة ولكن فى محافظتى الشرقيةوالاسماعيلية. وعلى كل ، فإن خط المترو - وخطوط السكة الحديد بصفة عامة - ليست أنسب وسيلة لنقل هؤلاء العاملين سواء من الناحية الاقتصادية أو من ناحية مستوى الخدمة التى يتيحها. وذلك أخذاً فى الحسبان حجم الحركة ومعدلات تقاطرها. والأخطر من ذلك أن هذا الخط يخفض من الكفاءة الانتاجية لمصانع العاشر حيث إنه يشجع الكثيرمن العاملين على الإقامة خارج مدينة العاشر بعيداً عن المصانع التى يعملون بها. وهو ما يؤدى لتكاليف تتحملها المصانع أو العاملون بها للانتقال مابين العمل والسكن ، والأهم تحمل المصانع بطريق مباشر أو غير مباشر تكلفة مالا يقل عن أربع ساعات يوميا يستغرقها وقت انتقال هؤلاء العاملين مابين العمل والسكن. هذا بالاضافة إلى أثره فى تفاقم تعقيدات المرور. وقد تمت الموافقة على نتائج هذه الدراسة وتم ايقاف تنفيذ المشروع. إلا أنه بعد أكثر من عشر سنوات أعلن فى الصحف أن المشروع نفسه مدرج للاعتماد من مجلس الوزراء فى جلسة 15 نوفمبر 2002. وقد سارعت بتحديث الدراسة وأرسلتها لرئيس الوزراء فى ذلك الوقت الذى قرر بناءً على ذلك ايقاف تنفيذ المشروع للمرة الثانية. ولم يتوقف أصحاب المصلحة عن الضغط لإنشاء هذا الخط ، حيث أعلنوا أنهم سيسهمون فى تكلفة انشائه بمليون جنيه لكل مصنع كبير ، 100.000 جنيه للمصانع الأخري. كما قاموا بتعديل شكلى بإضافة تفريعة له لبلبيس على أساس انها المقر السكنى لجزء كبير من اليد العاملة التى تنتقل للعمل فى مصانع العاشر. رغم أن بلبيس ليست إلا جزءًا من محافظة الشرقية التى يقيم العاملون فى مختلف أرجائها وليس ببلبيس فقط. والأهم من هذا أن من سيستخدم الخط ليس كل العاملين المقيمين فى منطقة بلبيس، حيث إن السكة الحديد عكس وسائل النقل الأخرى - لا يمكن تفريع خدماتها لتكون فى متناول المناطق البعيدة عن مساره. ومن ثم لن يكون له أى فاعلية للغالبية العظمى من العاملين المقيمين فى مختلف ارجاء الشرقية حتى تلك المناطق التابعة لبلبيس. ولعل أهم مايحققه هذا الخط هو تحميل الجزء الأكبر من تكلفة نقل بعض العاملين المقيمين فى القاهرة أو بلبيس على الدولة بدلا من المصانع. ويؤكد هذا أن المصانع التى عرضت المساهمة فى تمويل المشروع اشترطت أن تحصل على ما أسهمت به فى صورة خفض فى أجرة نقل العاملين بها على هذا الخط بعد تشغيله. أما بخصوص تسهيل هذا الخط للتنقل مابين مدن السلام والعبور والشروق وبدر وبين القاهرة ، فإن من المفروض أن توفر منظومة النقل الجماعى بالقاهرة الكبرى - التى تمثل مدن الضواحى تلك جزءا منها -رحلات متكاملة لمواطنى تلك المدن. إن المشكلة التى تعانى منها مدينة العاشر هى عدم اقامة العاملين أهم عنصر من عناصر الانتاج- فيها. وهو ما يؤدى لتحمل تلك المصانع بتكاليف نقل العاملين يوميا ما بين مكانى العمل والسكن بوسائل نقل لا تعمل إلا نحو 4 ساعات يوميا ، ثم تمثل طاقات انتاجية عاطلة بقية اليوم. أو أن تضطر المصانع أن تعوضهم عن تكلفة انتقالهم يوميا للعمل ، بطريق مباشر أو غير مباشر. هذا بالإضافة للتكاليف غير المباشرة المتمثلة فى فقد العاملين لأربع ساعات يومياً وقتا ضائعا فى التنقل اليومى مابين العمل والسكن. إن الحل هو جذب العاملين للانتقال للإقامة فى مدينة العاشر ، والإسراع فى تكوين مجتمع صناعى متكامل يوفر فرص العمل المحفزة بعائد أكبر وفرصا لمستقبل أفضل. مع توافر مختلف الخدمات المعيشية والتعليمية والصحية والترفيهية. ومن البديهى أن العامل الحاسم للانتقال للإقامة الدائمة فى مدينة العاشر هو وجود مسكن مناسب وبتكلفة منخفضة إن لم تكن رمزية بدعم من الجهات المعنية . وهو ما يمكن أن يتحقق من الوفورات التى ستحققها المصانع، نتيجة لتخلصها من التكاليف التى تتحملها حاليا بطريق مباشر أو غير مباشر لنقل العاملين من أماكن سكنهم إلى مكان المصنع الذى يعملون به. كذلك الوفورات التى ستحققها نتيجة لتوفير أربع ساعات فى المتوسط يفقدها العامل يوميا فى التنقل مابين العمل والسكن. هذا بالإضافة لما سيعود على المصانع نتيجة لخفض معدلات دوران العمل والتغيب ، وإيجاد ارتباط وإنتماء بين العامل والمصنع الذى يعمل به. حيث إنه سيكون المصدر الوحيد لدخله ، عكس الوضع الحالى للمقيمين فى مناطق ريفية الذين كثيرا ما يكون لهم نشاط آخر اضافى فى قريتهم. ومن المفروض أن تسهم الدولة بإتاحة أرض لإقامة مساكن اقتصادية للطبقة العاملة خاصة وأنها أرض بكر رخيصة على أطراف الكتلة السكانية فى منطقة صناعية. مانريد أن نؤكده هو غياب الرؤية الواضحة عند وضع السياسات واتخاذ القرارات الخاصة بإقامة مشروعات كبرى مكلفة . وعدم مراعاة استخدام الامكانات المتاحة -أياً كانت مصادرها حكومية أو من تمويل داخلى أو خارجى ذ وفقاً لأولويات تحكمها التكلفة والعائد لكل بديل. وذلك دون التأثر بآراء أصحاب الصوت العالى والذين كثيراً ما يركزون على الحلول التى تتوافق مع مصالحهم الشخصية وإن كانت لها مشاكلها أكبر، ليس للمجتمع فقط بل ولهم شخصياً كرجال صناعة وليس كمستثمرين فى أراض. لمزيد من مقالات د.سعد الدين العشماوى