رغم أنهار الحبر السيالة التى تكتب تلك الأيام عن تقييم أساليب الإخراج فى مسلسلات رمضان، وينتمى الكثير منها الى الانطباعات غير العلمية والقليل منها إلى أصول النقد العلمى إلا أن الأغلبية الساحقة منها ينقصها الفهم العميق لمهنة الإخراج أوحرفياتها . ولعل جوائز (إيمي) الأمريكية هى المعادل الموضوعى لجوائز الأوسكار فى عالم التلفزيون. ويعتمد المحكمون على ستة حلقات فقط من كل مسلسل درامى للحكم على مدى استحقاقه الجائزة من عدمه. والآن بعد مرور 14 حلقة من مسلسلاتنا، نستطيع أن نستخلص رؤى نقدية بالتأكيد لإتجاهات الإخراج. من أهم ما يلجأ له المحكمون العالميون فى التقييم هو مدى مناسبة أسلوب الإخراج لمضمون وموضوع وأحداث المسلسل أو بعبارة أخرى مدى التكامل بين الشكل والمضمون. ومن أهم ما يقوم به المخرج لصناعة أسلوبه فى عمل ما، هى العلاقات بين لقطاته فى المشهد الواحد وفى الحلقة الواحدة وفى المسلسل ككل. فى مسلسل سجن النسا مثلا، تم تفضيل اللقطات القربية ( الكلوز) على كل الآحجام الأخري.و أكثرت مخرجة هذا المسلسل من استخدام اللقطة المقربة ومضاعفاتها ربما للغوص فى نفوس الشخصيات أو لنقل الاحساس بأنها محاصرة أو مسجونة كما يقصد هدف المسلسل. لكن لأن كل شىء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، يشعر الناقد بالافراط فى استخدام هذا الأسلوب مما يجعل المتفرج نفسه يشعر بالاختناق بدا من أن يشعر بإختناق الشخصيات. أما أكثر أساليب الإخراج تفوقا وتجليا هذا العام فكانت فى أسلوب المخرجين ( خالد مرعي) فى مسلسل السبع وصايا و (شادى الفخراني) فى مسلسل دهشة. الرسوخ فى الأسلوب والاحساس بالثقة بالنفس فى اختيار حجم اللقطات وزاوية تصويرها وطول كل منها كان على رأس أدوات المخرجين. وتكمن موهبة خالد مرعى فى تعامله الذكى مع صعوبة موضوع مسلسل السبع وصايا وعدم اعتياديته، حيث يتراوح بين الواقع والخيال، وبين الخرافة وبين حلم الشخصيات بالخلاص ومخاوفها الدائمة وخطاياها المتزايدة.اختار مرعى أسلوبا إخراجيا سلسا وغير معقد، فأخذ يحكى قصصه بسلاسة فى الإنتقال بين اللقطات، مع استخدام زوايا جانبية أحيانا فى مشاهد المقامات والأضرحة، مع وضع تيمة الموسيقى الرئيسية بذكاء وتأن عند تنبيه المتفرجين لقرب وقوع أحد الشخصيات فى مأزق. وأدار مرعى ممثليه بكثير من الطبيعية، ولم يجعل أداءهم غريبا أو غامضا اتساقا مع غرابة الحكايات، أما شادى الفخراني، فحسه التشكيلى لا تخطئه العين.تكويناته الرائعة للكادر التى رسخها منذ مسلسله الأول الخواجة عبد القادر، مستمرة فى (دهشة) لتؤكد العالم الأسطورى للقرية التى تدور بها الأحداث. يتميز شادى بحسن استخدام المستويات المتعددة فى الكادر الواحد. فأحيانا يصنع حدثا فى أمامية الكادر ( الفور جراوند) ويؤكد معنى عكسيا فى الخلفية ( الباك جراوند)، ويستخدم الأبواب والشبابيك كحاجزا يحجز به معلومات عن الحبكة عن الشخصيات ويظهرها للمتفرج. بالإضافة لكون هذا المخرج من أفضل من يقدمون مشاهد نهارية موحية فى أعمالهم،. ومعلوم أن النهار لا يخرج دائما بصورة جيدة فى المسلسلات المصرية، بسبب تعامد الشمس آغلب الوقت فى القاهرة. أما أسوأ أساليب الإخراج بلا منازع هذا العام هو أسلوب المخرج محمد سامى فى مسلسل ( كلام على ورق). ناهيك أن وضع الكاميرا بشكل مائل لا يستطيع أن يتحمله الانسان الطبيعى حسب كل النظريات العلمية والطبية، وان اختيار هذا الأسلوب آفقد المسلسل ( الضعيف السيناريو أساس) كل قدرة منطقية على الرغبة فى المتابعة، لكن أغلب تقطيعات اللقطات الأخرى كل هدفها احداث غرائبية بالتكوين بدون البحث عن أى معنى درامى أو لحظة ما فى الحبكة، يريد تأكيدها. مشكلة هذا المخرج ،أنه فى كل مسلسل يقع أسيرآ لرغبته فى أن يكون مختلفا بدون أن يسأل نفسه أو يسأله نجومه أو منتجوه اذا ما كانت اختياراته الفنية مناسبة أم لا. [email protected]