طرحت ثورات الربيع العربى بقوة قضية التحول الديمقراطى فى مصر وتونس وليبيا واليمن ، وإنعكس هذا التوجه على باقى الأقطار العربية حيث يشتد النضال من أجل التحول الديمقراطى على إمتداد الوطن العربى ، فهذا التحول ليس مجرد نتيجة لثورات الربيع العربى بل يسبقها بكثير حيث يمتد النضال من أجل الديمقراطية فى العديد من الأقطار العربية إلى منتصف القرن التاسع عشر . ورغم بعض البدايات المبشرة فى عملية التحول الديمقراطى منذ يناير 2011 حتى يونيو 2013 إلا أن العام الأخير شهد إنتكاسة خطيرة فى هذه العملية سواء فى ليبيا أو مصر أو اليمن ، وشملت هذه الإنتكاسة بدرجة كبيرة أقطاراً عربية لم تندرج بعد فى سياق الثورة مثل العراقوسوريا والسودان ، ولا تزال أقطار عربية أخرى تراوح مكانها فى التحول الديمقراطى مثل الجزائر والمغرب ولبنان فهى لا تحقق تقدماً يذكر فى هذا المجال ، ولكنها لا تزال قادرة على الحفاظ على التوازن داخلها بين نظم الحكم والمعارضة . وفى دراسة حديثة عن تطور أنماط الصراعات فى منطقة الشرق الأوسط قام بها معهد هايدلبيرج عن عام 2013 يلاحظ أن الصراعات ذات الشدة العالية التى تصل فى أدنى حدودها إلى أزمات عنيفة ، وفى أقصى حدودها إلى درجة الحرب هى تلك التى أطرافها داخلية من جماعات معارضة وجماعات اثنية كما فى حالات سوريا ومصر وليبيا ومن اللافت للإنتباه فى هذه الدراسة ، ان كل دولة من دول الإقليم قد شهدت صراعات داخلية متعددة الأبعاد ، من حيث درجة العنف والشدة ، فيما عدا دول الخليج التى شهدت نوعاً واحداً من الصراعات فالسعودية والكويت والبحرين شهدت نوعاً واحداً مرتبطاً بالصراع بين الحكم والمعارضة السياسية وهو ما يمكن تفسيره بالطبيعة المحافظة لدول الخليج التى لديها قدرة عالية على تجنب الصراعات . تشير الدراسة إلى أربعة أنواع من الصراعات شهدها العام الماضى ترتبط بأربع قضايا رئيسية ، وبعض هذه القضايا قديم ، وبعضها سابق على الثورات العربية ، وبعضها الآخر حديث ، إرتبط بالتفاعلات الخاصة بالثورات العربية . تتمثل القضية الأولى فى الأيديولوجيا وتوجه النظام السياسى ، حيث يرتبط أعلى معدلات الصراع فى المنطقة بهذه القضية ، وهى تعبر عن نوع من الصراعات التى يطمح فيها الفاعل أو أحد أطراف الصراع الى تغيير الأيديولوجيا ، والتوجه الدينى والاجتماعى والاقتصادى أو القضائى للنظام السياسى، أو تغيير نوع النظام نفسه ، وقد مثلت الصراعات المرتبطة بتلك القضايا ثلثى الصراعات التى نشبت بالإقليم ، كما أنها مثلت عشرة صراعات من إثنى عشر صراعاً عنيفاً شهدتها المنطقة. وتنصرف القضية الثانية إلى السيطرة على السلطة الوطنية ، وهى الصراعات المرتبطة بالقدرة على السيطرة على الدولة ، ورغبة أحد أطرافها فى الوصول للسلطة ، وتمثل هذه الصراعات ثلث صراعات الإقليم خلال هذا العام ، وتم رصد هذه الصراعات فى 12 دولة عربية هى سوريا ، مصر ، والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والسعودية وتونس واليمن والجزائر والبحرين . وتتعلق القضية الثالثة بالهيمنة دون الوطنية والموارد ، وهى ترتبط بالسيطرة واقعياً من قبل الحكومة ، أو مجموعة معينة على جزء من إقليم الدولة ، أو الموارد الطبيعية ، أو المواد الخام ، أو الأرباح المكتسبة منها . كما حدث فى أربع دول هى سورياوالعراق ومصر وليبيا . حيث يدور هذا النوع من الصراعات فى سوريا حول الهيمنة دون الوطنية فى المناطق الكردية ، وقضايا الحكم الذاتى فى العراق بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان ويشمل النزاع حول توزيع عائدات النفط وترسم حدود المنطقة الكردية ، وفى مصر يدور الصراع حول سعى الجماعات الإسلامية المتشددة إلى السيطرة على سيناء وإعلانها إمارة إسلامية ، وقد شهدت ليبيا إتجاهاً لإعلان الإنفصال عن الدولة المركزية فى شرق ليبيا . أما القضية الرابعة : فهى تدور حول تغيير النظام الإقليمى من خلال إحداث تغييرات فى القدرات العسكرية والاقتصادية والنفوذ السياسى لدولة ما ، كما هو الحال بالنسبة لسوريا فى صراعها مع تركيا حول الحدود المشتركة ، ومع الولاياتالمتحدة حول الزعم باستخدام سوريا الأسلحة الكيماوي . لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر