استطاع مسلسلات شهر رمضان هذا العام أن تقدم فرصا ذهبية لعدد كبير من المواهب التمثيلية في مصر لتؤكد موهبتهم التي كانت تطل بقوة في بعض الأعمال ثم لا يسمح لها السوق الفني بإستمرار التوهج. ولا يتسع مقال واحد بالطبع لذكركل تجليات الأداء المبهر والتشخيص الرصين لعدد من أهم فنانينا.لكن ما يلفت النظر أن عدد من ممثلاتنا الشابات قد أنضجتهن نار الخبرة وصقل أدواتهن الاجتهاد في البحث عن تفاصيل الشخصيات والقدرة علي تحويل كل ذلك لشخصيات نابضة بالحياة. علي رآس هولاء هنا شيحة في شخصية ( إم إم) في الوصايا السبع الذي يعد بالفعل هو أهم دور قامت بتمثيله في حياتها المهنية القصيرة. شيحة التي أسرتها ملامحها وتكوينها في أدوارالفتاة المرفهة بنت الطبقة العليا، حتي تخلصت من ذلك قليلا في مسلسل ( موجة حارة ) العام الماضي، ظهرت لنا هذاالعام بمصداقية مذهلة لتقدم سيدة شعبية مليئة بالمتناقضات، ظاهرها القسوة و( الشرشحة) وباطنها المشاعر الدافئة لزوجها وللقرد الذي آقتنته. شخصية تكتشف نفسها حتي وهي تتحول لدجالة، تفرح بطفولة وتتنمر للحصول علي حقها من الأشرارفي أي صراع. كتالوج من المشاعر العميقة أدته هنا شيحة بسلاسة قلما ظهرت كذلك في أي من أعمالها. وعلي نفس القدر من التألق، رسخت حنان مطاوع شخصيتها في مسلسل دهشة بمتانة ابداعية وفهم دقيق للنفس البشرية المعقدة. وعلي الرغم من نمطية دور ( رابحة) في المسلسل، إلا أن مطاوع لم تجعل الشخصية المستحوذة الطماعة الكائدة ذات بعد واحد، انما ملئت مساحاتها بزخم أنساني عميق أشبه بنبيذ معتق، وهي تمارس أقصي درجات التقريع وقهر الأخرين من زوجها لأختها لزوجة عمها بالنظرة الصارمة والنهر الصوتي المرعب. حتي وهو تحاول الاستئثار بحب والدها، فبقوة وصرامة تؤثران عليه في النهاية وهو الرجل الداهية العارف لطبائع البشر. ثالث المفاجئات كانت المذيعة والممثلة شيرين الطحان في دور ( ماجدة ) في مسلسل السبع وصايا. إمرأة قادمة من وحي بطلات السيرة الشعبية، تسيطر علي رجال أقرب لوحوش. لا يؤمن عقباها، لكن لها قلب نابض رغم عقلها الراجح الذي يحرك الصراعات حسب هواها. واذا كانت هنا شيحة وحنان مطاوع لديهن تراكم خبرة سمح لهن بهذا البريق بالإضافة لانخراطهن في دورة دراسية للتمثيل الحترافي مع مدرس أمريكي بواحد من أهم معاهد التمثيل بالولايات المتحدة وهي مدرسة ستيلا أدلر، فلاأحد يعرف كيف طورت الطحان أدواتها الي هذا الحد. تعبير رائق بالجسم والحركة، وشحنات من الأعين تخبئ أكثر مما تفضح، وتمكن استثنائي من اللهجة الصعيدية مشفوع بتنويع في طبقات الصوت لبلوغ التأثير الأقوي علي المتفرج. المفاجأة الرابعة كانت في أداء ريهام عبد الغفور لشخصية ( هويدا) العاهرة في مسلسل ( تفاحة آدم). ريهام تقدم في هذا الدور المعادل الموضوعي للشخصية الثعبانية كما اصطلح عليها التعبير الدارج. تحب الخواجة ( خالد الصاوي) النصاب الذي تعمل معه، لكنك لا تعرف اذا كان هذا الحب حقيقي أم كاذب. ثم ترسم الوجه الساذج علي أحد مشايخ الفضائيات الذي يعرض عليها أن توافق علي جهاد النكاح فتورطه هو الاخوان المسلمين في فضح نواياهم الخبيثة. تلعب هويدا علي أي شخص وأي شخصية. بوعي شديد اعتمدت تلك الممثلات علي نظرية ( المنهج) في التمثيل التي رسختها في السينما الحديثة مدرسة استوديو الممثل الآمريكية التي تأسست علي أيدي اليا كازان ولي ستراسبورج، ثم أكمل مسيرتهما ستيلا أدلر ومايزنر. والمنهج باختصار يقوم علي جهد ذهني لرسم الشخصية، وطريقة سيكولوجية معقدة لازاحة روح الممثل والتماهي مع الشخصية المرسومة من خلال تقنيات مركبة للجهاز العصبي. نحن بصدد جيل جديد من الممثلات يعملن بشكل علمي ويصلن لدرجات عالية من التأثير الوجداني علي المتفرج ليصبحن عن حق سليلات الجيل العظيم من ممثلات السينما المصرية.