كتب وجدي رياض: حشد كبير من كل القوي المؤثرة في الاقتصاد العالمي يتأهب بأوراق عمل مهمة لطرحها في المنتدي العالمي السادس للمياه المزمع عقده بمدينة مرسيليا الفرنسية في مارس المقبل. من منطلق أن الأمن المائي ركيزة من ركائز الاقتصاد العالمي ويرتبط بقوة بالأمن الغذائي. وقبل أن نسبح بعيدا عن المنتدي الدولي نقترب من المنطقة العربية الأكثر تأثرا بشح المياه, والأكثر تأثيرا في الاقتصاد العالمي, بعد أن أصبح جالون المياه أغلي من جالون الوقود. ولماذا نذهب بعيدا ونصف لتر المياه أغلي من لتر البنزين في مصر بنيلها العظيم. صحيح أن مصر تقع في قلب المنطقة العربية وهي واحدة من المناطق الأكثر جفافا في العالم, والفجوة بين الحاجة إلي المياه والموارد المتاحة للحصول عليه دائمة الاتساع. البيانات تقول أن المنطقة العربية بها5% من سكان العالم بينما نصبيها من المياه لا يزيد عن1% من مصادر المياه المتاحة عالميا. والمؤلم أن18 دولة عربية من دول المنطقة الاثنين والعشرين تعاني من ندرة المياه وقد تواجه المنطقة بكاملها ندرة حادة بحلول عام.2050 العالم يعترف بأن الأمن الغذائي في الوطن العربي أمر ضروري للاستقرار ويرتبط بقوة بالأمن المائي, وبسبب ندرة المياه فإن إنتاج الغذاء لا بد وأن يتوازن مع استيراده, لأن الزراعة تشكل عنصرا رئيسيا في الاقتصاد الاقليمي والعالمي وتوفر فرص العمل. فقطاع الزراعة يستهلك وحده حوالي80% من المياه العذبة بالمنطقة, ولأن جزء من المياه سيذهب مستقبلا إلي قطاعات أخري ذات أولوية في ظل محدودية إمكان توفير موارد جديدة وارتفاع تكاليفها فإن الخيار الرئيسي هنا ينحصر في توقيت زيادة كفاءة استخدام المياه مع زيادة إنتاجيتها, وعلي الدول العربية أن تنظر في اعتماد نهج وخيارات مبتكرة لضمان استدامة إنتاج زراعي أفضل, وهو ما يدعو للبحث عن تطبيقات علمية وتكنولوجية تجعل المحاصيل تتحمل الجفاف وملوحة المياه والبحث عن زراعات اقتصادية في استهلاك المياه فنستبدل البنجر محل قصب السكر عالي استهلاك المياه وكذلك الأرز وغيره. ولا غرو أن تشجع السياسات المائية الشراكة بين القطاعين العام والخاص واسترداد تكاليف الاستثمار والتشغيل والصيانة لضمان الاستدامة المائية لقطاع حيوي. بالضرورة ستعتمد المنطقة علي مصادر غير تقليدية من المياه مثل تحلية المياه, والمياه الخاصة بالصرف الصحي بعد معالجتها, وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي, واصطياد مياه الأمطار والسيول وإعادة ضخ المياه الجوفية واستخدام أسلوب الري بالتنقيط. أكثر هذه الطرق غير التقليدية تكلفة وأعباء هي تحلية المياه لأنها عبئ علي موارد الطاقة والبيئة فضلا عن تكلفتها الكبيرة إذ تبلغ تكلفة المتر المربع عشرة جنيهات. ومن الأمور المثيرة للجدل بين الشمال والجنوب, أي بين دول العالم المتقدم والنامي, تلك الموائد المستديرة الاثني عشر ويتربع علي رأسها الاقتصاد الأخضر. ففي أثناء انعقاد المنتدي وعلي هامش هذا الحشد الكبير من دول العالم(195 دولة) سيطرح التمويل في مائدة مستديرة ويليه التكيف مع التغير المناخي, والمياه من أجل التنمية, والمياه والغذاء والطاقة, والكوارث المتعلقة بالمياه ثم المياه والصحة وتطبيق الحق في المياه والصرف الصحي ونحو الحوكمة العالمية للمياه, والمياه العابرة للحدود وإدارة مياه الصرف الصحي وأخيرا المياه والاستجابة الإنسانية. الاقتصاد الأخضر أصبح يحمل عدة قبعات منها قبعة الاقتصاد المستدام, وقبعة الاقتصاد الذي لا يصدر عن استثماراته أي ملوثات, وكذلك الاقتصاد الذي يوفر الطاقة والمياه, وهو اتجاه دعت إليه منظمات الأممالمتحدة وسارت علي نهجه مؤتمرات الأممالمتحدة للبيئة والسكان والتنمية, وسارت في ركابه الاجتماعات والبرامج الأممية مثل برنامج الأممالمتحدة لتغير المناخ وغيره, وحتي اتفاقيات الأممالمتحدة مثل الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر, والاتفاقية الدولية للتنوع الحيوي, وبروتوكول السلامة الإحيائية, واتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المعرضة للانقراض, واتفاقية الأراضي الرطبة, واتفاقية بون للمحافظة علي الأنواع المهاجرة من الحيوانات الفطرية, واتفاقية الحوتيات في البحار المتوسط والأسود والأطلسي, واتفاقية الطيور المائية الأفريقية والأوروآسيوية, والمعاهدة الدولية لحفظ الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة. وعلي نهجه خرجت الموجة الخضراء مثل السيارات صديقة البيئة, أي السيارات الخضراء التي لا تلوث ولا يصدر عنها انبعاثات, كما خرجت الطاقة الخضراء مثل استخدام المراوح في وديان الرياح لإنتاج الطاقة النظيفة أو الخضراء من الرياح. وأصبحت الدول بعد دراسة وديان الرياح وقياس سرعاتها واستدامتها تقيم مصانعها في وديان الرياح بدلا من نقل الطاقة الكهربائية المنتجة من الرياح إلي الشبكة الرئيسية للكهرباء. والأمر كذلك فيما يتعلق بالطاقة الشمسية حيث أصبحت الدول التي تقع في حزام الشمس محظوظة لأنها تتمتع بطاقة جديدة ومتجددة ونظيفة ولا تنضب مثل الوقود الأحفوري. وينطبق الأمر علي الأجهزة الكهربائية الخضراء مثل الثلاجات والديب فريزر وأجهزة التكييف الخضراء التي لا تستهلك الفريون الذي يؤثر علي طبقة الأوزون, وأيضا السخانات التي تعمل بطاقة الشمس وهي تجربة تمت في أعالي الصعيد لأن استخدام السخانات الكهربائية لتسخين المياه مهدر للطاقة. ومن الواضح أن الاقتصاد الأخضر سوف يسود المجتمعات في المستقبل, وسوف يلقي بظلاله علي حركة المال والأعمال والاستثمار, بحيث يوجه كل دولار أو يورو بالضرورة إلي الاقتصاد الأخضر واستدامة التنمية واحترام البعد البيئي. نحن نعيش الآن الثورة الخضراء, إنها ثورة تستفيد منها الشركات, إنها إعادة صياغة الحياة بقوة رأس المال الذي يبحث عن إنتاج شرائح اللحم من نشارة الخشب, وإنتاج البروتين بنسبة40% من النفايات الآدمية, وإنتاج لبن ينافس لبن ثدي الأم وتحويل أنواع من النفايات والفضلات إلي مواد غذائية أساسية. إنها مفاهيم علوم المستقبل وسرعة إقبال المستقبل تتزايد ولا بد أن تكون قدرتنا علي التفكير والابتكار مسايرة لها.