لقد نشر فى »الأهرام« بتاريخ 30 يونيو تعقيب لوزير الثقافة الأستاذ الدكتور جابر عصفور، على الرد الذى نشرته لى بتاريخ 28 يونيو على مقاله المنشور ب »بالأهرام« فى 24 يونيو حول صراع الخطابات الدينية فى مصر.ووفاء بواجباتنا إزاءَ الحقِّ والحقيقة، وإزاء قُرَّاء الأهرام أبادر فى إيجاز بتقديم هذه الملاحظات على تعقيب الدكتور عصفور. أولاً: سأتجاوز عمَّا جاء بتعقيب الدكتور عصفور من أسلوب غير مناسب للحوار وعبارات غير لائقة من مثل: »اللجاج، والكلام الرخيص، والمتبعين من غير العُقَلاء المجتهدين«! مُلتمِسًا للدكتور عصفور عذرًا؛ لأنَّه لم يدرس ما درسناه، ولا نزال نُدرِّسُه بالأزهر الشريف من علم «آداب البحث والمناظرة». ثانيًا: لم يجد الدكتور عصفور ماءً عَكِرًا يَصطادُ فيه، فأراد تعكيرَ الماء بينى وبين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب؛ ليصطادَ فى الماء الذى عكَّره، فقال: »وكلى ثقةٌ فى أنَّ شيخ الأزهر لم يقرأ هذا الردَّ، وأنَّه لا يقرُّ لغتَه وأسلوبَه«. وأحبُّ أنْ أُطمئِنَ الدكتور عصفور - حتى وإنْ أزعَجه ذلك - أنَّ شيخ الأزهر قد قرأ الرد، ووافَق عليه. ثالثًا: لقد عاد الدكتور عصفور ليُكرِّر وصفَه مشايخ الأزهر ب»التنويريين»، موضحًا أنه يُريد بالتنوير: «المعنى الذى يَقرِن التنوير بإعمال العقل». لكنه نسى أن يُحدِّدَ لنا - وللقُرَّاء عن أيِّ عقلٍ يتحدَّثُ؟ ومن ثَمَّ أيَّ تنوير يعني؟ هل هو العقل الماركسى المادى الذى له تنويره الخاص؟ أم العقل الليبرالى الوضعى الذى أنتَج تنويرَه البرجوازى الذى استَبدَل الدين الطبيعى القائم على العقل والعلم والفلسفة بالدين الإلهي؟ أم عقل ما بعدَ الحداثة التى استبدلت التفكيك واللاأدرية بمنظومات الحداثة الغربية؟ أم هو العقل الإسلامى الذى يقوم تنويره على رباط العُروة الوثقى بين الشرع والعقل، وعلى تزامُل الحكمة والشريعة؟ والذى جاء مصطلح النور - ومن ثَمَّ الاستنارة والتنوير - فى كتابِه تعبيرًا عن القرآن الكريم والرسول - صلى الله عليه وسلم - والحكمة والصلاة، وهو الذى تحدَّثَ عنه حُجَّةُ الإسلام أبو حامد الغزالى فقال: «إنَّ العقل مثل البصر، والشرع مثل الضِّياء، وإنَّ العقل مع الشرع نورٌ على نور». لم يَقُلْ لنا الدكتور عصفور عن أيِّ عقلٍ يتحدَّث، لنعرف أى لونٍ من التنوير الذى وصَف به مَن وصف من علماء الأزهر الشريف. رابعًا: لقد أعاد الدكتور عصفور الحديثَ عن العلمانية وفصل الدِّين عن الدولة، مُكرِّرًا دعواه أنَّ مشايخ الأزهر المستنيرين إنما كانوا مع هذه العلمانية التى تفصل الدِّين عن الدولة، وإذا كان الدكتور عصفور نصحنى مشكورًا بقِراءة كتبه، فأنا لن أُبادله هذه النصيحةَ بدعوته لقراءة كتبي، وإنما أدعوه مخلصًا لقراءة ما كتبه أعلام الفكر فى بلادنا أساتذتى وأساتذة الجميع من شيوخ الأزهر وغيرهم فى هذا الموضوع. خامسًا: أمَّا قول الدكتور عصفور: «إنَّ الدساتير الحديثة تقومُ على فصل الدِّين عن الدولة فى كلِّ مجالات الحياة، ابتداءً من نظام الحكم، مُرورًا بسُلطة الدستور والقوانين» ! فإنه يدعونا لأنْ نسأله: - هل من فصل الدِّين عن الدولة النص فى الدساتير الحديثة على أنَّ دِين الدولة الرسمى هو الإسلام؟! - وهل من فصل الدِّين عن الدولة فى مجالات الحياة، بما فى ذلك القوانين، النصُّ فى دساتيرنا الحديثة والمعاصرة على أنَّ مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع فى هذه القوانين؟! - أم أنَّ الدكتور جابر يتحدَّث عن دساتير ليست دساتيرنا، وعن بلادٍ غير البلاد التى نعيش فيها؟! سادسًا - وأخيرًا - لقد ادَّعى الدكتور عصفور: «أن المعتمَد فى خطاب وزارة الثقافة هو خطاب الإسلام المستنير المعتدل»، ونحن نسأله: هل خطاب الإسلام المستنير المعتدل هو الذى يقولُ عن القرآن الكريم:» إنه لا تزال توجد فيه حتى الآن بعض الأخطاء النحوية واللغوية» ؟! ويقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّه كان يحكم بوثيقةٍ جاهليَّة، وليست إسلامية» ! «وأنه قد فرَض على الناس إتاوةً أو جزيةً أو خَراجًا أو رشوةً يسوؤهم أداؤها ويذلُّهم دفعها»! والذى يتَّهمُ الصحابة بأنهم: «غيروا روح الإسلام والشريعة حتى لقد طفحت على وجه الإسلام البقع الخبيثة»! والذى يقول عن أبى بكر الصديق: «إنَّه قد اغتصب حقوق النبي، وأنَّ خلافته قد انتشر فيها الجشع والفساد، وأنه قد أنشأ دِينًا غير دِين النبي»! هل هذا الذى تنشره وزارة الثقافة هو «خطاب الإسلام المستنير الوسطى المعتدل» حسب رأى وتعبير الدكتور عصفور؟! لمزيد من مقالات د. عباس شومان