مشروع استصلاح 4 ملايين فدان وإضافتها الى الرقعة الزراعية الذى ناقشه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى اجتماعه مع رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء ، يستحق أن يكون مشروع المستقبل حيث يفتح باب الأمل لتلبية احتياجات الشعب المصرى خلال السنوات القادمة فمن لا يملك غذاءه لا يملك حاضره ولا مستقبله ، والتوسع فى الأراضى الزراعية ضرورة لتوفير فرص العمل والغذاء ومستلزمات الصناعة وتحقيق التنمية. لكن السؤال الذى يطرح نفسه هو : كيف نوفر مصادر المياه اللازمة لرى هذه المساحة؟ الاجابة : تأتى من مركز البحوث الزراعية من خلال دراسة علمية تحمل عنوان »سبل مواجهة العجز المائى والتقليل من آثاره« وهى موثقة بنتائج رصد حقيقية من الحقول للفترة من 1997وحتى الآن وتوقعات التغير والاحتياجات حتى عام 2017 ، الدراسة أعدها فريق من الباحثين فى معهد بحوث الأراضى والمياه والبيئة الذى يرأسه الدكتور على إسماعيل أستاذ إدارة الأراضى والمياه، الذى قال أن هناك كميات كبيرة من المياه تصل الى 12 مليار متر مكعب يمكن استغلالها فى زراعة نحو 5 ملايين فدان ، من بينها معالجة مياه الصرف الزراعى التى تصل الى نحو 8 مليارات متر مكعب سنويًا ، والاستفادة من مياه الأمطار والسيول والتى تقدر بنحو مليارى متر سنويًا بتجميعها بإنشاء السدود والخزانات خاصة فى الساحل الشمالى والصحراء الشرقية وسيناء. التوسع فى إعادة استخدام مياه الصرف الصحى المعالج فى زراعة الأشجار الخشبية ،وإنتاج الطاقة والمحاصيل التى لا تؤكل مثل التيل والكتان ونباتات الزينة والمسطحات الخضراء. تحلية مياه البحيرات التى هى فى الواقع نصف مالحة أولًا للزراعة ، ودراسة التقنيات اللازمة لخفض تكلفة إنتاج الوحدة من هذه المياه، ويشير الى أن الرى التكميلى هنا مهم جدًا فى المناطق متوسطة الأمطار فى أقصى شمال مصر برى بعض الأراضى بمياه النيل أو الآبار جزئيًا وتكملة الباقى بمياه الأمطار. ونبهت الدراسة الى أننا عانينا وما زلنا نعانى من قصور الرؤية لدى الكثيرين مما أهدر مواردنا وأدى الى العجز الواضح سواء فى تنميتها أو الاستفادة المثلى منها، وبالتالى تراجع قدرتنا وتفوق الآخرين علينا رغم ريادتنا وأسبقيتنا، لذا سعينا لتوظيف ما لدينا من إمكانات علمية فى معهد بحوث الاراضى والمياه ومن تخصصات الموارد الأرضية وصيانة التربة والمياه والصرف الحقلى والميكربولوجيا الزراعية وخصوبة النبات بتقديم توصيات فنية قابلة للتطبيق فى الحقل للتغلب على المشكلات التى نعانيها سواء من الملوحة أو القلوية أو سوء الصرف والتصحر ونقص الخصوبة وكذلك التحديات التى نواجهها فى نقص الموارد المائية عن طريق إعادة استخدام المياه منخفضة الجودة ومياه الصرف الصحى بعد معالجتها مع تحديد أمثل التراكيب المحصولية ، ويقول أصحاب الدراسة : مع إدراكنا كباحثين لأولويات احتياجاتنا وجدنا أهمية التقدم بدراسة حول سبل مواجهة العحز المائى فى مصر وكيفية التقليل من الفجوة بين الموارد والاحتياجات. وتشخص الدراسة التحديات التنموية الراهنة أمام مصر وتشمل الفقر الذى يعانى منه 22% من المواطنين والأمية 29.6% والبطالة 10% وتوقعات تضاعف السكان خلال الأعوام الأربعين المقبلة، وندرة الموارد التقليدية القابلة للنضوب (مياه جوفية- بترول غاز) ، ثم تحديات تركز السكان فى نحو 6% من المساحة وتآكل الرقعة الزراعية بواقع 13 ألف فدان سنويًا ، ومن ثم تؤكد أن التوسع الأفقى فى الزراعة أى زيادة المساحة المزروعة- مقيد بكمية المتاح لدينا من المياه ، كما أن اقتصاديات استهلاك المياه على المدى البعيد مما يقتضى البحث عن بدائل والاستفادة القصوى من المتاح. وأكدت الدراسة انخفاض المياه المخصصة للزراعة من38.5 مليار متر عام 1997 إلى 35.6 مليار عام 2010 بما يعنى انخفاض استهلاك الفدان بنسبة 14% والمتوقع أن تبلغ 37.3 مليار عام 2017 رغم توقع زيادة الرقعة الزراعية الى 9 ملايين فدان ، كما أن زيادة الطلب على المياه فى مقابل محدودية الموارد تقتضى إعادة النظر فى الأنماط الحالية للوصول لأقصى كفاءة ممكنة فى استخدام وإدارة الموارد المائية واتباع سياسة مائية عاجلة تعظم الاستفادة من وحدتى المياه والأرض ورفع كفاءة استخدام المياه بالتوسع فى استخدام نظم الرى المطورة فى أراضى الوادى والدلتا لزيادة مساحة الأراضى المستصلحة والفرص الاستثمارية ، عن طريق تبطين المساقى المائية أو استبدال أنابيب pvc بها،إنشاء نقاط رفع موحدة ومحابس لمداخل المياه بأحجام مختلفة طبقًا للمساحة والتركيب المحصولى لكل مزارع، التسوية بالليزر التى توفر من 15- 20% من الاستهلاك المائى واستخدام نظام الأنابيب المبوبة التى ترفع كفاءة استخدام المياه بنسبة 80%، وعلى سبيل المثال وجدنا أن الاستخدام الفعلى للرى المطور فى محصول قصب السكر على سبيل المثال أدى لتوفير 1020 مترًا مكعبًا من المياه للفدان الواحد ، وفى الذرة وفر 1615 مترًا مكعبًا والقمح 1050 مترًا، وهنا نؤكد أن تطوير الرى فى الأراضى القديمة التى تقدر مساحتها ب5 ملايين فدان يوفر وحده 12 مليار متر مكعب، وهو ما يوضح مدى الاستفادة التى يمكن أن تعود علينا من مثل هذه التطبيقات ، مع ضرورة إعداد خريطة للموارد الأرضية والمائية والتركيب المحصولى الأمثل طبقًا للنطاق الحرارى لأقاليم مصر و الاستعانة ببيانات المناخ فى حساب المقننات المائية وجدولة الرى وبالبحث وجدنا أن الاحتياجات المائية للمحاصيل الشتوية أقل من الصيفية خاصة عند استغلال مساحات جديدة للاستصلاح فى شمال الدلتا والساحل الشمالى لأن معدلات الأمطار بها متوسطة وتحتاج فقط لرى تكميلى ، كما أن زيادة مساحة بنجر السكر مع ثبات مساحة القصب. وعن الجديد فى توفير مصادر مياه الرى يقول الدكتور على إسماعيل :إن الدراسات التى أجراها علماء المركز أكدت أن زراعة كل من القمح والقطن والذرة على مصاطب وفرت فى مياه الرى وزادت الإنتاج ففى القمح زاد المحصول أكثر من 100 كجم للفدان الواحد، بينما تم توفير 41- 28 -32% من كمية مياه الرى للقمح والذرة والقطن على الترتيب فى الأراضى القديمة والمتأثرة بالأملاح، ، كما أن زراعة الأرز على مصاطب توفر طبقًا للواقع نحو 35% من المياه وتزيد إنتاجية مياه الرى 67% دون أى انخفاض فى المحصول مقارنة بالزراعة العادية. التركيب المحصولى المُرشد للماء كما توصى الدراسة بتنفيذ الدورة الزراعية الثلاثية فى الأراضى القديمة والتجميع الزراعى لمحصول واحد فى الحوض والقرية (الزمام) حتى يتسنى تحديد كميات المياه المطلوبة ونظام الرى وتوصياته مع الالتزام بالتركيب المحصولى المرتبط بترشيد استهلاك المياه، الحبوب ( قمح شعير ذرة)، المحاصيل الزراعية ( فول صويا عباد شمس سمسم فول سودانى )، والتوسع فى زراعة هذه المحاصيل فى الأراضى الجديدة مع الفاكهة والخضر التصديرية، وتضيف أن المحاصيل الصيفية يجب أن تكون ذات جذور وتدية للاستفادة من الماء الأرضي، مع استنباط الأصناف الأكثر تحملًا للجفاف والملوحة ، إضافة الى تحديد المساحات المزروعة أرزًا بما لا يزيد على مليون ومائتى ألف فدان والوصول بها الى 900 ألف فدان كحد أقصى وحصرها فى المناطق الشمالية ، مع زراعة أصناف الأرز قصيرة العمر بما يوفر مليارين ونصف المليار متر مكعب من المياه سنويًا، وتشدد كذلك على حصر مساحات قصب السكر فى حدود 250 ألف فدان كحد أقصى مع التوسع فى الزراعات البديلة مثل البنجر والتمور. محاذير ولكن يحذر الدكتور على إسماعيل هنا من ان إمكان تطبيق ذلك وكفاءته مرهون بمدى الجدية والالتزام العملى به، ومنع التعديات على شبكات الرى والصرف وتعديل الكود المصرى لمياه الرى والصرف الصحى المستخدمة فى الزراعة ، أى وضع التشريعات والقرارات اللازمة لتفعيل هذه البرامج والخطط المستقبلية ورصد و تحديد المخالفات والمسئولية القانونية للمخالفين وتغليظ العقوبات ثم تنفيذها بكل حسم وبلا أى استثناءات وإلا سيحكم عليها بالفشل. وعن أهم ما يقوم به المعهد من بحوث ونشاطات ، قال الدكتور على إسماعيل: نحن على سبيل المثال لدينا حلول بسيطة لمشكلات عميقة مثل سوء الصرف فى الأراضى الطينية وتقليل الملوحة والقلوية عن طريق الصرف بالأنفاق مع استخدام الحرث العميق لتحسين خواص الأرض والتهوية بها والتحكم فى عمق مستوى المياه الأرضية ، وهى أعمال غير مكلفة للمزارع ويمكنه القيام بها فى حالة عدم توافر الصرف المغطى الجيد ، وذلك يزيد إنتاج الأرض وجودة محاصيلها، وفوق ذلك حل مشكلات المخلفات الزراعية وإعادة تدويرها فى خطين مهمين هما الطاقة والأسمدة العضوية وهما ثروة قومية إذا أحسن استغلالهما لأننا نتحدث عن30 مليون طن مخلفات يعود كل طن منها على البلاد ب200 جنيه ، بما يوازى 6 مليارات جنيه مردودًا مباشرًا على الدخل القومى ، مضافًا اليه المردود البيئى فى صحة الإنسان وسلامة البيئة، وكأثر فرعى إنتاج البيوجاز وهو الوقود الحيوى الذى يحل مشكلة مزمنة مثل انبوبة البوتاجاز فى الريف ، ويحعل المنزل الريفى مكتفيًا ذاتيًا منها مع إمكان استخدامه فى توليد الكهرباء التى نعانى نقصًا فيها، كما أننا نعمل على إنتاج سلالات من البكتيريا النافعة التى تساعد على توفير25% من الأسمدة الآزوتية، خاصة للمحاصيل البقولية بما يوفر أكثر من مليارى جنيه سنويًا0فهذا المعهد يستطيع تقديم حلول لجزء كبير من مشكلات المياه والكهرباء والغاز لكننا لسنا أصحاب قرار وكلنا أمل أن يكون العهد القادم مليئًا بمن يحسن توظيف ما لدينا. وفى النهاية هذا بعض ما نملكه من إمكانات علمية وتطبيقات عملية تمس واحدة من أهم وأخطر قضايانا وأكثرها تأثيرًا على حاضرنا ومستقبلنا ، ومن الممكن الاستفادة بها فى تنفيذ مشروع إضافة 4 ملايين فدان الى الرقعة الزراعية.