توافد المواطنين للإدلاء بأصواتهم في جولة الإعادة بقرية الدير بطوخ    إحالة عاطل متهم بالتحرش بسيدة قعيدة في مدينة نصر للجنايات    محافظ الإسماعيلية يتابع فتح المقرات في جولة الإعادة بانتخابات النواب    وزير الرى: إطلاق آلية تمويلية بمخصصات 100 مليون دولار    وزارة التضامن تقر قيد 3 جمعيات في محافظتي القاهرة والغربية    أجواء شتوية ومشهد انتخابي ساخن في اليوم الأول لجولة الإعادة بالشرقية (فيديو وصور)    أسعار الذهب ترتفع مع صعود معدل البطالة بالولايات المتحدة    تراجع أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 17 ديسمبر 2025    معلومات الوزراء يصدر عددًا جديدًا من مجلته الدورية «آفاق اقتصادية معاصرة»    عاشور: الفروع الدولية للجامعات شريك أساسي في تطوير منظومة التعليم العالي    الهيئة العامة للاستثمار تستضيف مؤتمرًا حول التحول الصناعي نحو اقتصاد منخفض الكربون    «قناة السويس» توقع مذكرة تفاهم مع هيئة الموانئ الناميبية    وزير المالية: النجاح مسيرة مستمرة لإحداث التأثير الإيجابي الموثر بالاقتصاد والمجتمع    خالد عبدالغفار: تعاون مصري قطري في قطاعات الصحة والتعليم والاستثمار    بعد هجوم سيدنى.. إلغاء احتفالات ليلة رأس السنة على شاطئ بوندى    إعلام الاحتلال: إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع حزب الله نهاية العام    القمة المصرية الأوروبية الأولى تتصدر نشاط السيسي الخارجي في 2025 (صور)    وزارة الخارجية تستعرض في الكتاب الأبيض محددات السياسة الخارجية المصرية وأولوياتها    الأهلي يحسم ملف التجديدات ويبحث مستقبل بعض اللاعبين    مجموعة مصر في أمم أفريقيا.. الفراعنة يبدأون مشوارهم أمام زيمبابوي    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام برينتفورد في كأس الرابطة الإنجليزية    السجن 5 سنوات لعاطل بتهمة حيازة مخدرات في المرج    «الأرصاد»: درجات الحرارة مستمرة في الانخفاض    نيابة المنتزه تحقق فى مصرع الفنانة نيفين مندور داخل شقتها بالإسكندرية    السجن 5 سنوات للمتهم بإشعال النيران في سيارة نقل ثقيل بقنا    ضبط المتهم باستدراج طفلة يتيمة والتعدي عليها في الشرقية    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    5 معلومات لا تعرفها عن الفنانة الراحلة نيفين مندور    مفتي الجمهورية يشكر الرئيس السيسي على رعايته للندوة الدولية الثانية للإفتاء    تحمل اسم الراحل الحاج زايد .. انطلاق الدورة العاشرة من ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي غدا    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    من سندرلاند إلى ليفربول.. خريطة غيابات الدوري الإنجليزي في كان 2025    باريس سان جيرمان يصطدم بفلامنجو في نهائي كأس إنتركونتيننتال 2025 بالدوحة    إصابة 13 شخصا في حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي أسوان    عاجل.. وفاة الفنانة نيفين مندور إثر اندلاع حريق في شقتها بالإسكندرية    دعم مؤسسات الدولة الليبية    أسعار الخضروات اليوم الأربعاء 17 ديسمبر في سوق العبور للجملة    بدء الاقتراع بأول أيام جولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    مصطفى أبو سريع يعلن انفصاله عن زوجته ويعلق: كانت حق الأم المثالية لأولادي    محمد رمضان: "كنت عارف إن مسلسل "موسى" مش لجمهوري"    وفاة نيفين مندور بطلة فيلم "اللي بالي بالك"    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    رسل الموت تنزل فى سراييفو    «أضرار البابونج».. محاذير قبل تناوله يوميًا!    وكيل صحة الإسماعيلية تُحيل المقصرين بوحدة «أبو جريش» للتحقيق    مستقبل أفضل    إعلان أسماء الفائزين بجائزة مسابقة نجيب محفوظ للرواية في مصر والعالم العربي لعام 2025    «ترامب» يحذر فنزويلا من صدمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة    أحمد مراد عن فيلم «الست»: إحنا بنعمل أنسنة لأم كلثوم وده إحنا مطالبين بيه    أحمد مراد: لم نتعدى على شخصية "أم كلثوم" .. وجمعنا معلومات عنها في عام    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    مصدر مقرب من أحمد حمدى يكشف كواليس أزمته مع أحمد عبد الرؤوف    كامل أبو علي ينصح حسام حسن: تجاهل السوشيال ميديا    نائب وزير الصحة: الولادة القيصرية غير المبررة خطر على الأم والطفل    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأسماليتنا والديمقراطية.. الحب المستحيل!
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 06 - 2014

يأتينا شهر رمضان من كل عام بحديث معاد ومعهود عن مفارقة التناقض بين قيم ومغزى الشهر المبارك، وجلها حرمان الجسد «وإمساك الجوارح عن شهواتها» وبين الانفجار في الاستهلاك الغذائي المصاحب لشهر الصيام
فيقول تحقيق صحفي في الأهرام إن المصريين يأكلون خلاله من الأطعمة 70% أكثر مما يأكلون بقية أشهر السنة، وحوالي ضعف ما يأكلونه من لحوم، وثلاثة أضعاف اللبن والزبادي، وذلك في غضون سبع ساعات، يفترض أن قسما منها يقضى نوما.
توبيخ المصريين على استهلاكهم الغذائي خلال شهر الصيام ليس جديدا، وقدمه موثق في الأغنية الشهيرة خفيفة الدم لصباح مع فؤاد المهندس «الراجل ده هيجنني» وتعود إلى الستينيات وإلى عصر ما قبل السوبر والهايبر ماركتوالمول والسومون فيميه والستيك الياباني. حقا، اتسم موسم التوبيخ السنوي بحدة خاصة هذه الآيام، بسبب استحكام الأزمة الاقتصادية والركود المصاحب لسنوات ما بعد الثورة، وبفضل التنافس الإعلامي المحموم على نفاق الرئيس، بما يشمل بالضرورة دعوته للتقشف ومسعاه لضرب المثل فيه، وهو ما دفع احدى المذيعات للصريخ في مشاهديها: «هو فيه أيه؟» بعد أن شاهدتهم يشترون الياميش.
ويبقى السؤال: من هم المصريون؟ حتى في أيام التقشف الحقيقي، وحين كان أكثرنا ثراءً متوسط الحال بمعايير اليوم، حتى في ذلك الزمن السحيق، كم من المصريين يا ترى كان بإمكانهم مجرد أن يحلموا بوجبة إفطار تشمل زوزة بالخلطة وبفتيك وصينية مكرونة، وخضار صنفين وكباب حلة وضلمة باللحمة المفرومة كما تسرد إحدى قوائم الإفطارعند صباح وفؤاد المهندس في الأغنية الشهيرة.
وفقا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار لمجلس الوزراء، 6 من كل 10 أسر مصرية تعيش على 20 ألف جنيه في السنة، أي حوالي 1500 جنيه في الشهر. أسرة واحدة من كل مائة أسرة مصرية يتجاوز دخلها السنوي 75 ألف جنيه، أي حوالي 6000 جنيه في الشهر، و2 من كل 10 مصريين يعيشون دون حد الفقر المدقع، ويقدر ب 2 دولار في اليوم. الياميش عند أكثر المصريين هو البلح المجفف وأغلبيتهم العظمى متقشفون إجبارا.
الرأسماليون المصريون ومن يدورون في فلكهم ويأكلون ياميشا وخلافه مما لذ وطاب على موائدهم، لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا شيئا عن ال 99% الآخرين من أبناء هذا الشعب. جرب الحديث مع أحد هؤلاء عن الشعب المصري لتجده يجأر بالشكوى من خدم المنزل، ويتفلسف عن الكسل والقذارة وكثرة الانجاب وعدم النظام فضلا عن أسطورة العمل ساعتين في اليوم.
فاجأت ثورة يناير الرأسمالية المصرية مثلما فاجأت بقية فئات الشعب، بما فيهم الشباب الذين فجروها والملايين التي شاركت فيها. هلت الثورة والطبقة الحاكمة (داخل جهاز الدولة وخارجه) أسيرة حالة بلادة كؤود، مطمئنة وراكنة ومسلمة أمرها لأولي الأمر فيها، أي الرئيس وبطانته وداخليته. كان هناك مع ذلك قدر من التذمر في الصفوف، فجمهرة الطبقة تجحد على كبار الأوليجاركيين الاستئثار بالحصة الأكبر من الكعكة، ومشروع التوريث يثير القلق من المستقبل، ويكتسب القلق حدة أشد بين بعض أقسام كبار رجال جهاز الدولة، خشية من توريث أوسع نطاقا يستبدل بطانات ببطانات، ومن مستقبل أكثر اضطرابا وأقل استقرارا بسبب التوريث الجمهوري في حد ذاته، وبسبب رعونة «الشباب» الصاعد وعجرفته، ولهم في الصعود المبهر للسيد أحمد عز مؤشرمخيف لمخاطر كل من الاستئثار والرعونة.
قلق وتذمر لم يكن له أن يرقى مع ذلك لمجرد تصور إمكانية طرق باب السياسة، وهو ما تؤكده الخيبة المزمنة للحياة الحزبية، وقد وصلت عشية ثورة يناير إلى نوع من الهزل تبدى صارخا في استيلاء الحزب الحاكم استيلاءً مطلقا على البرلمان، بعد أن قرر اقصاء الإخوان عنه، وبعد أن فشل في هندسة الانتخابات ليعطي حزبي الوفد والتجمع حصة معقولة استكمالا للديكور. ولم يكن الفشل الهندسي لمجرد العجرفة وانعدام الكفاءة والخبرة المميزة لطاقم ولي العهد، ولكنه يعود في المحل الأول للتكالب المحموم بين صفوف وجهاء الحزب الحاكم على التواجد في الغرفة التجارية المسماة برلمانا، لا حبا في السياسة ولكن طمعا في نصيب أكبر من العطايا. فلم يكن للتذمر والقلق أن يذهب أبعد من مؤامرات صغرى من وراء الستار، ومساع لبعض كبار رجال الأعمال لتمييز أنفسهم ولو قليلا عن الطاقم الحاكم من خلال تدخلات إعلامية قوامها الاستفادة بعض الشئ من الاحتياجات الديكورية للنظام.
جاءت ثورة يناير وأعلى ما في خيل كبار رجال الأوليجاركية المباركية موقعة الجمل. وبعدها، تُرك الأمر كالعادة في أيدي جهاز الدولة، ممثلا في المجلس العسكري وصفقته المباركة أمريكيا مع الإخوان المسلمين، وجل الهدف منها إعادة الشعب المصري إلى الحظيرة. ومع ذلك، وبرغم عشرات الصفقات والمؤامرات الكبرى والصغرى، فتحت الثورة المصرية آفاق استعادة المجال السياسي الرسمي، بعد أن صنعته صنعا في ميادين البلاد وشوارعها، وهو ما فرض حتما وإجبارا على بعض أقسام الرأسمالية المصرية محاولة التواجد السياسي، حزبيا وانتخابيا، مع الحفاظ في الوقت نفسه على ما عهدوه عقودا من مذلة واستزلام للقائمين على جهاز الدولة، وهم المنوط بهم وضع الحدود الصارمة على ذلك المجال، تقييدالما يفسحه من حريات ديمقراطية، وترويضا لملايين يعتزمون استخدامها تأكيدا لحقوقهم، ومحاصرةً للجشع غير المحدود لمجتمع الواحد في المائة.
ليس في الأمر جديد تماما في الحقيقة، رغم كل ما يميز الرأسمالية المصرية عن قريناتها في العالم من خيبة متميزة، ومن نشأة لقسمها الأعرض من داخل جهاز الدولة، ومن عقود طويلة من تسليم أمرها للبيروقراطية،ومن اتحاد عميق للسلطة والمال. في كل مكان، من بريطانيا إلى البرازيل، الديمقراطية صناعة الفقراء، ومجال تحقيقها هو الشارع.
لمزيد من مقالات هانى شكرالله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.