لو سمح القدر لمكارثى أن يعتنق الإسلام لكان بلا شك أحد عناصر التنظيم الإخوانى، حيث يلتقى معهم فى أمور كثيرة ومنها طريقة التفكير التى تقوم على تخوين الشريك فى الوطن، والانضباط فى صناعة الإحباط . وبالرغم من ان السيناتور الامريكى جوزف مكارثى ضد الأيديولوجيا العابرة للحدود، الا ان مشكلته فى اتهام كل من خالفه الرأى بالشيوعية فى الايام الاولى من الحرب الباردة، ولا اظن ان مكارثى معاد لوطنه لكنه لا يستطيع تقبل وجهة نظر مخالفة لرأيه، وهذا يجعله بطريقة غير مباشرة معاديا لتنوع المجتمع الأمريكى وينعكس سلبا على وطنيته. فى ادبيات التنظيم الاخوانى ليس هناك من هو وطنى او غير وطني، ولا وجود لهذه المفردة اصلا، اذ انهم لا يعترفون بالوطنية القطرية - وهذه صفة لقطعة من الجغرافيا وليس اسم الدويلة إياها ، ولا يخضعون أحدا للمعايير الوطنية، وهى الحقوق والواجبات، انما هناك لغة فضفاضة تمتلئ بالفظاظة، فالوطنية بمفهومها المعروف فى دول العالم لها مرادف فى أدبياتهم يعرف بالوثنية، لا يكلون جهدا من اطلاقه على كل من يخالف رأيهم حتى لو تأكد لهم انه متدين أكثر منهم وما أكثرهم . يشن العنصر فى التنظيم الاخوانى اشرس الحروب عليك حين تتحدث بلغة متدينة، فهو يرى نفسه انه وكيل حصرى لهذا الدين، ولا يجب منك اقتراف هذا الذنب فى الادبيات التى شحن بها منذ نعومة اظفاره التنظيمية، كما يشن حربا اشرس من الاولى حين تتحدث امامه بإيجابية عن وطنك، بلغة هذه المرة ليست دينية وحسب، إنما قرآنية كما يراها هو، لكى يصحح مفاهيمك المغلوطة فى نظره، ويُحمّلك هموم امة لا تعرف منها الا اسماء دولها ان كنت تملك الحد الأدنى من المعرفة بالجغرافيا، فأشد سجون الحياةِ قسوةً، فِكرةٌ بائسةٌ يسجنُ المرءُ مِنَّا نفسه بداخلها كما قال مصطفى صادق الرافعى . ومن الجهة الأخرى ترى هذا العنصر نفسه فى التنظيم الإخوانى يبجل كل أفعال رفاقه فى التنظيم، فمن يخاطب أعداء الأمة كما فى أدبيات التنظيم ألإخوانى ب «صديقى العظيم» يجد ان لا غضاضة فى ذلك وإنما ضرب من ضروب الدهاء السياسي. أما إيران فهى بالنسبة لهم الدولة الراعية صاحبة الكرامات والدين القويم ونصرته، وحين يكون الحديث عن السنن تجدهم يتحدثون بمنطق السنى و«الرافضي» لكن المعلن منه يأتى فى إطار «أشتمك فى الزفة واقبل جبينك فى اللفة» والمجتمع المسلم والمجتمع الكافر، ولعل أهم نظرية فى نظرى يعتمدها التنظيم ألإخوانى هى وصية سيد قطب حين قال: كونوا جماعة المسلمين فى مجتمع الجاهلية، وهو لم يطلق هذه الوصية قبل 1440 عاما بل قبل منتصف ستينيات القرن الماضى بقليل !، ولمن يسعى لتطبيق هذه الوصية سيجد نفسه انه فى مجتمع كافر فاسد، وسيسعى للبحث عن مجتمع الطهارة، ولعلنا نجد نموذجا حيا لهذا العنصر فى شخص المطرب اللبنانى السابق فضل شاكر، وكيف تحول من النقيض إلى النقيض، وآخر الأنباء انه يقاتل فى صفوف «جبهة النصرة» فى سوريا ضد «داعش»، وضد الجيش الحر، وضد الإنسانية جمعاء ربما !. يأتى دور مجاهدى «الهاشتاج» فى التنظيم ألإخوانى بانضباط تام فى صناعة الإحباط بين مواطنيهم، فكل المشاريع فى أوطانهم ليست سوى ذر للرماد فى العيون كما يدّعون، وكل السياسات التنموية فى أوطانهم ليست سوى لمضيعة الوقت، وكل احتفالية لافتتاح مشروع أو بيوم وطنى هى تقليد للغرب الكافر من وجهة نظرهم محليا، أما على الصعيد الإقليمى فكل ما يتم فى دول بعينها مثل تركيا وقطر هو من تمام الدين القويم، ونتاج للإيمان والورع الربانى المستقيم ! ينظرون إلى أقوال البنا وقطب على انها نزلت بوحى والعياذ بالله، ولا يقبلون الحديث بغير ما نطق به البنا أو قطب، ويقللون من شأن كل الأحاديث الصحيحة ويضعفون أسانيدها فقط لأنها لا تتوافق مع طرحهم، بل إن أحدهم اقتبس آية قرآنية وحولها لجملة سجعية تشفّى فيها من بعض أحداث الثورات العربية، وآخر يصنف نفسه انه من اولياء الله الصالحين، ومع كل هذه الأخطاء التى لو ارتكب غيرهم اقل منها لثارت ثائرتهم عليه، إلا انهم يجدون اتباعا لهم من السذج، ومن الصعوبة أن تحرر السذج من الأغلال التى يبجلونها كما قال فولتير . كانوا يظهرون بعض الكتاب الصحفيين من الأسماء ذات الضوء المتوهج أنهم ألد أعدائهم، واكتشفنا بعد وصول هذا التنظيم الإرهابى للحكم فى غفلة من الزمن أن هؤلاء الأعداء المزعومين هم اقرب الأصدقاء لهم، ما جعلنا نشعر ببعض السذاجة، بل ان احد هؤلاء الكتاب فاجأنا فى الأيام الماضية بمقال له يطالب بمصالحة تجرى بين السعودية ومصر من جهة ومن الجهة الأخرى التنظيم ألإخوانى الإرهابي، فهل بعد الكفر ذنب كما يقال؟ هذا التنظيم صنف فى دولتين بحجم مصر والسعودية بأنه تنظيم إرهابي. ويأتى من يطالب بعقد مصالحة معه، وحبر إعلان هذا التصنيف لم يجف بعد كحال دماء من استشهدوا بعمليات هذا التنظيم الإرهابى . لمزيد من مقالات محمد بن سعود الملفى