نقيب الصحفيين يوجه رسالة إلى الجمعية العمومية بشأن تأخر زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا    ارتفاع ملحوظ للبتلو، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    نواف سلام: العمل جار لحماية لبنان من الانجرار إلى أي مغامرة جديدة    باير ليفركوزن يخسر من شباب فلامنجو البرازيلي بخماسية في الظهور الأول ل تين هاج    درجة الحرارة غدا السبت في مصر    أمطار اليمن والإمارات وفيضانات باكستان حديث السوشيال ميديا    أنغام تفتتح مهرجان العلمين وتقدم باقة من أبرز أغانيها    8 نصائح للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا وتعزيز المناعة    اقتربت العودة.. فليك يرغب في ضم تياجو ألكانتارا لجهاز برشلونة الفني    نتائج ألعاب القوى تتلألأ في البطولة الأفريقية بنيجيريا    محمد صلاح: أنا أعظم لاعب أفريقي.. ولقب دوري أبطال أوروبا الأغلى    الحزب العربى الناصرى: العلاقة المصرية السعودية عصيّة على التشكيك    الرئاسة السورية: نتابع بقلق بالغ ما يجرى من أحداث دامية فى الجنوب السورى    تفاصيل سقوط كوبرى مشاة على طريق القاهرة الإسكندرية الزراعى.. فيديو    قطر والإمارات والكويت ترفض مخطط إسرائيل لتغيير وضع الحرم الإبراهيمي    عبد الله عمرو مصطفى يطرح أولى تجاربه فى عالم الغناء only you    افتتاح مهرجان الأوبرا الصيفى على المسرح المكشوف    إعلام إسرائيلى: نتنياهو أبلغ الكابينت بضرورة المرونة لأن ترامب يريد اتفاقا    "اللعب في الدماغ".. وثائقى ل"المتحدة" يرد على خرافة بناء الكائنات الفضائية للأهرامات    عبد السند يمامة عن استشهاده بآية قرآنية: قصدت من «وفدا» الدعاء.. وهذا سبب هجوم الإخوان ضدي    فوز فريقين من طلاب جامعة دمنهور بالمركز الأول فى "Health Care" و "Education Technology"    ريال مدريد يرفع درجة الاستعداد: معسكر تكتيكي مكثف.. صفقات قوية.. وتحديات في روزنامة الليجا (تقرير)    تين هاج يغلق الباب أمام انضمام أنتوني إلى ليفركوزن    تراجع طفيف للأسهم الأمريكية في تعاملات الظهيرة    انتخابات الشيوخ 2025.. حزب العدل يطلق حملة لدعم مرشحيه في القاهرة الكبرى    شقق بنك التعمير والإسكان 2025.. احجز وحدتك بالتقسيط حتى 10 سنوات    لف ودوران    نصر أبو زيد.. رجل من زمن الحداثة    حسام حبيب يتعرض لكسر في القدم قبل أول حفل رسمي له بالسعودية    اشتعال النيران في سيارة بشارع 45 شرق الإسكندرية    قوات الإنقاذ النهري وغواصين الخير يبحثون عن شاب غرق بشاطئ كناري في الإسكندرية    مفاجأة في واقعة مصرع 5 أشقاء بالمنيا.. الأب يعاني في المستشفى وابنته الأخيرة نفس الأعراض    «قراءة القراءة في مصر».. ندوة على هامش معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    أعقبته عدة هزات.. زلزال يضرب نابولي بإيطاليا    فحص 1250 مواطنا ضمن قوافل مبادرة حياة كريمة الطبية فى دمياط    هل مساعدة الزوجة لزوجها ماليا تعتبر صدقة؟.. أمين الفتوى يجيب    اتفاقية بين مصر وأمريكا لمنح درجات الماجستير    الصحة: حملة تفتيشية على المنشآت الطبية الخاصة بغرب النوبارية بالبحيرة للتأكد من استيفائها للاشتراطات الصحية    المبعوث الأممي إلى سوريا يدعو لوقف الانتهاكات الإسرائيلية فورا    براتب 10000 جنيه.. «العمل» تعلن عن 90 وظيفة في مجال المطاعم    حزب مصر أكتوبر: العلاقات "المصرية السعودية" تستند إلى تاريخ طويل من المصير المشترك    الهيئة الوطنية تعلن القائمة النهائية لمرشحي الفردي ب"الشيوخ" 2025 عن دائرة الإسكندرية    جهاز تنمية المشروعات ينفذ خطة طموحة لتطوير الخدمات التدريبية للعملاء والموظفين    فتح طريق الأوتوستراد بعد انتهاء أعمال الإصلاح وعودة المرور لطبيعته    وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية ومحافظ كفر الشيخ يفتتحون المرحلة الأولى من تطوير مسجد إبراهيم الدسوقي    مصرع عامل في حريق اندلع داخل 3 مطاعم بمدينة الخصوص    بعد تصريحه «الوفد مذكور في القرآن».. عبدالسند يمامة: ما قصدته اللفظ وليس الحزب    سد النهضة وتحقيق التنمية والسلم الأفريقي أبرز نشاط الرئيس الأسبوعي    وزير الخارجية يواصل اتصالاته لخفض التصعيد بين إيران وإسرائيل وتفعيل المسار الدبلوماسي    نصر أبو الحسن وعلاء عبد العال يقدمون واجب العزاء في وفاة ميمي عبد الرازق (صور)    الرعاية الصحية وهواوي تطلقان أول تطبيق ميداني لتقنيات الجيل الخامس بمجمع السويس الطبي    قبل ترويجها للسوق السوداء.. ضبط 4 طن من الدقيق الأبيض والبلدي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 18-7-2025 في محافظة قنا    «أمن المنافذ» يضبط قضيتي تهريب ويحرر 2460 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فشكراً أشرف!?    انخفاض أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة 18-7-2025    الهاني سليمان: الأهلي لا تضمنه حتى تدخل غرف الملابس.. والزمالك أحيانا يرمي "الفوطة"    هل تعد المرأة زانية إذا خلعت زوجها؟ د. سعد الهلالي يحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خريطة مصر .. على «ملة إبراهيم»

بالدليل والبرهان،سبقت «فيتو»الجميع،عندما أكدت فى متابعتها الأولى لمذبحة «الحدود»،والتى تلت الحادث بيوم واحد،أن منفذيها،من المنتمين إلى الجماعات التكفيرية، وبينت التقارير الإخبارية اللاحقة على ما نشرناه،أن التكفيريين،يعيثون فى أرض سيناء فسادا،من خلال اعتناقهم أفكارا متطرفة تطرفا بغيضا،تدفعهم إلى تكفير كل من عداهم،فهم يُكّفرون رأس الدولة،بداعى أنه لا يحكم بما أنزل الله، كما يُكّفرون جميع القائمين على أمر الدولة من العاملين فيها من شرطة وجيش وقضاء وكل موظف حكومى،وصولا إلى تكفير المجتمع كله،وجاء بيانهم بتهديد الجيش المصرى،مع أول أيام عيد الفطر،بإراقة المزيد من دماء الجنود المصريين «خير أجناد الأرض»،وتهديدهم بالتوسع فى تنفيذ عمليات إرهابية فى القاهرة، ليثبت إدانتهم وضلوعهم فى الحوادث التى ضربت سيناء فى الفترة الأخيرة.
الجماعات الجهادية فى سيناء تتعدد تنظيماتها، وأكبرها:«الجهاد والتوحيد» ،«أنصار الجهاد»،«السلفية الجهادية»،و «مجلس شورى المجاهدين- أكناف بيت المقدس».
و تنتهج «الجماعات التكفيرية» فكرا متشددا يقوم على مبدأ الجهاد ضد الكفار،فى المرتبة الثالثة ،وهم يكفرون كل من لا يقيم شرع الله، وتتركز هذه الجماعات بالمنطقة الحدودية خاصة مركزى رفح والشيخ زويد بالإضافة إلى منطقة الوسط،وبعض المجموعات الصغيرة المتناثرة فى الفيوم والدقهلية ومطروح.
ويدخل ضمن تصنيف هذه المدرسة الفكرية المتشددة أسماء تنظيمات مثل :«التكفيريين»،«التكفير والهجرة»،و«الرايات السوداء»، وهى جماعات تتبنى أفكاراً قائمة على تكفير الحاكم الذى لا يطبق شرع الله، وتسحب حكمها على من دونه من أركان نظام حكمه، وصولا إلى قاعدة المجتمع البعيدة عن شرع الله، حيث تتشابه أفكار الجماعات التكفيرية المختلفة دون أن يجمعها إطار تنظيمى واحد.
وتنتشر هذه الجماعات بالمنطقة الحدودية ووسط سيناء، وبعض المناطق بمدينة العريش، حيث أعلنت إحدى هذه الجماعات عن نفسها بعد ثورة يناير مستغلة حالة الفراغ الأمنى التى عانت منها سيناء، وأطلقت على نفسها اسم «تنظيم الرايات السوداء».
وقبل 11 عاما،أعلن تنظيم «الجهاد والتوحيد» عن نفسه،تحت قيادة مؤسسه،طبيب الأسنان «خالد مساعد»،ونفذ 15 عملية إرهابية،راح ضحيتها 250 قتيلا ومصابا،وكان أشهر تلك العمليات،استهداف أماكن سياحية بطابا وشرم الشيخ،فى جنوب سيناء،وفى عام 2006،تمكنت الأجهزة الأمنية،من تصفية مؤسس التنظيم،بعد مطاردة عنيفة بجبل الحلال.
وأثناء أحداث الثورة،فرت أعداد كبيرة منهم من المعتقلات،وانطووا تحت قيادة شاب بدوى يدعى «أبو عبدالله»،ونفذوا عمليات هجومية ،استهدف بعضها «قسم ثان العريش»،وقدر ضحايا تلك العمليات ب40 قتيلا ومصابا،ثم قاموا بعد ذلك باحتجاز 25 صينيا،احتجاجا على صدور أحكام ضد عدد منهم بالإعدام.
وفى 24 يوليو الماضى،أعلنت جماعة جهادية موالية لتنظيم القاعدة،عن نفسها،عبر فيديو على موقع «يوتيوب»،وأعلنت مسئوليتها عن تفجيرات خط الغاز المؤدى إلى الكيان الصهيونى.
ومن سيناء إلى الفيوم،مسقط رأس الشيخ عمر عبد الرحمن ،حيث كشف مصدر أمنى بالإقليم،عن أن هناك بوادر لعودة نشاط التكفيريين،وتحديدا بمنطقتى «أبشواى» و«يوسف الصديق»،وهما من المناطق التى شهدت توهجا لجماعة الشوقيين التكفيرية،فى مطلع التسعينيات.. وكان مؤسس التنظيم،شوقى الشيخ، يؤمن بحمل السلاح ضد المجتمع،وتكفير من ليس معه،وقد قُتل عام 1990 ،بعد مطاردة عنيفة مع أجهزة الشرطة.
واللافت ان تنظيم التكفير والهجرة، عاد الى صدارة المشهد مرة اخرى، وتسير عناصره فى الوقت الحالى على نهج زعيمهم ومؤسس الحركة شكرى احمد مصطفى .
زعيم التنظيم فى الفيوم الذى تحتفظ «فيتو» باسمه يقيم فى قرية العلوية مركز يوسف الصديق، نجح بمساعدة اشقائه فى بناء مسجدين وسط الزراعات دون الحصول على تراخيص احدهما فى قرية ابو حجازى ، والآخر فى قرية كحك، وهو المسجد الذى انطلقت منه شرارة العمليات الإرهابية التى نفذها تنظيم الشوقيين عام 1990 .
ويرفض تكفيريو الفيوم تناول الذبائح مع الناس العاديين، او حضور مراسم الزواج ،او تشييع الجنازات، او الصلاة مع الناس، مادام الامر لا يخص احد اعضاء جماعتهم.
ومن الفيوم إلى الدقهلية..حيث بزغ شمس التكفيريين بقوة،من خلال تنظيمات،تعمل وفق مبدأ «الولاء والبراء»، ونفذ تكفيريو الدقهلية الحادث المعروف إعلاميا بقضية خلية الزيتون، وهم يؤمنون إيمانا مطلقا بتكفير المجتمع واستباحة دماء وأموال الأقباط.. وتعتبر سرية «الولاء والبراء»، أشهر التنظيمات القائمة بالمحافظة، ويعتنق أفرادها مبدأ تكفير المجتمع،وتغيير نظام الحكم بالقوة، والاعتداء على القوات الأمنية،والسائحين، واستهداف المنشآت الحيوية.
وتورط عدد من أبناء قرى «الخيرية»،»كوم الدربى» و«تلبانة» فى هذه التنظيمات التكفيرية،والتخطيط لعمليات إرهابية،تستهدف الإضرار بمصالح البلاد،والتخطيط لقتل المحتفلين اليهود بمولد أبو حصيرة،بمحافظة البحيرة.
السيادة لله ولا سيادة للشعب
بلغ التكفيريون حالة من الغطرسة والتبجح،حتى أنهم طالبوا الرئيس الإخوانى محمد مرسى بالإفراج عن معتقليهم فى السجون،وتجاوب مع مطلبهم وأفرج عن عدد منهم،رغم إدانتهم فى جرائم إرهابية .
وأعقبت «السلفية الجهادية» تلك الخطوة،ببيان أفصحت فيه عن هويتها،جاء فيه: «نحن عباد لله..نكفر بالطاغوت، ونلتزم أمر الله و شرعه في جميع أمورنا،و نقدم ما ثبت عندنا بالدليل الشرعى الصحيح، على كل قول أو رأى جماعة أو حزب أو طائفة.. ونرى عدم جواز الدخول فى منهج الديمقراطية ودينها، والعمل الحزبي من خلالها، وتحت مظلة الدستور والقانون العلماني الباطل ، ونعتقد أن السيادة لله و لشرعه وحده، ولا سيادة لشعب أو طائفة، و أن أحكام الدين ثابتة لا تتغير و لا تتبدل بالآراء و الأهواء.. ونرى أن الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وإحلال شرائع الجاهلية والقوانين الوضعية محل شرع الله تعالى، كُفرٌ أكبر، مُخرجٌ من الملة، ويجب تغييره حسب الضوابط الشرعية الصحيحة المرعية فى ذلك،كما يجب السعى لتحصيل القدرة على ذلك عند فقدها ولكن بالطرق الشرعية الصحيحة» .
وتعتبر»السلفية الجهادية» فى مصر أن « كل من اشترك فى الحكم بغير ما أنزل الله، أو شارك فى تبديل الشرائع السماوية، يرى جمهور هذا التيار أنه كافر، يُعامل بظاهر حاله «.
تأثير إخوانى
اللافت أن هذه العناصر،التى تعتنق الفكر التكفيرى،القائم على تكفير المجتمع، تتراوح أعدادها بين 1600 إلى 2000 عنصر،بحسب التقديرات الرسمية،وتستقى أفكارها من كتاب «ملة إبراهيم»،الذى وضعه «أبو محمد المقدسى»،أبرز منظرى تيار «السلفية الجهادية»،التى تجد رواجا محدودا فى مصر،ويعد الكتاب دستورهم الوحيد،وقانونهم الفريد،ومرجعيتهم الأهم،فى نظرتهم للمجتمع المصرى،الذى يرونه-بحسب معايير الكتاب- كافرا،رئيسا وحكومة وشعبا،رغم أن الرئيس هو من أمر بإطلاق سراح عدد منهم،كانوا قد أدينوا بارتكاب جرائم إرهابية،قبيل تنفيذ مذبحة الحدود.
و«المقدسى» ينضم إلى كل من :الإخوانى «سيد قطب» ، و«محمد عبد السلام فرج»، باعتبارهم «أبرز منظرى تيار العنف الدينى»، والذين يتحملون الجانب الأكبر من المسئولية عن إراقة دماء المسلمين،تحت مظلة دعاواهم الباطلة.
«أبو محمد المقدسي»، أو «عصام برقاوي» وهذا هو اسمه الحقيقي، أردنيٌ من أصل فلسطيني،عمره «53»عاما، أقام في الكويت فترة ، وانخرط في تيار «أهل الحديث الثوريين»، ورثة تيار جماعة «جهيمان العتيبي»، التي احتلت الحرم المكي عام 1979،ووضع كتابه المثير للجدل قبل 15 عاما.
الحكام العرب..طواغيت
كتاب «ملة إبراهيم»،الذى يشبه كتاب «معالم علي الطريق»،الذى سبقه به الإخوانى «سيد قطب»، في درجة تأثيره وصياغته لأيديولوجيا «الجهادية السلفية»،يقوم على فكرة بسيطة مفادها: الأخذ بملة النبي إبراهيم، الذي أمرنا الله بالاقتداء به، فى قوله: «قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده».
هذا التأسي يتمثل بالكفر بالطاغوت والبراءة منه، هذا الكفر يتجلى في صور كثيرة، أهمها: من لم يحكم بما أنزل الله، كما قالت الآية القرآنية: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، وبما أن جميع الحكومات العربية لا تحكم بما أنزل الله، بحسب المقدسي، فهي إذن «طاغوت من الطواغيت»، التي أمرنا بالكفر بها والبراءة منها، أسوة بإبراهيم النبي، ومن هنا جاء اسم الكتاب.
المثير أن المقدسي لا يكتفي بمجرد الإعلان اللفظي للكفر بالطاغوت، بل يتدخل في تحديد أشكال هذا الكفر، إذ لا يجوز أن ينخرط المسلم في «وظائف الطاغوت وخصوصا في السلك العسكري، حتى أنه أفتى بكفر القوات المسلحة العربية «.
يستهل «المقدسى» مقدمة دستور التكفيريين،بما يشبه طلقات الرصاص،حيث يقول: «إلى الطواغيت في كل زمان ومكان، إلى الطواغيت حكاماً وأمراء وقياصرة وأكاسرة وفراعنة وملوكاً،إلى سدنتهم وعلمائهم المضلين،إلى أوليائهم وجيوشهم وشرطتهم وأجهزة مخابراتهم وحرسهم، إلى هؤلاء جميعاً، نقول :إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله، براء من قوانينكم ومناهجكم ودساتيركم ومبادئكم النتنة، براء من حكوماتكم ومحاكمكم وشعاراتكم وأعلامكم العفنة،كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده».
ولا يُخفى سعادته،بعدما شاع عن كتابه من أنه مرجعية التنظيمات المسلحة،فيقول:»فالحمد لله الذي جعله شوكة في حلوقهم وغصة في صدورهم».
«المقدسى»،يقطع بأن جميع الحكام العرب طواغيت،ويجب مقاومتهم،وخذلانهم،لأنهم « لا يظهرون الرضا عن الإسلام أو يهادنونه ويقيمون له المؤتمرات وينشرونه في الكتب والمجلات ويؤسسون له المعاهد والجامعات إلا إذا كان ديناً أعور أعرج مقصوص الجناحين بعيداً عن واقعهم وعن موالاة المؤمنين والبراءة من أعداء الدين وإظهار العداوة لهم ولمعبوداتهم ومناهجهم الباطلة.»
السعودية..كافرة!
وفى هذا السياق،يضرب «المقدسى»، المثل، بالمملكة العربية السعودية، فيحمل على حكامها كثيرا، إذ يقول:» وإننا لنشاهد هذا واضحاً في الدولة المسماة «السعودية»، فإنها تغر الناس بتشجيعها للتوحيد وكتب التوحيد، وحثها للعلماء على محاربة القبور والصوفية وشرك التمائم والتوله والأشجار والأحجار.. وغير ذلك مما لا تخشاه ولا يضرها أو يؤثر في سياساتها الخارجية والداخلية.. وما دام هذا التوحيد المجزأ الناقص بعيداً عن السلاطين وعروشهم الكافرة فإنه يتلقى منهم الدعم والمساندة والتشجيع».
وفى موضع ثان، يسفه الكتاب رأى من يعتقدون أن الإسلام، هو النطق بالشهادتين، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والحج، فحسب، إذ يوضح أنه: «إذا أردت أن تعرف محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد ولا في ضجيجهم ب«لبيك»، ولكن انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة»، ويقصد بهم حكام المسلمين».
ويُفصّل الكتاب أن من أخص خصائص «ملة إبراهيم»: «إظهار البراءة من المشركين ومعبوداتهم الباطلة، وإعلان الكفر بهم وبآلهتهم ومناهجهم وقوانينهم وشرائعهم الشركية، وإبداء العداوة والبغضاء لهم ولأوضاعهم ولأحوالهم الكُفرية حتى يرجعوا إلى الله، ويتركوا ذلك كله ويبرأوا منه ويكفروا به»،ثم يدلل على رأيه بالآية القرآنية:» قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده». «
ويعتبر أن كل من لا تنطبق عليه صفات «ملة إبراهيم» –من وجهة نظرهم-من الكافرين ،ولا يجوز مخالطتهم،»فهذه هي «ملة إبراهيم» التي قال الله فيها: «ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه» ، فعلى المسلم أن يعادي أعداء الله ويظهر عداوتهم ويتباعد عنهم كل التباعد وألا يواليهم ولا يعاشرهم ولا يخالطهم...»
ويرى الكتاب أن «المرء قد ينجو من الشرك ويحب التوحيد، ولكنه يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم، فيكون متبعاً لهواه ،داخلاً من الشرك في شُعب تهدم دينه وما بناه، تاركاً من التوحيد أصولاً وشُعباً لا يستقيم معها إيمانه الذي ارتضاه ،فلا يحب ولا يبغض لله ولا يعادي ولا يوالي لجلال من أنشأه وسوّاه، وكل هذا يؤخذ من شهادة أن لا إله إلا الله»، «وأفضل القرب إلى الله، مقتُ أعدائه المشركين وبغضهم وعداوتهم وجهادهم «.
الخروج على الحكام..
ويرفض «المقدسى» مخاوف البعض على الدعوة الإسلامية من «السلفية الجهادية»،قائلا:»هذا جهل وإرجاف، لأن هذه الدعوة هي دين الله، الذي وعد بأن يُظهره على الدين كله ولو كره المشركون،» وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم».
ويغازل أتباعه ومريديه بقوله:»فلا يظن ظانٌّ، أن هذه الطريق مفروشة بالورود والرياحين، بل محفوفة بالمكاره والابتلاءات، ولكن ختامها مسك وروح وريحان ورب غير غضبان..وأتباع ملة إبراهيم من أشد الناس بلاء، لأنهم يتبعون منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله».
ويُحرض «المقدسى»على الخروج على الحكام بقوله:» ففي تاريخ الدعوة إلى الله ، لم يفصل الله بين أوليائه وأعدائه إلا بعد أن فاصل أولياؤه أعداءه على أساس العقيدة، فاختاروا الله وحده.. وأصحاب الدعوة إلى الله لهم أسوة حسنة في رسل الله... وإنه لينبغي لهم أن تمتلئ قلوبهم بالثقة حتى تفيض.. وإن لهم أن يتوكلوا على الله وحده في وجه الطاغوت أياً كان.. ولن يضرهم الطاغوت إلا أذى.. ابتلاء من الله ،لا عجزاً منه سبحانه عن نصرة أوليائه، ولا تركاً لهم ليسلمهم إلى أعدائه، ولكنه الابتلاء الذي يمحص القلوب والصفوف.. ثم تعود الكرّة للمؤمنين.. ويحق وعد الله لهم بالنصر والتمكين».
مؤسسات الضرار
وفى نهاية الكتاب،يحذر «المقدسى»،مما وصفه بألاعيب وحيل الطغاة لاستمالة الدعاة،إلى صفوفهم، بعيدا عن «ملة إبراهيم»،بقوله:»ولا يزالون يخطّطون لأجل حرف الدعاة عن هذا الصراط المستقيم، إلى سبل فيها سكوت عن كثير من باطلهم، تُرضي خواطرهم... حتى تموت الدعوة وتتميع قضيتها وينحرف دعاتها عن خطها الواضح البيّن المستقيم، فالطّغاة يعلمون أن أول التقهقر خطوة إلى الوراء».
ومن أمثلة هذه الأساليب في واقعنا المعاصر:»ما يؤسسه كثير من الطواغيت من برلمانات ومجالس أمة وأشباهها.. ليجمعوا فيها خصومهم من الدعاة وغيرهم، فيجالسونهم فيها ويقاعدونهم ويختلطون بهم، حتى يُميعوا القضية بينهم، فلا تعود المسألة مسألة براءة منهم أو كفر بقوانينهم ودساتيرهم، أو انخلاع من باطلهم كله.. بل تعاون وتآزر ومناصحة ، وجلوس على طاولة الحوار لأجل صالح البلاد واقتصادها وأمنها ولأجل الوطن الذي يتحكم به الطاغوت ويحكمه بأهوائه وكفرياته»..
مضيفا:»ومن ذلك أيضاً ما يلجأ إليه كثير من هؤلاء الطواغيت من تجنيد العلماء وشغل أوقاتهم لصالحهم في محاربة خصومهم ،ومن يخافونهم على أنظمتهم وحكوماتهم،..ومن ذلك أيضاً إغراء المؤمنين والدعاة بالمناصب والمراكز والوظائف والألقاب.. ومنحهم الامتيازات والأموال والمساكن، والإغداق عليهم بالخيرات وغير ذلك،حتى يقيدوهم ويثقلوهم ويقفلوا أفواههم بها».
ويعتبر «المقدسى» المؤسسات الإسلامية من قبيل أساليب المخادعة والمداهنة ،فيقول:»ومن قبيل ذلك أيضاً روابط ومؤسسات الضرار التي يؤسسها هؤلاء الطواغيت، كرابطة العالم الإسلامي التي انخدع بها كثير من علمائنا المساكين، رغم خطها المكشوف الأسود المداهن لكثير من الحكومات الفاسدة عموماً، وللحكومة السعودية وطواغيتها خصوصاً.. وعلى كل حال فهذه المؤسسة وأمثالها لن تعدو كونها مؤسسة حكومية، ولقد اعتدنا ألا نثق بما يأتي من الحكومات، ومنه أيضاً ما يمنحونه لكثير من الدعاة من أذون وتراخيص للدعوة والخطابة وما ينشئونه من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تعمل على استيعاب واحتواء الدعاة المتحمسين وصدهم عن منكرات الحكومات وسياساتها وباطلها وفساد طواغيتها الكبير.. بشغلهم ببعض منكرات العامة.. خلاصة تلك المنكرات التي قد تهدد أمن الدولة واستقرار حكم الطواغيت.. ولن يتعدوها إلى مستويات أعلى وأعظم ما داموا قد ربطوا أنفسهم بتلك الهيئات أو ذلك الإذن الذي يتحكم فيهم وفي دعواتهم.. ويشدهم شداً».
ويحتج «المقدسى»،بعديد من الآيات القرآنية،التى يلوى عنقها،ليدلل بها على رأيه،حيث حشدها فى نهاية كتابه،داعيا أتباعه إلى التمسك بالجهاد ضد كل من ليسوا على «ملة إبراهيم»،منها:»فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً»،»ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا، وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»،و»ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون».
وينهى «المقدسى» كتابه بسؤال حاسم،هو: «إما شريعة الله، وإما أهواء الذين لا يعلمون ، هذا هو الطريق.. فهل من رجال؟؟
تحريف القرآن الكريم
فى المقابل..يرى كثيرون من أهل العلم أن الكتاب ينتمى إلى أدبيات الفكر المتطرف التى يكتبها قليلو علم متبصر، وغرضه هو التهييج وإثارة عاطفة وحماس الشباب،وأن المقدسى لجأ إلى تأويل خاطئ لآيات القرآن الكريم،فأضحى مؤلفه ممن يحرفون الكلم عن موضعه.
فالكتاب لجأ إلى توظيف آيات القرآن الكريم في غير ما أنزلت إليه،فى محاولة منه لإثبات صحة موقفه، كما سلك مسلكا معروفا عند رواد الفكر ومتتبعي أنواع الأفكار وأنواع الفلسفات التي يقصد منها التأثير وهو ما يسمى ب»التلقين في اللاشعور»،حيث يستغل حب المسلمين للنبى إبراهيم،ثم إفهامهم بأن ملة إبراهيم تم انتهاكها من قبل الحكام،ولذا يجب محاربتهم فى سبيل الدفاع عنها.
و الكتاب لم يرع الأمانة في الاستدلال بالنصوص، ولا حتى في الاستدلال بأقوال العلماء ، ويتعامل مع النصوص الدينية بشكل انتقائى، ينم عن سوء نية، بدليل أنه لم يقتف أثرا للصحابة الكبار، ومن خلف من بعدهم من التابعين بإحسان.
كما انطوى على مغالطات عندما تحدث عن قصة إبراهيم مع أبيه «آزر»،وتجاهل وقائع حقيقية،تؤكد أن منهج إبراهيم ،مع مخالفيه،لم يكن نفس منهجهم فى القتل والتدمير،وبرزت سذاجة الكتاب وعدم عقلانية مؤلفه،عندما جعل المجتمعات المسلمة ،حكومات وقضاة وعلماء ومحاكم وأفراد وكل من يعيش فيها، «أصناما وطواغيت» ،يجب أن تُعامل كما عامل إبراهيم، أصنام قومه بالتحطيم والتدمير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.