أعجبنى ذكاء هذا الشاب فقد كانت الساعة الثامنة والنصف صباحا وكنت على مسافة قريبه من نقابة المحامين ولمحت شابا يبدأ فرش جزء من الرصيف بالبضاعة التى كان يحملها وسمح لى ازدحام المرور ان أتامل بضاعة هذا الشاب فإذا هى شنط من تلك النوعية التى يحملها السادة المحامون فأى ذكاء هذا الذى جعل الشاب يفكر فى البضاعة المناسبة للزبون المناسب , على هذا النحو تجد مثلا مداخل وزارة التأمينات بشارع الألفى وكذا شارع وزارة الزراعة محاطة ببائعين يعرضون السلع التى تهم السيدات العاملات من خضراوات وفاكهة واوانى طبخ وغيرها وحتى الملابس الداخلية النسائية. تلك هى واحدة من تجارة الرصيف وهى معروفة عالميا بين دول تنظمها واخرى تتركها للفوضى والعشوائية والبلطجة وغياب الدوله وحسنا فعل المهندس إبراهيم محلب عندما زار جراج الترجمان وبعدها خرج الحديث عن نقل تجارة الرصيف والباعة الجائلين إلى هذا الموقع إلى حين تدبير أرض وابور الثلج لهم ، وهذا لا شك يحسب لرئيس الوزراء ولكن هناك أمورا تحضيرية كانت يجب ان تسبق زيارته وقراره ومن المتصور ان يكون قد قام بها مكتبه الفنى او تكلف بها إحدى الجهات المتخصصة باعداد ملف متكامل عن هذه الظاهرة حتى يأتى هذا القرار فى إطار نظام متكامل وليس فقط مجرد نقل مجموعة من الباعة الجائلين وإخلاء مواقعهم التى احتلوها بالقوة ووضع اليد فى شوارع وسط القاهره وإنى على ثقة من أن غيرهم سوف يسارع بإحتلال تلك الأماكن من جديد ولم لا طالما الدولة وفرت لما سبقهم مكانا فى جراج الترجمان وننبه إلى ان هذه الظاهرة ليس قاهرية فحسب وإنما تجتاح عموم البلاد مما يحتم وضع نظام متكامل للتعامل معها. هل سألنا أنفسنا لماذا يشترى البعض من تجار الرصيف ولا يذهبون إلى المحلات التجارية والمراكز الضخمة؟ هل بحثنا من هم اولئك الباعة الجائلون تجار الأرصفة؟ الإجابة عن نصف السؤال بسيطة فالبضاعة تحت اقدام المشترى ولا يحتاج الزبون إلى مواصلات للحصول على السلعة التى يريدها ايضا رخص أسعارها وتنوع السلع المعروضة والتجديد فيها بإستمرار إعتمادا على تدفقات السلع الصينية الرخيصة رغم ضعف وفقر جودتها بالإضافة إلى إن تركز التجارة فى المراكز التجارية البعيدة والفخمة ابعدت تلك الشريحة عنها فلا تجد امامها افضل ولا اقرب لها من الرصيف وبضاعته. من هم إذن تجار الرصيف ؟ تكشف عنهم دراسة تحليلية أجراها إتحاد جمعيات التنمية الإقتصاديه وتنمية الدخل عن أن 85 % منهم رجال ثلثاهم تحت سن الأربعين وان الصعيد هو أكبر مصدر للباعة الجائلين والمفاجأة ان 68%من الباعة الجائلين فى المنيا من اصحاب المؤهلات العليا وفى ذلك إشارة واضحة لبلاء البطالة التى يعانى منها الشباب، أما النساء فيشكلن 15% من تجار الرصيف وان 75% منهن متزوجات فى إشارة ايضا إلى أنهن سيدات معيلات، أما الوضع القانون لهم جميعا فإن 96% منهم مخالف للقانون لعدم حيازة ترخيص بائع متجول أو إشغال طريق، إذن نكتشف ان هناك قانونا لماذا إذن لا يطبق فى الجانبين أى منح الترخيص والعقاب؟ الرد بإختصار المسئول هو الطبيعة التعجيزية لإجراءات إستصدار تراخيص البيع وإشغال الطريق وعدم توافر أماكن بديلة لممارسة نشاطهم قريبه من الزبائن. إن هذه الظاهره تحتاج إلى تنظيم متكامل قانونى ومالى وهيكلى فهى تتضخم يوما بعد يوم فيما يسمى الإقتصاد الخفى أو غير الرسمى وهو عبارة عن الأنشطة التى يمارسها البعض فى الصناعة والتجاره وكلها تقع خارج نطاق الإطار المؤسسى للدوله بعيدا عن التأمينات والكهرباء والمياه وتراخيص ممارسة النشاط والضرائب. هذه الظاهرة أصبحت جزءا لايتجزأ من الإقتصاد المصرى كما أنها أصبحت جزءا من الحياة اليومية للمواطن إذ يعتبر الرصيف سوبر ماركت الفقراء وأكبر تجمع إقتصادى حيث يشعرون بأن الأرصفة هى الأقرب إليهم وأنهم يستطيعون التعامل معها دون أن تقسو عليهم. كل ما هو مطلوب ببساطة إزالة العوائق البيروقراطية والماليه والسماح لهم بالحصول على تراخيص لمزاولة النشاط بطريقه سليمة وقانونية. أنهم يحتاجون مظلة قانونية وتمويل ومواقع . والغريب أن مصر لديها قانونا ممتازا لتنظيم عمل الباعة الجائلين صدر عام 1938 كما صدر عام 1953 القانون رقم 33 ويحتاج تفعيل، فقد اشترط فى مواده الست لمنح الترخيص لمزاولة المهنة، ومنعها عن شرائح معينة من المواطنين ممن يقل سنهم عن 12 عاما ومصابين بأمراض معدية أو جلدية أو طفيلية أو متهمين فى جرائم سرقة أو نصب أو مخدرات أو غش أو جرائم جنائية أو التعدى على الآخرين بكل الصور وهذه كلها تضمن منع أى اخطار صحية أو أمنية قد يتعرض لها المواطن الذى يشترى احتياجاته من هذه الفئات بعد أن يخضع هذا البائع لكل انواع الفحص الصحى والجنائي، ولا يحق لأحد أن يمارس المهنة دون ترخيص حتى يمكن التحكم فى الانشطة العشوائية التى تضر بالمواطنين والسوق ومراقبة الصناعات المخالفة التى يتداولها مثل هؤلاء لخطورتها على الصحة والاقتصاد المصري. كما أن قانون الباعة الجائلين يلزم بتحديد مناطق معينة للبيع وبأوقات مناسبة لهم لعدم ازعاج المناطق التى يبيعون بها، وكذلك تحديد الحد الاقصى للباعة فى كل منطقة حتى لايصير التجمع عشوائيا ويساعد على السرقات وقلق السكان أو يخلق الزحام نوعا من المصادمات بين الباعة والأهالى بالمنطقة، كما ينص أيضاً على منع ملاحقة المواطنين فى وسائل النقل العامة مثل الاتوبيس والقطارات وتسرى على المترو ايضاً، والوقوف فى مسار الناس بالشوارع والميادين وعدم التجارة فى بضائع مماثلة لما تبيعه المتاجر المجاورة أو احتلال مواقع رجال الشرطة والامن. القانون إذن موجود وإذا كانت الحكومة ستوفر لهم أماكن فالعدالة والمعادلة تقتضى أن يكون ذلك فى إطار صفقه : الأماكن والإعتراف بهم وأنشطتهم مقابل الإنخراط فيما يستوجبه القانون من تنظيم دون تعسف. لمزيد من مقالات عصام رفعت