"رجل أعمى يقود مكفوفا".. مثل انجليزى يكاد ينطبق حرفيا على الوضع الراهن فى العراق.. أكثر من طرف يظن كل منهم أنه يخدم هدفه، فى حين أنهم جميعا يخدمون - دون إدراك - المخطط الأمريكى فى العراق. وفى ظل غياب قيادة واضحة سواء للثوار أو لداعش، خرجت علينا مراكز الأبحاث والمحللون الأمريكيون ليشرحوا حقيقة الوضع هناك. كتير من المحللين ومن مسئولى الحزب الجمهورى المعارض إتهموا إدارة أوباما بأنها تتحمل جزء من المسئولية لما يجرى فى العراق من فوضى واقتتال. ويتساءلون: كيف لتنظيم مثل داعش، والذى قدرت جهات عديدة عدد أفراده بأنه لا يتجاوز 800 فرد، أن يهزم قوات الحكومة التى يزيد عددها عن عدد أفراد داعش 15 مرة؟. وطبقا لما نشره موقع فورين بوليسى الأمريكى لعدد من الدراسات لكتاب أمريكيين، منهم إلياس جرول وكياس جونسون وشين هاريس وغيرهم، فقد اتفقوا جميعا على أن المفاجأة التى قيل إن الحكومة الأمريكية شعرت بها هى والمخابرات المركزية أمام احتلال داعش لعدد من المدن، لا يمكن أن تكون مفاجأة، بينما الجميع يعلمون أن داعش بدأت نشاطها منذ أن كانت الولاياتالمتحدة تحتل العراق. وأن وكالة الأمن القومى NSA ترصد وتراقب كل اتصال تليفونى أو رسائل البريد الإلكترونى أو أى برقية داخل العراق، مما يسهل عليها تحديد مكان الإرهابيين، بما فيهم داعش، وأنها بناء على هذه المعرفة بهم، فإن الولاياتالمتحدة كان يمكنها إلقاء القبض على أفراد هذا التنظيم أو قتلهم، أو أن ترسل طائرات بدون طيار لقصفهم، بالإضافة إلى أن هناك شبكة كبيرة من الجواسيس داخل العراق يتبع أفرادها القيادات العسكرية الأمريكية التى تعمل بالتنسيق مع المخابرات المركزية. ومعنى هذا أن أوباما كان بوسعه القضاء على القوة العسكرية لتنظيم داعش قبل أن تزداد خطورتها، وتصل إلى الوضع الذى يجعل التنظيم يشن هجمات على المدن العراقية، وهو ما لم يحدث!. وهذا يؤكد الشكوك وكذلك المعلومات المتوافرة بين المحللين والخبراء من أن هدف الإدارة الأمريكية منذ غزو العراق عام 2003 وحتى الآن هو إثارة فوضى كاملة داخل العراق وانقسامات طائفية وحروب أهلية، مما يهدد تماسك الدولة العراقية ووحدتها. وهو ما يؤكد أيضا ما ينشر عن خطط أمريكية لإحداث إنقسامات فى دول عربية أخرى بنفس الطريقة، حتى لا تكون هناك دول قوية فى المنطقة تتبنى سياسات ليست فى صالح الولاياتالمتحدة أو إسرائيل، ولكنها فى حالة تقسيمها وتفتيتها وإضعافها تطمئن واشنطن على أنها لا تمثل أى خطر على مصالحها فى المنطقة. إذا كانت أمريكا ترصد تحركات داعش وغيرها، وخططها لإقامة ما تسميه “دولة الإسلام فى العراق والشام”، فلماذا كان أوباما مترددا فى تزويد جيش العراق بالسلاح المتقدم بما فى ذلك الطائرات الحربية والهليكوبتر، إلا إذا كان ما تقوم به داعش يخدم الهدف الأمريكى فى إشعال الفوضى والانقسامات والاقتتال داخل العراق. وكانت إدارة بوش من قبل قد مهدت الأرض لكل هذه الفوضى التى تجتاح العراق وتهدد بتقسيمه إلى ثلاث دويلات على الأقل، عندما قامت عقب الغزو فى 2003 بتسريح الجيش الوطنى العراقى، الذى يمثل العمود الرئيسى لوحدة أراضى أى دولة. ويضيف محللون أمريكيون آخرون أن ما تفعله إدارة أوباما تجاه العراق يعنى أنها لا تفهم واقع المنطقة وتاريخ شعوبها وثقافتهم. كما أن هناك جانبا آخر من الاتهامات التى يطلقها محللون أمريكيون ضد إدارة أوباما، وهى أنها مع كل ما لديها من أجهزة توفر لها أدق المعلومات، فإنها تعلم بالتأكيد مدى الفساد الذى وصل إليه حكم المالكى وتحيزه الطائفى ضد السنة جميعا وقطاعات من الشيعة، وهو ما كان لابد أن يدفع البلاد إلى ثورة شاملة ضده يمكن أن تستغلها داعش كما حدث إلى حد ما. وفيما يتعلق بالهجمات الإرهابية التى كانت تتصاعد وتيرتها فى العراق تحت سمع أجهزة المخابرات الأمريكية، فإن حجم هذه العمليات يتفوق سواء من حيث العدد أو من حيث سقوط الضحايا عن أى عمليات إرهابية تقع فى أى مكان آخر فى العالم، وقدرت بأنها تزيد عن أى عمليات فى أى مكان آخر فى العالم بنسبة 40%. وتقول دراسات أمريكية فى مناقشاتها لمسئولية إدارة أوباما عن الوضع المتدهور فى العراق، إن رغبة نظام أوباما فى إسقاط نظام بشار الأسد فى سوريا جعلها تتغاضى عن نشاط منظمات إرهابية داخل سوريا، من بينها داعش، التى كانت قد وسعت عملياتها هناك بحيث أقامت لنفسها ما وصفته هذه الدراسات، “قاعدة آمنة” لها فى سوريا بدأت تخطط منها لمد عملياتها بنفس الطريقة إلى داخل العراق، وهو ما حدث فى هجومها الذى بدأته بمدينة الموصل، مستغلة غضب العراقيين عموما ضد الحكم القائم فى العراق والذى تؤيده أمريكا. إن داعش التى يقودها اليوم أبو بكر البغدادى، الذى كان مجرد فلاح بسيط فى مجتمعه، قد وجد فى النشاط الإرهابى ومناداته باسم الأمير أو القائد شيئا يعطيه إحساسا مفتقدا بأهميته التى لم تكن متاحة له فى أى مجال آخر. وبعد تزايد نشاط تنظيمه فى سوريا بدأ يحاول التخلص من تبعيته لتنظيم القاعدة ويحول منظمته إلى القاعدة الرئيسية للإرهاب فى المنطقة العربية، وهو يمثل عنصرا جديدا للنشاط الإرهابى يهدد المنطقة كلها، ويحتاج هذا الوضع الشائك إلى موقف مشترك ومنسق بين جميع الدول العربية للقضاء على هذا الوباء الدموى، الذى تجرد من أى قيم دينية أو أخلاقية أو إنسانية.