هنا العكرشة، ملتقي الثالوث المزعج للفقر والجهل والمرض. هنا عرف الناس معني الذل والعوذ والاحتياج والعيش قهراً بحثاً عن لقمة العيش في مصانع تدوير القمامة واعادة انتاج نفايات المستشفيات من أقطان العمليات الجراحية والسرنجات لتصبح أقطاناً للمراتب وأكياس البلاستيك وعلب الكشري وسائر الاحتياجات للرجال والسيدات. لا تعليق! هنا تحمل العمال البسطاء حرارة الطقس وحرارة انصهار حديد المسابك وانفجار فرن كهرباء بقوة واحد ميجا وات كاد أن يودي بحياة عشرات العمال، لولا تدخل القدر وحده أو قل عناية السماء لانقاذ هؤلاء الفقراء الذين يعملون بلا تأمينات أو ضمانات وبالتالي بلا معاشات، طبعا بالرغم من الكهرباء والطاقة المدعومة للرأسمالية غير المسئولة عن الطبقة الكادحة المطحونة. لكن الزائر للعكرشة لا ينبغي أبداً أن يفوته وصف مشهد القبح الذي يبدأ من مدخل المدينة حيث مصرف العكرشة مستنقع الأوبئة الذي أزكمت رائحته الأنوف وامتد في استقامة ودون أدني اعوجاج من أبي زعبل الي القلج، يحسبه الغرباء عن العكرشة طريقا ممهدة للسير عليه بعرباتهم، سيما وأن سطحه قد غطته مخلفات المصانع الحق في الحياة مكفول للجميع والعدل في الميزان صفة جليلة من صفات الرحمن أورثها المستخلفين المسئولين كل في موقعه عن قضاء حوائج الناس. فكلنا نعلم أن المشكلة ليست وليدة اليوم أو الصدفة وأنها ميراث اهمال أنظمة قديمة وحكومات متعاقبة، فمن اتخذ قرارا بنقل المسابك كان ينبغي عليه أن يوفر أبسط متطلبات المجمتع العمراني من مياه نظيفة وكهرباء وصرف صحي. الكهرباء مهربة للمصانع، أما الفقراء فعندما أبلغوا عن عطل انقطاع التيار الكهربائي، تسبب المصلحون للتيار في كسر ماسورة المياه التي اختلطت بالصرف الصحي والصورة التي بين أيدينا خير شاهد. المهمشون والمعدمون تضاءلت أحلامهم ومتطلباتهم في الحياة الي مجرد كوب ماء نظيف وصرف صحي بدلا من الطرنشات، وعربة اسعاف ومستشفي ومدرسة ابتدائي وردم مصرف عكرشة «مستنقع الأوبئة»..ونقطة اطفاء للحرائق.. وكذلك نقطة شرطة صغيرة في تلك القرية التي أصبحت وكراً للصوص والهاربين من السجون والمسجلين الخطر والخارجين علي القانون.