عجب العجاب علي رأي المبدع صلاح جاهين، مبعث عجبي هو ما يحدث في امتحانات الثانوية العامة وتفاقم ظاهرة الغش وتسريب الامتحانات وعدم توقفها حتى بعد الكشف عنها في أول يوم، ورغم الإعلان عنها فهي مستمرة وحية ترزق رغم التحذيرات والإجراءات و العقوبات التي تصل للرسوب وإعادة السنة بأكملها. وللأمانة هذه الظاهرة ليست وليدة هذا العام فقط، بل كانت حاضرة في العامين الماضيين ولم يتمكن أحدا من وقف زحفها أو التصدي لها . وبقدر فزعي من تفاقم الظاهرة وجرأة الأبناء علي استخدام كل ما أتوا من أدوات وأساليب إلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتفاخرهم بهذا الفعل المشين مثل" غشاشون فدائيون" ، وحزني علي زملائهم الذين اجتهدوا وذاكروا وآمنوا بحديث رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم " من غشنا فليس منا" وهم الآن يشعرون بالقهر والظلم لمساواتهم بالغشاشين، بقدر ما أعتقد أننا نبحث بعيدا عن السبب الحقيقي لهذه الظاهرة. فليرجع كل منا إلي الوراء قليلا ويتذكر حاله عندما كان طالبا في الثانوية العامة ويستعيد مشاعر الخوف والرهبة التي كان تملأ منزله من أول يوم في هذه السنة التي كنا نطلق عليها " عنق الزجاجة"، وكيف كانت الأسرة تقتص من ميزانيتها المحدودة رغما عنها للدروس الخصوصية. في نظري رعب هذه السنة المصيرية الذي يسيطر علي وجدان الطلاب وأسرهم ، قد يدفع البعض إلي ارتكاب أي شيء في سبيل العبور الآمن من هذه الزجاجة اللعينة مهما تطلب الأمر التضحية بالأخلاق وارتكاب تجاوزات يجرمها القانون، لدرجة تجعل الطالب يشعر وكأنه في مهمة انتحارية " يكون أو لا يكون" ، فالمعضلة في هذه السنة ليست الحصول علي درجة النجاح فحسب بل عليه أن يقاتل للحصول علي أعلي الدرجات حتي يجد له موضع قدم في إحدي الكليات الكبرى التي يحلم بها أهله أو هو شخصيا ! إذن الترهيب وإشاعة الرعب في نفوس الطلاب وذويهم يوفر تربة خصبة لأي تجاوز أو اختراق أو تسريبات !! وليس هذا فحسب، فهناك فرضية أخري وقد أكون مخطئة في اعتقادي ، وهي أن واضعي الامتحانات أنفسهم يتباهون بين أقرانهم بوضع امتحانات تعجيزية صعبة المنال ويتفاخرون بدموع الطلاب وحزن أهلهم بعد الخروج من اللجان، ولهؤلاء أقول : " ارحموا هذه الزهور البريئة وأطلقوا العنان لأحلامهم ولا تساهموا في تحطيمها علي صخرة الثانوية العامة"! لقد آن الأوان لتبني سياسية جديدة لوضع الامتحانات تقيس ما فهمه الطالب واستوعبه وليس ما حفظه ، امتحان يركز علي الأساسيات الواجبة قياسها وتقييمها ، تلك الأساسيات التي سترسخ في أذهان الأبناء ولن ترحل عنهم بمجرد تفريغ المعلومات المحفوظة في ورقة الإجابة. الامتحان غير التعجيزي حق من حقوق الطلاب ، وطلب مشروع وتؤمن به كل البلدان التي تحترم العلم وتعي جيدا دوره في بناء المجتمعات وتقدم الأمم. وحتى نصل لهذه الغاية النبيلة، علينا إحداث ثورة حقيقية في المناهج التعليمية بمعني الكلمة، وهذه الثورة لن تؤت ثمارها إلا إذا أجابنا علي سؤال في غاية الأهمية : " هل نريد حقا إعداد أجيال واعية مستنيرة مبدعة أو نريد أجيال من الببغاوات التي تردد ما سمعت وحفظت بلا فهم أو وعي؟؟!! أيها السادة لقد حان الوقت لتعترفوا أنكم تحصدون نتيجة ما زرعتم من مناهج عتيقة تصيب بالتخلف، وتدني مستوي للمدرسين بسبب أحوالهم الاقتصادية التي تدفعهم إلي المتاجرة بالعلم في سوق الدروس الخصوصية، إن أردتم فعلا التصدي لظاهرة الغش عليكم البدء بإصلاحات حقيقية من الداخل بدلا من التفكير في زيادة العقوبات ووضع كاميرات مراقبة قد تكلف ميزانية التعليم المهترئة الكثير والكثير ، ولن تجدي ولن تضع حدا للظاهرة ! هؤلاء الأبناء هم رأس المال الحقيقي لهذا البلد ومستقبله علينا العمل علي استثماره وتطويره واكتشاف تميزهم وليس إرهابهم وتدمير أحلامهم !! لمزيد من مقالات علا حمدى