بينما يحاول الجميع أن يستشرف القادم على مصر ويحاول البعض دفعه وتطويعه ليكون أقرب ما يكون لمصالحه وطموحاته، يتوقف المراقب أمام تطور في الساحة السياسية المصرية حين وجدنا معارضين مثّلوا أرقاما لا يستهان بها على مدي أربعين عاما قرروا فجأة التخلي عن هذا الدور، ودعم مرشح رئاسي محسوب على مؤسسات الدولة. أتحدث عن عدد من الأسماء كانت دوما من ركائز معسكر المعارضة مثل شاهندة مقلد، فريدة الشوباشي، عبد الحليم قنديل وإبراهيم عيسى، شاغب بعضها عبد الناصر وعارض آخرون السادات فتم اعتقالهم وإطلاق يد المتطرفين الإسلاميين ضدهم، وعارضوا مبارك فتم التضييق عليهم في الأرزاق وشن حملات تشويه ضدهم. مواقف الشخصيات ذاتها من المجلس العسكري بقيادة طنطاوي وحكم الإخوان لم تخرج عن خط المعارضة القوية..وتفسيري لهذا التحول والتأييد الصريح والمباشر دون تحفظ على مرشح قادم من مؤسسات الدولة، أنهم استشعروا أن الدولة وأركانها في خطر حقيقي. المعارضة الوطنية لاحظت أنه حان الوقت لتشارك في التصدي لكل من يخدم مصالح الأعداء عن وعي (وهذا خطير) أو عن جهل (وهذا أخطر). فقررت شخصيات مشهود لها بالسعي طوال الوقت للتنوير من أجل التغيير، أن توقف حملات الانتقاد والمعارضة للسياسات حتى انتهاء الحرب. وربما من حيثيات انضمام عتاة المعارضين لصفوف الموالاة أنهم ادركوا أن الحكومة وقيادة المرحلة الانتقالية، ومرشح الدولة لم يقوموا بعد بارتكاب ما يتوجب معارضته..وأن «المعارضة السداح مداح» مرفوضة شعبيا، وسيكون لها نتائج وخيمة على الجميع. إذا ما تحدثنا عن معارضة محتملة فلا يمكن أن نتجاهل حزب «النور» والتخوفات من أن يعيد انتاج نظام الإخوان أو أن يوفر لهم عباءة هي بالأحرى «طوق نجاة» لمؤامرات لفظها الشعب بتضحيات مريرة تم تتويجها بنجاح ثورة 30 يونيو، حزب النور الذي يتميز عن غيره بامتلاك قاعدة مؤيدين ثابتة غيّر تكتيكه المرة تلو المرة، وناور واندمج بسرعة وفعالية في الساحة السياسية التي كان يقاطعها قبل وخلال ثورة يناير. و هو بالفعل حزب له قدرة على الفرز اتاحت له اتخاذ قرارات سليمة متروية.. إن لم تسفر عن انتصارات ومكاسب عظيمة فقد نجحت في تقليل خسائر الحزب، وعلى هذا من غير المستبعد أن يكون الحزب في قلب المعارضة في الفترة القادمة ساعيا لثورة برلمانية تتيح له الحصول علي أغلبية تسيطر على التشريع والسلطة التنفيذية بما يشل حركة الرئيس القادم. آليه اتخاذ القرارات في حزب النور، والمعايير التي يقرر بها التحالف مع طرف ومعارضة طرف آخر يمكن ملاحظتها في انتخابات الرئاسة 2012، حيث قرر المفاضلة بين المرشحين الإسلاميين من وجهة نظره (ابو الفتوح والعوا وأبو إسماعيل، ومرسي). وفي النهاية استقروا على المرشح الأوفر حظا من خلال تحالف شامل مع الإخوان. هذه المرة كان الاختيار أسهل فاختار «النور» الأوفر حظا والشخصية الأكثر شعبية وتأثيرا في جبهة 30 يونيو التي شاركوا فيها بالتضامن. وسيشكل «النور» لو سار على نفس المنوال على الأرض جزءا لا يستهان به من المعادلة، مادامت بقت قيادات الأحزاب الليبرالية المؤيدة لمدنية الدولة قابعة في المكاتب والاستوديوهات . علاقة المعارضة بالفوضويين علاقة استفادة مباشرة في جميع الأحوال فلو تمادي الفوضويون في غيهم فرادى فستُقدم المعارضة -وفي القلب منها «النور»- نفسها للناخبين باعتبار أنهم ساسة مسالمون معتدلون، وقد تقرر المعارضة أو جزء منها التحالف السري مع فوضويين يريدون تدمير كل شيء وكأنها لعبة أدمنوها..ولا يقدمون بديلا أو حلا سوى الانتقاد من أجل الانتقاد. المعارضون الجدد علاقتهم بالمعارضة علاقة وهمية وكثيرا ما يتورطون في العنف ويجدون في مقاومة السلطات وهيئات إنفاذ القانون، بل القضاء نفسه «لعبة مريحة» يجب ممارستها يوميا لعل وعسى تحدث ذات مرة هبة تضامنية من شرائح غاضبة أو مهمشة..وهي أحلام أقرب للأوهام. والمعارضة الجديدة في الواقع لا تقدم سوى معارضة قديمة ك»الضرب القديم» في الأفلام السينمائية، «مفتعل»، معارضة تصر على أن «يخطف 15 متظاهرا الشارع» وقتما شاءوا ولتذهب مصالح الجميع للجحيم ..رافضة لقانون «تنظيم التظاهر»، ورافضين حتى المناداة بتعديل بعض بنوده. لذا قررت المعارضة الوطنية المشاركة في مواجهتها والتصدي لها، إن كان التخوف الأساسي في المرحلة القادمة هو تبدل مواقف حزب «النور» لكي يحتل مواقع قوى أخرى تورطت في الإرهاب وقرر الشعب عزلهم اجتماعيا وليس سياسيا فقط. لا تريد المعارضة أن تستوعب دورها الجديد المتمثل في توفير بديل حقيقي للسلطة القائمة، ولا تريد ان تستوعب حقيقة أن مصر بعد ثورتين تتوقع من الجميع أداء مختلفا يتماشى مع الأفق المفتوح وتأثير الشارع في المعادلة التي كانت مغلقة على الرئيس وحزبه ورضا أمريكا. السؤال الذي يطرح نفسه وسيبلور الخريطة الجديدة للمعارضة إلى حد بعيد هو: هل سيترك المرشح الأوفر حظا منذ اللحظة الأولى «عبد الفتاح السيسي» الساحة دون تيار سياسي يدعمه برلمانيا؟ في مقابل أحزاب للنخبة ذات تأثير محدود لن يكون لتأييدها أو معارضتها أثر ملموس. أم سيتحسب في خطته المستقبلية لهذه الخطوة ويجهز لها الصيغة المناسبة من الآن؟ لمزيد من مقالات د. احمد فؤاد انور