ما الذى يمكن أن نفعله لنصنع ثورة على قدر أحلامنا التى لامست السماء ، ثم هوت تحت اقدام المستبدين الجدد¡ نعم كان الفرح طاغيا بسقوط الاستبداد فى مصر، وتونس، وليبيا ،واليمن ،لكننا فوجئنا بأن سعادتنا تشبهنا حين نضحك كثيرا ، فنقول:«خير اللهم ما اجعله خير»نذيرا بشر سوف يأتى ، وقد كان¡ فبعد الفرح بثورات الربيع العربى ،استيقظنا على كابوس شديد الوطأة من الحكم الجاهل المستبد ، يؤكد مقولة أن شعوبنا خلقت للاستبداد ،ولا يصلح لها الا البطش .ورغم انها مقولة يرفضها العقل والمنطق فإن واقعنا التعس يؤكدها بما يرجح منطق الطغاة ان كان لأى منهم عقل او منطق !. الشاهد ان تربة الاستبداد عندنا ممهدة تماما ، وان الامر لا يكلف حاكمنا كثيرا ليسوقنا الى حظيرة الاستبداد .انه فقط يحتاج سلسلة اكاذيب تأخذ بخناقنا ، وكلما تكشفت واحدة اتبعها بأخرى ،فننام ونصحو على الكذب حتى اصبح للاكاذيب عندنا دولة وسلطان ، واصبحت نظرية جوبلز وزير دعاية هتلر «اكذب واكذب حتى يصدقك الناس « هى السنة الجديدة لكل طاغية. فالرئيس يكذب ، والوزير ، وعضو البرلمان ، وذو اللحية ،فالكذب لم يعد يذهب بصاحبه الى النار وانما الى كرسى الرئاسة والوزارة والبرلمان . واول من ادرك سحر الكذب فى الوصول الى الحكم، كان معاوية بن ابى سفيان ،ومنذ ذلك اليوم البعيد فى تاريخنا الاسلامى ،أدرك حكامنا المستبدون سحر الكذب فى الوصول الى الحكم . فمعاوية بدأ صراعه مع الامام على بن ابى طالب بكذبة المطالبة بقتلة عثمان ، وعندما اشرف على الهزيمة فى معركة صفين، جاءت كذبة رفع المصاحف على اسنة الرماح .ولم يتوقف كذب معاوية طوال فترة حكمه ، فقبل ان يستقر له الأمر كان يقول للمعارضين فى الكوفة وغيرها :اكتب ما شئت فهو لك ،ولكن بعد ان بايعه الناس بالخلافة وغادر الحسن بن على الكوفه (شيعة ابيه) خطب معاوية قائلا :كل ما أخذته من عهود ووعود موضوع تحت قدمى . انه شئ يذكرك بوعود الدكتور محمد مرسى للثوار فى «فندق فرمونت» بعد ان استعرت المنافسة بينه وبين الفريق احمد شفيق فى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة ،حيث وعدهم باعادة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور ،وعمل دستور توافقى ..الخ .لكنه بعد ان اصبح رئيسا ضرب بكل شئ عرض الحائط ومشى فى طريق الاستبداد بخطى المدرك لموضع قدمه ، حتى وان اظهر للناس الوجه الساذج الطيب ، ليبدوا غير واع بما يفعل ،فنضحك ونسخر بينما هو ماض فى طريقه لا يتغير قيد أنمله، وللأسف صدق كثير منا سذاجته، ولكنهم لم يصدقوا اكاذيبه ابدا . الغريب ان معاوية بعد ان اصبح خليفة لم يطالب بقتلة عثمان (الامر مجرد كذبة)وحدث ان دخل بيت عثمان بن عفان، فلما رأته عائشة بنت عثمان ، صرخت و»اابتاه»تحثه على الثأر لمقتل أبيها ، فقال لها :لإن تكونى بنت عم أمير المؤمين خير لك من ان تكونى امرأة من عامة المسلمين .نعم انها السلطة والحكم ولا شئ اخر .واصبح قميص عثمان الذى رفعه معاوية على منبر دمشق أكبر كذبة فى تاريخنا، ويضرب به المثل لمن يرفع راية ، ليجمع الناس حوله بينما هو فى الحقيقة يريد شئ اخر تماما . استمر الخلفاء بعد معاوية على سنته فى الكذب ،فعبد الملك بن مروان يقول للناس على المنبر :والله لا يأمرنى احد بتقوى الله الا ضربت عنقه. كما لم يتورع الخليفة ابو جعفر المنصور على الكذب فى عرفه ،فخطب وقال للناس :انما انا سلطان الله فى ارضه اسوسكم بتوفيقه ورشده ،وخازنه على فيئه ،اعطيه باذنه ،فسألوه ان يعطيكم من فضله ،ويسددنى الرشاد ،ويلهمنى الرأفة بكم .وبذلك احال كل شئ الى ربه ومن يريد شيئا فليسال الله ..اما هو كخليفة فلا يسأله احد شيئا .ولكن عندماجاءه الشاعر (بن هرٌمه)ومدحه عطل له حدا من حدود الله بحيلة شيطانية .فقد طلب الشاعر بن هرمه من الخليفة ان يكتب لعامله فى المدينة ان لا يقيم عليه الحد اذا وجده سكرانا ..فقال المنصور :لا اعطل حدا من حدود الله ..فقال الشاعر :احتال لى .فكتب الخليفة المنصور لعامله:من اتاك بابن هرمه سكران فاجلده مائة جلده ،واجلد بن هرمه ثمانين! يا لبراعة الشيطان . كان حكم الخلفاء يقوم على الكذب والغدر والخيانة ،وكان قتل المعارضين وتعذيبهم قدرا على الجميع، لا فرق بين حفيدى الرسول ( الحسن والحسين ) او احفاد الصحابة كما حدث فى واقعةالحرة الشهيرة التى تم فيها فض بكارة الف فتاة من بنات المدينةالمنورة. كما لم ينج من التعذيب كبار العلماء والفقهاء ، فوالى المدينة للخليفة عبد الملك بن مروان يضرب الفقيه سعيد بن المسيب 50 سوطا، ويجعل الرعاع يطوفون به اسواق المدينة لانه رفض البيعة للوليد وسليمان اولاد الخليفة عبد الملك .ولما علم الخليفة بذلك لم يعجبه هذا التعذيب ،وقال قبح الله والينا كان ينبغى ان يدعوه للبيعة وان أبى ضرب عنقه!. والامام ابو حنيفة حين رفض ان يتولى القضاء للخليفة المنصور ،سجنه وجلده ومات من اثر السجن والتعذيب. والامام مالك عندما افتى بأن بيعة المكره لا تجوز ،امر ابو جعفر المنصور بتعذيبه، فجردوه من ثيابه ، وربطوه من رجليه بالحبال، وضربوه ثمانين سوطا حتى تركوه مغما عليه . والخليفة المأمون عذب الفقيه احمد بن حنبل فى مسألة فلسفية ،هى مسألة خلق القرآن .جلس امير المؤمنين بنفسه يمتحن فقيه الامه وعندما ثبت بن حنبل على موقفه المعارض للخليفة امر الجلاد فضربه بالسياط وظل يعذبه كل يوم حتى يغمى عليه ولم ينقذه من الجلاد الا موت الخليفة نفسه . تعذيب وقتل المعارضين يبين طريقة حكم الخلفاء الامويين والعباسيين عندما كانت الخلافة قوية، وحكامها جبارون يسوقون الناس بالسيف ،لكن عندما ضعفت الخلافة وغرقت فى خلاعة الغلمان والحوارى ،اصبح امرها بيد الفرس والترك ، يولون الخلفاء ويعزلونهم سواء بالقتل، او السحل، او سمل العيون، او حتى عصر المخاصى .فالخليفة المتوكل كانت لديه اربعة الاف جارية ، وقد قتله غلامه التركى بعد ان شقه بالسيف، وظلت جثته ملقاه حتى استقر الامر لابنه المستنصر، الذى كان مشاركا فى مؤامرة قتل والده . ولم يستمر المستنصر فى الخلافة اكثر من عام ،فالاتراك اوعزوا لطبيبه فقتله بمشرط مسموم ،وولوا مكانه المستعين بالله .والخليفة المعتز بالله اخرجه الاتراك من السجن، وعينوه خليفة، وعندما غضبوا عليه جروه من رجليه، واقاموه فى الشمس وهم يضربونه على وجهه ليخلع نفسه ،ومنعوا عنه الماء حتى مات عطشا . وعندما حاول الخليفة المهتدى بالله ان يستقل بالخلافة عن الاتراك ،حاربوه، وقبضوا عليه، وعصروا خصيتيه حتى مات .والخليفة القادر بالله خلعوه، وسملوا عينيه بمسمار محمى ،حتى سالت على خديه ثم سجنوه لمدة عشر سنوات ،وخرج من السجن ووقف بجامع المنصور يتسول من المصلين! ظلت الخلافة العباسية على هذا الوضع من التردى والضعف ،غارقة فى مؤمرات الاتراك، والفرس، والجوارى، والغلمان، وسيدات القصر، ورجاله حتى سقطت نهائيا، رفسا بالنعال على ايدى التتار ايام الخليفة المستعصم عام 656هجرية. هذا هو تاريخنا مع الخلافة ،فطوال 1400سنة لم ننعم بحكم عادل رشيد الا 14 عاما فقط .هى حكم ابوبكر الصديق (عامان)، وعمر بن الخطاب( 10سنوات)، وعمر بن عبد العزيز (عامان).وكانت خلافة عثمان بن عفان رغم مكانته الجليلة فى الاسلام هى التى فتحت على الامة ابواب الفتنة ،كما أن الصراع بين على ومعاوية حرم دولة الامام من الاستقرار، واسلمها الى حروب وفتن ، اودت بحياة الامام نفسه.فلماذا يريدون ان يعودوا بنا الى حكم الخلافة ؟ انهم بالتأكيد لا يريدون عدل عمر بن الخطاب ولا يقدرون عليه! ،لكنهم بالتأكيد يريدون ان يعود عصر الجوارى والحريم ، فيرفل الخليفة وعشيرته فى عالم النساء ، حيث الفتوحات سهلة ناعمة ،وما يراق فيها من دماء يكون دليل فحولة الخليفة التى هى اهم من تقدم الامة ومن حقوق المواطن التى تتحدث عنها أدبيات الدولة الحديثة، واهم من الدستور واحترام القانون ! . ودولة الخلافة هى دولة الخليفة وحاشيته ، بينما الدولة الحديثة هى دولة القانون، والدستور، وحقوق الانسان ..فبالله عليك ..لو كنت مستبدا ومريضا فأى دولة ستختار ؟ اعلن اننى كمستبد وطاغية وظالم لا اختار بدولة الخلافة بديلا ابدا..وهذا إقرار منى بذلك !!