والمستوى الثالث من الاتهامات الموجهة لعثمان (رضى الله عنه): هى أقوال مرسلة لم تثبت سندا و لامتنا، 7 فعن زعمهم أن عثمان ضرب أحدا بالعصا فهو إثم مبين، فالثابت أن عثمان تولى الخلافة، وهو يناهز ال70 عاما ومثل هذا العمر يحتاج العصا إذا امسكها ليتوكأ عليها لا ليضرب بها، فإذا أضفنا أن طبيعة الرجل أنه بالغ الحياء فزعموا أن ضرب عمار بن ياسر افتراء واضح، فكيف عاش عمار بعد ذلك، وكيف أصبح مندوبا لعثمان (رضى الله عنه) فى استطلاع أحوال الرعية فى مصر؟
8 وما ذكروه عن كسره لأضلاع ابن مسعود كذب وافتراء، وكل ما حدث أن ابن مسعود (رضى الله عنه) أراد الاحتفاظ بالصحف التى دون فيها بعض القرآن، فلما عزم عثمان ووافقه كبار فقهاء الصحابة على اتخاذ «مصحف إمام» أمر بإحراق وغسل كل الأوراق والصحف، وأصر على أن يلتزم ابن مسعود كغيره بالتزام «المصحف الإمام» فأنظر كيف حولوا عزيمة الخليفة على حق ينفع الأمة فجعلوه ضربا وكسرا للأضلاع، فأين الصحابة كلهم إذا فعل عثمان ذلك؟!
9 كذلك فزعمهم أنه أعاد الحَكم إلى المدينة، وكان رسول الله قد نفاه، فتلك أقوال مرسلة لم ترد فى صحيح الأخبار، بل وردت عند الكذابين، فالمشهور أن الحَكم من الطلقاء، والطلقاء كانوا يسكنون مكة ولم يعُرف لهم إقامة فى المدينة
10 زعمهم أنه قد أعطى مروان خمس أفريقيا فهو اختلاق، فالذى فتح أفريقيا هو عبدالله بن أبى سرح، وقد تم الفتح.
والمستوى الرابع من الاتهامات الموجهة إلى عثمان هى أحداث وقعت بالفعل، لكنها ليست أخطاء بل اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ،
11 ومن ذلك تجديده ولاية معاوية على الشام ومعاوية قد تولى بأمر عمر بل إنه مارس بعض الولايات لأبى بكر
12 كما أن وصف عبدالله بن عامر، والوليد بن عقبة ومروان بأنهم أقارب عثمان اتهام مضحك فهؤلاء أقارب لعثمان كما أنهم اقارب لبنى هاشم، وقد كلفهم عثمان حينما اختار كثير من الصحابة السياحة والسفر إلى البلاد المفتوحة، فمن أين يأت الخليفة بقيادات ذات كفاءة فضلا على معرفته بها فى ذلك الزمن؟
13 أما إخراجه أباذر من المدينة، فالرجل (رضى الله عنه) اختار أسلوب حياة خاصا به عماده الزهد والتقشف وهذا حق خالص لأبى ذر، لكن هذا الحق لا يتيح لصاحبه أن ينغص حياة الناس الذين اختاروا أسلوبا غير التقشف، فالنفوس البشرية حرة فى اختيار أسلوب حياتها ما لم ترتكب إثما أو حراما، فلما ضج الناس من ضغط أبى ذر وعاتبه عثمان وبين له حقيقة فقه الدعوة اختار أبوذر أن يغادر العاصمة، فلماذا هذا الكذب على الحقيقة والزعم أن عثمان نفاه؟
14 ومن المضحكات أيضا تهمة عثمان بأنه أتم الصلاة الرباعية فى «منى» فهل اتمام المسافر لصلاته خصوصا إذا كان له بيت فى الحرم يعتبر خطأ؟ ولنفرض أنه خطأ فهل جزاء الخطأ العزل أو القتل؟
15 وأخيرا فإن وجود كتاب مختوم بختم الخليفة مع أحد موظفى الدولة يأمر فيه بقتل زعماء المتمردين فهو لا شك جريمة لا تغتفر، لكن جماهير أهل المدينة قد تحققوا من أن عثمان لم يفعل ذلك بل تم تدبير هذا الفعل من وراء ظهر الخليفة، وأيا كان الأمر فهذه جريمة شرعية يتحمل عثمان مسؤليتها، وما دام قد ثبتت براءته من الفعل، فجزاؤه بين الاستقالة أو العزل نظرا لعدم احكامه (رضى الله عنه) لشئون الإدارة لدرجة استعمال خاتمه الرسمى فى جريمة دون علمه.