أزمتنا أزمة ضمير.. فالسياسي الذي لا يصدق، والمدرس الذي لا يُدرس، والطبيب الذي لا يُطبب، والصحفي الذي لا ينقل الحقيقة، والموظف الذي يرتشي، وغيرهم.. جزء كبير من مشكلتهم ينبع من انعدام الضمير. فالضمير الحي هو الشرطي الذي يلازمك، والحكمة الإلهية التي تراقبك، والتصحيح الذاتي الذي يقومك، والصوت الذي يهتف بك في كل لحظة: أعلى صواب أنت أم على خطأ؟. قال تعالى: "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ". (الحديد:4). قال العلماء إن الضمير هو أداة تقويم مرتبطة بالأنا العليا في الإنسان. وأضافوا: إنه تلك القوة الروحية التي تحكم مواقف الإنسان، فتجعله يميز الخطأ من الصواب. والضمير هبة الله تعالى للإنسان، يدله من خلاله على ما فيه خيره أو شره. قال تعالى: "وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة".(القيامة:2). وقال: "يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة".(الفجر:27). وقال: "بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15).(القيامة).. وجاء في القرآن: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيم".(يوسف: 53). في اللغة: يعني "الضَّمِيرُ" ما تُضمِرُه في نفسك، ويصعُب الوقوفُ عليه، وأنه: استعدادٌ نفسي لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار، واستحسان الحسن، واستقباح القبيح منها. أما الضَّمير المِهنيّ فهو ما يبديه الإنسانُ من استقامة وعناية في قيامه بواجبات مهنته. قال رسول الله :" البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس". والضمير السليم يتحرك في الوقت المناسب.. إذ ما الفائدة من ندم قابيل بعد أن قتل هابيل.."فأصبح من النادمين". وتأنيب الضمير يعني تصحيح الموقف، ولو على نفسك.. وقد ربى الرسول أصحابه على ذلك.. كما جاء في قول كل من: ماعز والغامدية للرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إني زنيت فطهرني"! وفي المقابل حدثنا القرآن عن أصحاب ضمائر ميتة، أعطاهم الله حدائق ذات بهجة، فأضمروا منع حقوق الفقراء، إذ قالوا: "ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين".. فكان ما كان من خراب المزروعات، وتحولها إلى "هشيم"، وبكائهم مصبحين، وندمهم متأخرين! ومهما امتلكت أمة من تقدم فإن العاصم الحقيقي لها هو في الضمير اليقظ.. وانظر إلى ما حدث في إحدى الولاياتالأمريكية من نهب وسلب بمجرد أن انقطع التيار الكهربائي ساعة من الليل! كما أن قصة عمر مع إبنة بائعة اللبن مشهورة، إذ طلبت الأم منها أن تخلط اللبن بالماء، قائلة إن عمر لا يراهما، لكن البنت قالت: "إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا". وهكذا، نحتاج إلى تربية الضمائر في أنفسنا، وبيوتنا، وحركاتنا ، وسكناتنا، كافةً.. نحتاج إلى الاستثمار في بناء الضمائر الحية، فعليها تقوم الأمم الناهضة.. بأن يبدأ كل منا بنفسه، وأن يكون قدوة لغيره.. "فمن استقامت به نفسه، استقام به غيره"، كما قال الصوفية. وأسوأ شيء أن تُصاب الأمة بالعطب والبوار في ضمائر أبنائها.. فيكون من بينهم أصحاب الضمائر الميتة، والقاسية، والخربة، والمعطلة، والمجمدة، والغافلة، والنائمة، والعابثة.. إلخ. ويتعب المرء في تهذيب ضميره، والاستجابة له.. لكنه يظفر في النهاية ب"راحة الضمير"، و"إصلاح البال".. وإلا كان البديل: ضيقا، ومعيشة ضنكا.. وبالنسبة للأمة: شقاء، وانعداما للثقة، وغيابا لراحة البال. وطالع ما حولك من أزمات.. لو كان الضمير حاضرا بين الناس.. هل كنا سترى كل هذا الجحيم؟ وأصحاب الضمائر الحية هم أهل الآخرة، وأصحاب الجنة. أما أصحاب الضمائر الميتة فمصيرهم النار، إذ حدثنا الرسول عن امرأة دخلت النار في هِرة: "لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض". وتأنيب الضمير أمر مطلوب.. قال ابن مسروق الطوسي: "مَن رَاقَبَ اللهَ في خَطَرَاتِ قَلْبِهِ، عَصَمَهُ الله في حركات جوارحه". هكذ، نحتاج إلى الضمير الحي في كل شيء.. قال صلوات الله وسلامه عليه-: "اتق الله حيثما كنت". قال الشاعر: إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل: خلوت، ولكن قل : عليَّ رقيب.. ولا تحسبنَّ الله يغفل ساعة.. ولا أنَّ ما تخفيه عنه يغيب.
فاسمع صوت ضميرك، ولا تتردد في إتباعه.. فقد لا يمتد بك الأجل، وقد لا تستطيع إصلاح الخلل، ولا علاج الِعلل، ولا استدراك الأجل. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد