«السيسيمانيا» أقصد به حركات تصحيح لثورات الربيع يقودها الجيش على غرار ما قام به المشير السيسى بطلب وتفويض من الشعب وهو ما تحول إلى ظاهرة بزغت فى مصر وتتكرر موجاتها الآن فى ليبيا وفى الطريق عواصم أخرى, وربما تتشابه فى بعض فصولها مع ما حدث فى تايلاند حين تولى الجيش السلطة فى ظل تداعى شعبية السلطة المدنية المتهمة بالفساد لكن مع الفارق هنا فى تدنى التأييد الشعبى لتلك الحركة بالمقارنة مع الالتفاف الجماهيرى الضخم مع الجيش فى مصر وليبيا . والحقيقة أن المنطقة العربية أثبتت أنها نموذج يحتذى فى محاكاة حركة قطع «الدومينو», ففى الخمسينيات من القرن الماضى اجتاح معظم دول المنطقة النموذج العسكرى التعبوى للحكم تخلله فى السبعينيات تحول نحو الانفتاح الإقتصادى بعد حرب أكتوبر قبل أن تبدأ حقبة الفوران التى مهدت للتحولات الكبرى مع حروب الخليج المتتالية . ولم تنجح ثورات الربيع التى بدأت فى تونس فى تهدئة البركان العربى بل زادته اشتعالا حيث تشهد تلك البلدان موجات ثانية وثالثة لتلك الثورات, ولم تشأ مصر أن تبقى مجرد محطة من محطات الثورة، كما حدث فى 2011 بل انطلقت منها ثورة تصحيح للربيع العربى بالإطاحة بالفاشية الدينية التى فشلت فى إدارة الدولة وخضعت لحكم الجماعة التى تزلزل كيانها فى قواعدها المهمة فى المنطقة العربية وتركيا . مصر تخوض الآن انتفاضة كبرى لإعادة بناء دولة مدنية عصرية تنفض تراب التخلف والفوضى والإستبداد متقدمة بخطوات عن محيطها الإقليمى الذى لا تزال بعض أركانه تعانى ويلات ثورات ضلت طريقها بسبب الصراع على السلطة. ولم يكن أكثر المتشائمين بثورات الربيع يظن أن تقترب بلدانها من مصاف الدول الفاشلة, وهو كابوس يطارد سوريا وليبيا واليمن حيث ترزح تحت سيطرة مايسمى المؤتمرات الوطنية التى تقودها ميليشيات مدعومة من كيانات دينية متشددة. وإذا كان الله قد حفظ مصر بتماسك مؤسساتها رغم ثورتين وإيمان جيشها بعقيدته فهناك صعوبات تواجه مثلا تنفيذ خريطة طريق للمستقبل فى ليبيا بسبب تعقيدات جغرافية وديموجرافية وعدم وجود مؤسسات حكومية باقية باستثناء الجيش فضلا عن استفحال قوة الميليشيات المسلحة التى تقوم بحرب بالوكالة وتتلقى دعما ضخما من الخارج وهو ما يجعل النموذج المصرى الأفضل لتصحيح الثورات . لمزيد من مقالات شريف عابدين