مشكلة البطالة تجاوز عمرها الثلاثين عاما منذ آخر دفعة عينتها وزارة القوى العاملة ، وهى دفعة 1984 من خريجى الجامعات لتتخلى عن دورها فى تعيينهم وفقا للقانون الذى اختص كل وزارة أو جهة حكومية بإعلان احتياجاتها من العمالة وفق التخصصات الشاغرة.. أما وزارة القوى العاملة فقد اقتصر دورها على متابعة مشاكل "العاملين" بالفعل وليس تشغيل الباحثين عن عمل ، ولعل عودة هذه الوزارة الى دورها السابق تكون بداية لإنهاء مشكلة البطالة ، بجانب حلول أخرى اقترحها عدد من الخبراء والمتخصصين لتكون فى مقدمة الملفات التى يدرسها الفريق الرئاسى الجديد وليكون بعض هذه الحلول فى طليعة القرارات الرئاسية التى ينتظرها المواطنون من الرئيس عبدالفتاح السيسى وفق خطة زمنية تتوافق مع امكانيات الدولة ومواردها. على أقل تقدير، لدينا الان أكثر من ثلاثة ملايين شاب مصرى "محبط".. لانهم ببساطة " بلا عمل"، وبالتالى بلا "مستقبل"، وتحول حقهم فى الحصول على عمل الى " أمنية " أو "حلم". لا يمكن الجزم بعدد دقيق ومحدد للعدد العاطلين فى مصر، خاصة أن شرائح معينة كانت ضمن سوق العمل، انضمت الى صفوف البطالة عقب أحداث ثورة يناير وما ترتب عليها من خسائر اقتصادية فى مجالات عديدة على رأسها السياحة والمهن المرتبطة بها، او بسبب استبدال المصريين بأشقائهم السوريين لانخفاض اجورهم.. واذا كانت الارقام الرسمية تشير الى ارتفاع نسبة البطالة فى مصر من 12،7 % فى عام2012 ، الى 13،4% فى العام الحالي، فإن التقديرات غير الرسمية تحددها بضعف تلك النسبة، اى ما يتجاوز 25% من قوة العمل. المفارفة اللافتة للاهتمام هى أن عناوين الصحف اليومية لا تخلو من" التبشير" بتوفير الالاف من فرص العمل سواء فى مشاريع حكومية او شركات خاصة او حتى من خلال ملتقيات التوظيف، ومع ذلك فإن مؤشر البطالة فى ارتفاع مستمر.. فهل تكون تلك الفرص" وهمية" وتندرج تحت بند" كلام جرايد" ، ام أنها متاحة بالفعل لكنها لا تتناسب ومؤهلات الراغبين فى العمل؟! خالد الهوارى شاب عمره 28 عاما أسس حركة " لكل العاطلين" عقب تنحى الرئيس الاسبق مبارك، بعد أن جمع 14 الف توقيعا من شباب العاطلين فى ميدان التحرير، تتراوح أعمارهم بين العشرين والاربعين عاما، وتتباين مؤهلاتهم العلمية ما بين الدبلوم ودرجة الدكتوراه. تلخصت مطالبهم فى الحصول على حقهم فى العمل او منحهم بدل بطالة ،والغاء عرف تعيين أبناء العاملين، وسلموا مطاليهم تلك الى رؤساء الحكومات المتعاقبين بدءا من المهندس عصام شرف وحتى د. هشام قنديل، لم يتلقوا خلالها الا "الوعود الوردية"، ونظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات فى المحافظات المختلفة أمام مكاتب القوى العاملة الى أن أصابهم اليأس، وتوقفت الحركة منذ 30 يونيو الماضى لحين اجراء انتخابات رئاسية . يقول خالد :" المهندس عضام شرف طلب منا بيانات الاعضاء كاملة " الاسم –السن- المؤهل- نوع الوظيفة المطلوبة والخبرات السابقة " وقمنا بالفعل على مدى اسبوع كامل باستيفاء البيانات وسلمناها، ولم نتلق اى رد،ونفس الامر حدث مع الدكتور كمال الجنزوري. وفى عهد الرئيس مرسى قابلنا مدير مكتب الشكاوى بقصر الاتحادية وتكررت نفس الاجابة: اتركوا بياناتكم وسنقوم بالرد عليكم"! الوحيد الذى صارحنا بالحقيقة هو احد وزراء القوى العاملة السابقين حيث كشف لنا عن انه فى عام 1985 صدر قانون يجعل كل وزارة مسئولة عن تشغيل الخريجين كل حسب تخصصه، ولم تعد وزارة القوى العاملة هى المسئولة كما يعتقد الكثيرون ، فهى مسئولة فقط عن القوى التى تعمل بالفعل وليس التى لم تلتحق بسوق العمل بعد.. يتابع خالد :"من يتحدثون عن العدالة الاجتماعية لا يعنيهم سوى تحديد الحدين الادنى والاقصى للاجور، ونسوا تماما من لا يحصل على أجر من الاصل لانه بلا عمل، أما من يلومون الشباب لانتظارهم" الوظيفة الحكومية"، فلا يدركون مدى سوء ظروف العمل فى القطاع الخاص، بدءا من اجبار الشاب على توقيع استقالته قبل كتابة عقد العمل، او حتى التوقيع "على بياض" ولى صديق دخل السجن بسبب رغبته فى ترك العمل دون موافقة رئيسه ، وأحيانا لا يكون هناك مرتب ثابت بل يتم الاعتماد على "العمولات من الزبائن" وفى المقابل، على الشاب الالتزام بكل الواجبات . خالد الحاصل على بكالوريوس إعلام من احدى الجامعات الخاصة يحكى تجربته الشخصية فى بدء مشروعه الخاص بعدما فشل فى الالتحاق بعمل فى التليفزيون المصرى يقول:" تدربت فى التلفزيون أثناء الدراسة، وبعد التخرج قيل لى ان شخصا " بيعرف ربنا" سيساعدنى دون الحصول على "رشوة"، لكنه يقوم بتزويج ابنته ،وعلى فقط ان أجامله بأن أشترى له غرفة نوم او صالون! فكرت بعدها فى عمل مشروع "انترنت كافيه" وقدرت رأس المال المطلوب ب20 الف جنيه، وتوجهت الى الصندوق الاجتماعى للتنمية للحصول على قرض، ففوجئت بأن الموظف المختص يجتمع بحوالى 15 شاب دفعة واحدة ويسأل كل منا عن مشروعه ، ثم أخبرنى بأنه على ان أقدم عقد تمليك المحل او "الايجار"، حتى يقوم الصندوق باستخرج سجل تجارى وبطاقة ضريبية ومنحى القرض، فقمت فعلا بتأجير محل مقابل خمسة الاف جنيه بل واستخرجت بنفسى السجل والبطاقة مقابل ألف جنيه، وتوجهت للصندوق، فقال لى الموظف انهم سيرسلون أوراقى الى ستة بنوك، الى ان يتلقوا موافقة اى منها ، وحينها سيتصلون بي، وحتى الان لم يتصل بى احد! وكانت النتيجة انى دفعت ستة الاف جنيه بلا جدوى. نموذج أخر يمثله سامر عطية من محافظة المنيا والحاصل على ليسانس ألسن عام 2007. صحيح انه يعمل حاليا فى احدى شركات الاتصالات، الا أنه دائم التنقل من وظيفة لاخرى بسبب عدم التزام صاحب العمل بحقوق العاملين ، من كتابة عقد عمل ، والتأمين على موظفيه فضلا عن تدنى الاجر. سامر الذى ترك مؤخرا وظيفته كموظف استقبال فى احد فنادق محافظته ، كان قد تقدم من قبل- دون جدوى- لوظائف فى هيئة النيابة الادارية وشركة المطاحن والمحافظة والمحكمة، حيث اعلنت كل من تلك الجهات فى الصحف حاجتها لوظائف تشمل جميع المؤهلات.. ما يخيف سامر انه مع الوقت سيتم رفضه بسبب تقدمه فى السن وطلب حديثى التخرج، أما القطاع الخاص فيراه "مأساة" بكل المقاييس، ويكفى ان الاجر لا يكفى مصروفات شخص بمفرده دون أسرة، فالاجر لايزيد غالبا 750 جنيها فى الشهر، والعبارة المأثورة التى يسمعها هو أو أصدقاؤه عند الاعتراض " اللى مش عاجبه يمشي، فى غيره ألف". 700 الف شاب كل عام "لا يمكن الزعم بوجود فرص عمل فى ظل هذه النسبة المرتفعة من البطالة التى زادت بنسبة تجاوزت 4٪ منذ عام 2009 ولا يمكن تصديق ان هذه الاعداد الضخمة تجد فرص عمل ولا تعمل".. هكذا بدأ مجدى صبحى - الخبير الاقتصادى بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- حديثه، ويفسر تلك المفارقة بأن أصحاب تلك المشروعات لم يدرسوا السوق جيدا وتركيبة القوى العاملة الموجودة، وبالتالى ما يطلبونه من تخصصات غير متاح، لكن الامر المؤكد من وجهة نظره انه لا يوجد اى ربط بين مخرجات التعليم وسوق العمل، كما وصل الامر الان الى ان الشباب يفضل العمل فى مهن حرة كبائع متجول او سائق بدلا من العمل فى وظيفة ذات مرتب شهرى لان شروط العمل الثابت والتزاماته لا تتوافق مع حجم الدخل فى النهاية. سألنا الخبير الاقتصادي: هل الوعود بالقضاء على البطالة او تخفيف نسبتها قابلة للتحقق، فأجاب: فى حالة واحدة وهى ان يزيد معدل النمو الاقتصادى الى 7٪ على الاقل، وشرح السبب قائلا:" ينضم سنويا الى سوق العمل فى مصر حوالى 700 الف شاب، وكل زيادة بنسبة 1٪ فى معدل النمو يعادلها 100الف فرصة عمل تقريبا، أما لكى أمتص نسبة البطالة المتراكمة منذ سنوات طويلة وليس فقط الاعداد الحديثة ،فيجب ان يزيد معدل النمو الى 8 او 9٪ ،وهذا يعنى ان الدولة بحاجة الى استثمارات تقدر بما يتراوح بين 28 و 30 ٪ من الناتج المحلى ، لكن لابد أولا من دراسة خصائص سوق العمل بشكل جيد حتى يتم التعرف على نوع الاستثمارات المطلوبة". الفرص المتاحة غير مناسبة رفعت حسن- وزير القوى العاملة الاسبق- لا يختلف رأيه كثيرا عن رأى الخبير الاقتصادي، اذ يلخص جذور المشكلة فى الفجوة بين ما يحتاجه سوق العمل وما تنتجه الجامعات وبالتالى اهدار موارد الدولة دون عائد، فدارسو الحقوق والاداب والتاريخ لا مكان لهم فى سوق العمل ، وفى الوقت نفسه لا يقبل هؤلاء الخريجون العمل فى وظائف بعيدة عن مجالات دراستهم، كما انهم يفضلون بالاساس التعيين فى الحكومة التى تضم حاليا 7ملايين موظف ولا تحتمل المزيد، الامر الثالث كما يقول الوزير الاسبق ان القطاع الخاص "غير آمن" وظروف العمل به قاسية ، اذ لا يوجد احترام لعدد ساعات العمل والاجازات و التأمين على العاملين. ويكشف رفعت عن ان فرص العمل المتاحة حاليا والتي يتم توفيرها من خلال ملتقيات التوظيف سواء تلك التي تنظمها وزارة القوي العاملة او وزارة التجارة والصناعة، تنحصر في عمالة المطاعم وحياكة الملابس ووظائف الامن والحراسة ، ونادرا ما تتاح وظائف في مجالات المحاسبة او الهندسة او ما شابه ، وبالطبع نادرا ما يقبل الشباب بتلك الوظائف التي لا تتناسب و مؤهلاتهم العلمية ولا يلامون في ذلك، وبالتالي فإن الفرص المتاحة غير مناسبة فتظل نسبة البطالة كما هي.
القوى العاملة غير مسئولة وحول دور وزارة القوى العاملة فيما يخص التشغيل، فقد اقتصر كما يقول الوزير الاسبق على القيام بدور همزة الوصل بين الشباب الراغب فى العمل وبين اصحاب الاعمال فى القطاع الخاص، من خلال قاعدة بيانات فى الوزارة تضم اسماء طالبى العمل مصنفين وفقا لمؤهلاتهم ومواقعهم الجغرافية، اما التشغيل فى القطاع الحكومى فقد انتقل من عهدة "القوى العاملة" الى جهاز التنظيم والادارة منذ متنصف ثمانينيات القرن الماضي، ويتم فى حدود ضيقة ووفقا لتوافر الدرجات المالية، أما فيما يتعلق بدور الوزارة الرقابى على اصحاب العمل فى القطاع الخاص و مدى التزامهم بقانون العمل، فيقول رفعت ان الوزارة -من خلال مفتشيها- تقوم بالمرور على منشآت الاعمال بشكل دورى للتآكد من التزامها بالقانون، واذا تلقت شكاوى من احد العاملين تقوم بفحصها و حل المشكلة، لكن عدد المفتشين غير كاف ولا يسمح بمتابعة كل المنشآت.