معرض «نزهة العيون» الذى افتتحته السيدة كاميليا صبحى وكيل أول وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية والسفير التشيكىبالقاهرة السيد بافل كافكا فى قاعة دروب هو معرض خط عربى يختلف عن كل معارض الخط فى أن خطوطه محفورة على الكريستال التشيكى النقى وهو واحد من أفخر أنواع الكريستال فى العالم، ذهبت قبل الإفتتاح بيوم، دخل علينا فى قاعة العرض السيد عصام الحافظ وبصحبته أربع حقائب سفر كان من الواضح حرصه الشديد عليها، حتى أنه لم يسمح لأحد بنقلها ولا لمسها إلا تحت إشراف دقيق منه، عصام عراقى هاجر لتشيكوسلوفاكيا منذ عشرات السنين. تغير إسم الدولة ليصبح جمهورية التشيك ،وهو الذى ابتكر فكرة معرض «نزهة العيون»، فى الافتتاح أخبرنى كافكا أن أهم من صور مصر فوتوغرافيا منذ مائة عام كان مصورا تشيكيا، إسمه «لينرت» كان شريكا للندروك فى إستوديو تصوير يحتل مكانة هامة للغاية فى تاريخ التصوير. طالما استفسرت وسألت أساتذة اللغة العربية فى المدرسة: لماذا سمى «الخط» خطا؟ وما العلاقة بين خطى المشابه ل «نبش الفراخ» كما كانوا يسمونه بالخط المستقيم؟ ولماذا يحمل الإثنان نفس الاسم؟ بصراحة لم أسمع إجابة مرضية، ولكنى أخيرا فى صالة العرض وأنا أعجب بلوحات الخط المعروضة فى معرض مواز لتلك الدرر الكريستال، رأيت الإجابة. فكل نوع من اللغات له ما يميزه، والخط العربى يتميز بتلك الخطوط الأفقية التى تصل بين حروفه (بعكس الحروف اللاتينية المنفصلة)، وكذلك الخطوط الرأسية فى حروف «ا ك ل» وكلها يمكن مدها لمسافات طويلة وبزوايا ومنحنيات مختلفة. وهكذا وجدت مبررا لتسمية الخط العربى بالخط. وبالإضافة لذلك فإن فنانى الخط لا يلتزمون بالضرورة بترتيب الحروف فى الكلمات. وقد أقيم هذا المعرض سبعة مرات قبل ذلك منها مرة فى القاهرة منذ عامين، وللأسف لم أسمع به. وإن كان هذه المرة يقام خصيصا وضيف الشرف فيه هو الحاضر الغائب الراحل شيخ الخطاطين العراقيين «محمد سعيد الصكار» الذى ولد فى العراق وعاش فى باريس وكانت كنيته «صاحب الأبجدية» حيث إبتكر أبجدية مركزة (نستعملها جميعا كل يوم دون أن نعرف صاحبها) وهى التى سمحت بإدخال اللغة العربية فى أجهزة الكمبيوتر. ويقول الصكار عن الخط العربى «الخط العربى هو أصفى الفنون العربية وأكثرها نقاء، لكونه لم يتأثر بأى فن من فنون الأمم الأخرى كما تأثرت فنون وعلوم عربية غيره بحكم التبادل الحضارى بين الأمم، كالرياضيات والمنطق والفلسفة والموسيقى والعمارة وغيرها من منتجات الثقافة والفكر عموما، وذلك لأنه نشأ فى ظل الإسلام وبفضله، إذ لم يكن للعرب فنا للخط، وإنما كانت لهم كتابة بسيطة تخدم أغراضهم الحياتية، ولم تكن هذه الكتابة ذات مقاييس جمالية، بل كان الغرض منها إيصال رسالة واضحة للناس. وعندما جاءت مرحلة التدوين القرآنى إنبرى النساخون إلى تجويد خطوطهم إكراما للنص القرآنى، فتعددت أساليب الكتابة وتحسنت أشكال الحروف، وظهرت أنماط عديدة من هذا الفن الجديد الذى عرف بفن الخط العربى. هذه الأصالة، وهذا الصفاء والنقاء الذى لا تشوبه شائبة، يلتقى اليوم فى هذا المعرض بمنتج آخر مما وهبتنا الطبيعة وأبدع فيه الإنسان، هو مضرب المثل فى الصفاء والنقاء، الكريستال. الخط العربى والكريستال كلاهما نزهة للعيون» وترجع أقدم آثار الكريستال التشيكى (والمعروف عالميا باسم الكريستال البوهيمى) إلى نحو عام 1250، وهو وقت لم يكن معروفا فيه سواه وكريستال البندقية، ومر بخطوات عديدة من التطور تتلخص فى تميزمصنوعاته التاريخية بالزخارف القوطية التى لم تكن مستعملة فى زجاج فينيسيا؛ وقد إنبرى لهذا النوع من الزخارف الصعبة صناع المجوهرات الملكية، إذ لم يكن ممكنا إلا لأدوات صياغة الماس شديدة الصلادة أن تشكل هذا الحجر الكريم، مما ساعد على رفع قيمته وتقديره. وعلى مدى التاريخ انتقل عرش الكريستال بين لندن وفينيسيا والتشيك، حتى تأسست شركة مجوهرات نمساوية تستعمل كريستال بوهيميا كأساس امنتجاتها الشهيرة. وها نحن الآن نشاهد درة الفنون العربية مخطوطا على حجر بوهيمى كريم شديد الصفاء ليبدو وكأنه مكتوب على الماء.