نحن الرجال الجوف.. بالقش حشينا نميل معا.. وقد حشيت بالقش رؤوسنا شكل بلا قلب.. ظل بلا لون قوة مشلولة.. إشارة بلا حركة هذه أرض الموات.. هذه أرض الصبار. من قصيدة الرجال الجوف للشاعر الإنجليزي س.ت. إليوت لم تكن مذبحة بورسعيد مفاجأة, بقدر ما كانت المفاجأة في النفاق الذي تلذذنا جميعا بممارسته علانية علي شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد, بعد أن حدث ما حدث. أصحاب العلاقة المباشرة: محافظ بورسعيد ومدير الأمن ورئيس النادي المصري, خرجوا ليرددوا كلاما تافها عن المؤامرة والمخطط التدميري, بل قال أحدهم( كامل أبو علي رئيس النادي): إحنا انضحك علينا.. لم يكن هناك من تعامل برجولة حقيقية مع الموقف, كما لم يتحمل أحد المسئولية. قيادات الدولة والحكومة, تفاخرت قبل أيام أمام مجلس الشعب بأن الأمن عاد, فإذا الواقع يكشفهم ويفضحهم.. عمليات سطو مسلح علي بنوك واختطاف واحتجاز لرهائن مصريين وأجانب ثم المذبحة البشعة, ومع ذلك لم يعترف أحد بمسئوليته ولو السياسية, والأغرب أنهم يتصرفون باعتبارهم من سيعاقبون المخطئين, وينسون أنهم أول المخطئين. الإعلام الرياضي الذي يدلل ويطبطب روابط المشجعين والجماهير الكروية, ولا يدع فرصة إلا واستغلها لإشعال نيران الحقد والكراهية رغبة في الشهرة وجلب الاعلانات ثم يأتي بعضهم لتنظيم وقفات ومسيرات, وكأنهم ليسوا شركاء في الجريمة. أحداث الأسبوع الماضي كله, كانت تشي أن الكارثة قادمة, لكن لم يتعظ أحد.. مظاهرات حاول فيها شباب الإخوان احتكار الساحة, ورد بعض الثوار برفع الأحذية والضرب بالأحزمة.. قوانين تصدر في غياب البرلمان المنتخب( قانونا انتخابات الرئاسة والأزهر).. عمليات سطو غير مسبوقة.. ومع كل ذلك كانت السلطة تتصرف كما لو أن كل شيء علي ما يرام. لست مؤيدا أو معارضا للنظريات التي تقول إن المجلس العسكري أو الفلول أو بعض الحركات الثورية وراء المذبحة, لكني أعتقد أن نوعية القيادات التي تتولي السلطة حاليا علي جميع المستويات, تتحمل المسئولية, ضعفها وتراخيها وافتقادها للفعالية والقدرة هو ما أوصلنا إلي هذه النقطة الدموية. هناك تراجع مريع في كفاءة وقدرات القيادات. إنهم مستوي رديء لم تعهده مصر من قبل. لا أحد يريد أن يتخذ قرارا, ولا أحد يجرؤ أن يوجه اللوم لأحد, لأنه خائف ويداه مرتعشة.. الكل حريص علي الكرسي ولا يريد أن يمسه سوء. مصر الآن مسرح للموت العشوائي الذي لا يعرف أحد سببه, إنها كما قال إليوت: مملكة الموت, دولة الغسق التي لا يطمع فيها إلا الرجال الجوف. المزيد من أعمدة عبدالله عبدالسلام