مع أن كلمة مجانين لا توجد فى قاموس الأمراض النفسية فإننى قصدت أن تكون عنوان كلمتى من أجل لفت نظر الناس خاصة من يهمه الأمر من المسئولين فمجانين الشوارع قنابل موقوتة ويحملون معهم كل أنواع الجرائم والأذى لأنفسهم وللمجتمع وهم مرضى نفسيون يستحقون كل رعاية وعلاج مثل كل المرضى فى مجالات عضوية جسدية، وهم قبل وبعد كل هذا آدميون لهم حقوق الإنسان بكل أبعاده، أنهم يحملون أنواعا مختلفة من الأمراض مثل الفصام العقلى (الشيزوفرينيا) والتخلف العقلى (نقص الذكاء) واضرابات الشخصية (الانحرافات السلوكية) مثل أنماط الشذوذ والميل إلى العدوان والسعى وراء ارتكاب الجرائم وغيرها مما يدل على تدهور أبعاد الشخصية وضياع الارادة التى تحكم وتضبط سلوكهم. انهم وبحق قنابل موقوتة فى الشارع المصرى إما بأفعال وجرائم عدوانية شاذة نابعة بدوافع من أنفسهم، أو أنهم لقمة سهلة لمن يريدون تهديد الوطن وترويع المجتمع وذلك باستقطابهم وتسخيرهم فى ارتكاب جرائم البلطجة والقتل والتدمير وغير ذلك. ان قانون علاج ورعاية المرضى النفسيين والعقليين يحتم على الدولة إيداع هؤلاء المظلومين والمهمشين فى مستشفيات الأمراض العقلية ومع ذلك نراهم يزدادون عددا فى الشوارع بلا مأوى بعد أن يتبرأ من ذووهم ويصبحوا أيضا بلا أسرة ولا أهل ولا مجتمع يحميهم. وعلى الرغم من كل ذلك فإن هناك مستشفى الخانكة وهو من أكبر مستشفيات الصحة النفسية وأعرقها تاريخيا ويقع فى مساحة مائة وثمانين فدانا (غير المساحات التى تم استقطاعها سابقا) ويستوعب حاليا ألفين ومائة وتسعين مريضا منهم سبعمائة مريض مودع بأوامر قضائية بعد ادانتهم فى ارتكاب جرائم أغلبها جرائم قتل وتدوم إقامتهم بالمستشفى لأكثر من عشر سنوات ويتم فحصهم أسبوعيا بواسطة لجنة خاصة بالطب الشرعى لاقرار مدى صلاحيتهم للخروج من المستشفى من عدمه حسب قانون حقوق المريض النفسي. وأغلب مساحات هذا المستشفى العريق مهملة وغير مستغلة وبه مبنى لأمراض الشيخوخة استولى اللصوص على أبوابه وشبابيكه وأصبح خرابا وبه أيضا عدة مبان إدارية وسكنية غير مستعملة.. وأما بقية الأرض فهى صحراء جرداء ومرتع للحيوانات الضالة واللصوص وتجار المخدرات. ويعمل به قرابة ألف ومائتى موظف ما بين طبيب وصيدلى وادارى وعامل ومن الممكن أن يستوعب أضعاف هذا العدد من العاملين إذا أحسن استخدامه. والحقيقة التى لمستها حيث اننى أزور المستشفى بحكم موقعى كمسئول فى الطب الشرعى النفسي، أن حال هذا المكان يرثى لها وإذا دل ذلك على شيء فإنما يدل على غياب وعى الحكومات والمسئولين عنه وعن استغلاله الاستغلال الأمثل والذى يمكن أن يجنب الوطن محنة الجرائم والصورة البائسة للشارع المصرى بوجود هؤلاء الشاردين المشردين الفاقدين للأهلية والأهل والتائهين مثل الحيوانات الضالة. وكذلك يمكن أن يسهم استغلال هذا المكان فى حل ولو جزء من البطالة التى يعانى منها الوطن بصورة مستفزة فضلا عن أن رعاية الفئات المهمشة والضائعة والمريضة والمسنين وذوى العاهات العقلية تعد مهمة أساسية فى أجندة حقوق الإنسان وترفع قيمة الوطن إلى مستوى الأوطان المتقدمة حضاريا وإنسانيا. ويمكن حل المشكلة فى غضون أيام بنظرة واعية وإنسانية من المسئولين وبقرارات جريئة بعيدة عن البيروقراطية ودهاليز اللجان والمكاتبات والصيحات الرنانة الفارغة واخيرا أقول ان تحويل المستشفى إلى مستشفى ذى طابع خاص مع اشراف حكومى جيد يمكن أن يجعله يصرف على نفسه من ربح خاص باستغلال أرضه الخصبة للزراعة. د. يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة