في كل مرة سافرت فيها بال «ريموت كنترول» في رحلة هروب متعمدة أمام التليفزيون، اكتشفت أنني لا أتوقف إلا أمام كل ماهو قديم، وياحبذا لو كان أبيض مفعما بالأسود الأنيق.. وبعد هذين اللونين يجذبني بهتان الألوان في مسلسلات الثمانينيات والتسعينيات.. تستوقفني فيها كل تفصيلة صغيرة من ديكور وملابس وشوارع وحوار، حتى طرق الحوار مختلفة والمفردات لم تعد موجودة.. وأجدني دون قصد أتابع بشغف الحلقات لآخرها.. وأتنفس بعدها نسيم الحنين للماضي والاستمتاع به على كِبَر واتأكد من عشقي لكل ما هو ماض.. اكتشفت أيضا أنني تابعت أشهر أعمال الدراما لأشهر كُتّابها وأنا في عمري هذا –على مشارف الثلاثين بعامين- ووجدت لذة في ذلك لم يضاهها أي عمل جديد بألوان أكثر بهجة وصور أكثر إبهارا.. وكنت أجد متعتي الأكبر عندما أشارك تلك اللحظة مع أهل بيتي لأنفذ المعنى الحرفي لفكرة اللمة حول عمل مشترك ممتع.. ويلفت انتباهي ابتسامات مرسومة على وجوههم.. ابتسامات من وجد ضالته في زمن كان يعيشه قبل مني، يتمنوا لو يعودوا إليه.. وأتمنى لو كنت فيه.. زمن كنا نراقبهم فيه يشاهدون «الشهد والدموع» و»الوسية» و«ليالي الحلمية» و«المال والبنون» و«الوتد» و«أرابيسك» و«الراية البيضا» و»ضمير أبلة حكمت»، وغيرها من المسلسلات ولا ندرك شغفهم فيما يتابعون.. أقله باتت لهم ذكريات يمصمصون شفاهم في كل مرة يشاهدون فيها إحدى تلك الأعمال لزهوة جمالها الباقية.. وجئنا نحن بعدهم نتذوق ما سبقونا إليه..فعرفنا حلاوة ما عاصروه.. وأثناء متابعتي إحدى حلقات الجزء الثاني من «الشهد والدموع».. لاح سؤال استفزني لما هربت إجابته مني..إذا كنا نحن جيل الثمانينيات نملك هذا الكم من الإبداع الدرامي وذكرياته فماذا يملك جيل الألفية من ذكريات للدراما سيخبرون بها ابناءهم؟ جاءت اجابة فجأة تحاول أن تقنعني بأن الفارق بيننا وبينهم، وجود ذكريات مشتركة وحنين واحد لأعمال قليلة كانت تُعرض على قنوات قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة، عكس «سلق» المسلسلات الجديدة التي تنتشر كل شهر على مئات القنوات، وتختلفت الأذواق حولها والنسيان واحد، ولكن عاد السؤال مرة اخرى ليقف أمامي دون اقتناع بالإجابة السابقة ممزوجا بالشفقة على جيل خلت أيامه من مسلسلات ترسخها الذاكرة في الوجدان كما كان الحال معنا.