"إنه كتاب من أجل جميع المهتمين بمصير القارة الإفريقية، من القارئ العام إلى المؤيدين، والباحثين، وإخصائيى التنمية، والمسئولين الحكوميين، بمن فى ذلك رؤساء الدول. وفى صفحاته آمل أن أشرح، وأوضح، وأشرك، وربما الأهم من ذلك كله، أن أشجع كل المعنيين بالتصدى للتحديات التى تواجه أفريقيا اليوم". بتلك الكلمات الموجزة التى تعرف هدفها شرحت وانجارى ماثاى أسباب تأليفها كتاب "أفريقيا والتحدى" الذى لاقى نجاحا كبيرا منذ ظهوره باللغة الإنجليزية للمرة الأولى عام 2009. وتعود شهرة الكتاب واتساع إنتشاره إلى أن مؤلفته هى وانجارى ماثاى إحدى أهم شخصيات القارة الأفريقية فى السنوات الماضية. فقد ولدت وانجارى فى نييرى بدولة كينيا عام 1940. وكانت كينيا إحدى المستعمرات البريطانية فى ذلك الوقت. لم تتوقف وانجارى عن التأمل فى حال بلادها ثم فى حال القارة الرفريقية بأسرها فى محاولة لإدراك حجم التحديات التى تواجه وطنها وقارتها. ولم يكن ما فعلته وانجارى بالأمر الجديد ولكن الجديد كان تحولها من مجرد التأمل والمتابعة إلى الفعل لمواجهة ما تعانيه بلادها من مشكلات على المستوى الإجتماعى والتنموى من جانب ومحاولة تقديم حلول لمشكلات القارة الإفريقية وشعوبها. ونجحت وانجارى فى شق طريقها عبر مؤسسة “حركة الحزام الأخضر” التى قامت عبر شبكة من النساء الريفيات الكينيات بزراعة مايزيد عن 30مليون شجرة فى أنحاء كينيا بداية من عام 1977. وكانت نجاحات الكاتبة على المستوى الاجتماعى والتنموى حافزا لأن تطرق باب السياسة. ومن ثم كان نجاحها فى دخول البرلمان الكينى بعد خوض أول انتخابات حرة فى البلاد وتم اختيارها لشغل منصب نائبة وزير البيئة والمواد الطبيعية. وفى عام 2004 انطلقت وانجارى فى سماء العالمية بحصولها على جائزة نوبل للسلام. واستمرت تعمل وتبحث عن حلول إجتماعية وتنموية لبلادها وللقارة الإفريقية إلى أن غادرت دنيانا فى عام 2011. وفى محاولتها لتشريح وتشخيص التحديات التى تواجهها القارة الإفريقية ترى وانجارى أن التحديات التى تواجه القارة الإفريقية لاتنبع من السياسات الوطنية والدولية فحسب. فعلى الرغم من الدور المهم الذى تلعبه السياسات الوطنية والدولية فى تحديد مستقبل القارة مثلما حددت ماضيها من قبل فإن القارة الإفريقية تواجه تحديات أخلاقية وروحية وثقافية أيضا، وكذلك تحديات ذات طبيعة نفسية. وقدمت وانجارى خريطة لقراءة وفهم كتابها. فكتاب “إفريقيا والتحدى” ينقسم إلى أربعة عشر فصلا. فمن خلال رؤيتها لحياة سيدة(فلاحة) تعيش بالعاصمة الكاميرونية ياوندى تستهل وانجارى كتابها ملقية الضوء على أساليب الزراعة البدائية التى تتبعها تلك السيدة، وما تؤدى إليه من تآكل التربة وفقدان الماء. وتتعمق الكاتبة فى إبراز التحديات التى تواجه تلك السيدة البسيطة التى تصفها بأنها نموذج أو “عالم مصغر للتحديات الهائلة التى تواجه الفلاح الأفريقى تحديدا والقارة الإفريقية بشكل عام”. أما الفصل الثانى فكشفت فيه الكاتبة عن بعض التركات الثقيلة التى تواجه أفريقيا بما فى ذلك الإستعمار. وتقول وانجارى أن هدفها هو توضيح أنه على الرغم من أن الإستعمار كان مدمرا لافريقيا فقد أصبح كبش فداء مريحا لتبرير الصراعات وانتشار أمراء الحرب والفساد والتبعية والفقر وسوء الإدارة فى القارة. وأكدت الكاتبة أنه لايمكن لإفريقيا أن تستمر فى إلقاء اللوم على الاستعمار إزاء إخفاق مؤسساتها وإنهيار بنيتها الأساسية والظواهر التى تجتاحها مثل البطالة وتعاطى المخدرات وأزمات اللاجئين. وفى الفصل الثالث تقدم عرضا وصفيا لمجتمع عامل فى إفريقيا وإجراء مقابلة بينه وبين تاريخ إفريقيا بعد الحرب الباردة. وفى الفصلين الرابع والخامس تناولت الدور السلبى والضار الذى تلعبه المساعدات الخارجية والتجارة والديون فى تغذية اختلال التوازن فى العلاقة بين إفريقيا والدول الصناعية. وفى الفصل السادس ناقشت العجز الذى تعانى منه القيادة بإفريقيا وسبل الإصلاح. وتقول وانجارى تعليقا على ذلك :«إن هدفى ليس مجرد توجيه النقد للمجتمع الدولى إزاء ممارساته التجارية غير النزيهة وعبء الدين الثقيل الذى لايزال الأفارقة يرزحون تحت وطأته، بل وضع كل الأفارقة أمام تحدى الإفلات من ثقافة التبعية التى تفضى إلى السلبية والإنهزامية والإخفاق». وتختتم وانجارى الفصل السادس بالقول :«لا أزال متفائلة بشان مستقبل القيادة والإدارة المحسنة فى أفريقيا»، وما دعاها لهذا التفاؤل هو وجود مؤشرات إلى أن أفريقيا قد تكون مقبلة على إحتضان شكل جديد للقيادة يضع الشعب الإفريقى فى المقدمة، سواء فيما يتعلق بالبرلمان أو أموال الدولة و السلطة القضائية، وسوف يجعل الأفارقة يشعرون بأنهم موضع احترام وتقدير. وتناول الكتاب فى الفصل السابع والثامن تحدى فقدان بعض الثقافات الإفريقية للاحترام وما يترتب على ذلك من فقدان مدمر للثقة بالنفس لدى الكثير من الجماعات العرقية فى أفريقيا. وتطرقت الكاتبة إلى مفهوم أطلقت عليه «متلازمة الحافلة الخطأ» حيث ترى أن جزء كبير من إفريقيا اليوم يستقل الحافلة الخطأ التى تقودهم عبر الطريق إلى الجهة الخطأ. وفى الفصلين التاسع والعاشر تمت مناقشة تحديات الدولة القومية الإفريقية حيث استخف الأفارقة على مدى عقود بالأهمية الثقافية والنفسية الأساسية لهوية الدولة مفضلين الاستفادة من العرقية لتحقيق مكاسب سياسية. ووجهت وانجارى نداء إلى الأفارقة بأن يعيدوا اكتشاف تنوعهم اللغوى والثقافى والعرقى وأن يتمسكوا بهذا التنوع لمعالجة نفوسهم الجريحة ولتتمكن دولهم القومية من المضى قدما على المستويين السياسى والاقتصادى. وفى الفصول الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر أكدت وانجارى على محورية البيئة فى جميع المناقشات المتعلقة بالتحديات التى تواجهها القارة وطرق معالجتها والتعامل معها. وناقش الفصل الرابع عشر والأخير التحديات التى تواجه الأسرة الأفريقية فى الداخل الأفريقى أو فى الشتات حيث ناشدت الكاتبة الأفارقة ..”دعم بعضهم بعضا فى جهودهم للمضى فى طريقهم قدما والإيمان بأنهم قادرون على ذلك”. الكتاب: أفريقيا والتحدى المؤلف : وانجارى ماثاى - ترجمة: أشرف محمد كيلانى الناشر المجلس الوطنى للثقافة والفنون بالكويت -سلسلة عالم المعرفة الصفحات 287 صفحة