الصحافة فى اليابان ليست فقط وسيلة الحصول على المعلومة ولكنها جزء لا يتجزأ من أسلوب الحياة" هذه المقولة التى تتردد دائما عند الحديث عن وسائل الاعلام عموما والصحافة خصوصا فى المجتمع اليابانى تعد صحيحة الى حد كبير، فهناك ولع يابانى بالقراءة المطبوعة لا تخطئه عين وتؤكده الارقام والاحصاءات التى تشير إلى أن الصحف اليابانية هى الاعلى توزيعا على مستوى العالم فهناك حوالى 50 مليون نسخة تطبع وتوزع يوميا فى تلك الدولة التى يبلغ عدد سكانها 130 مليون نسمة تقريبا، الأمر الذى يجعل اليابان تتقدم على الولاياتالمتحدة وبقية دول الغرب فى هذا المجال. وتعد صحيفة "يوميورى شيمبون" ذات التوجهات اليمينية المحافظة أكثر الصحف انتشارا حيث توزع طبعتها الصباحية والمسائية حوالى 13 مليون نسخة تقريبا، يليها مباشرة صحيفة "أساهى شيمبون" ذات التوجهات الليبرالية واليسارية التى توزع أيضا فى طبعتها الصباحية والمسائية حوالى 11 مليون نسخة . والى جانب الصحافة المكتوبة هناك ايضا شبكات الاذاعة والتليفزيون التى تحظى بدورها بنسب مشاهدة مرتفعة وأهمها شبكة "ان. اتش. كيه." التى تعد أكثر مصادر الاخبار مصداقية واقترابا من مصادر صنع القرار ويعتبرها الجميع المعادل اليابانى لهيئة ال "بى. بى. سى. " البريطانية. وعلى عكس ما حدث فى الغرب من تخلى بعض الصحف عن طبعتها الورقية اكتفاء بنسختها الالكترونية، فقد استطاعت الصحف اليابانية أن تحافظ على موقعها الثابت داخل المجتمع وعلى ارقام توزيعها المرتفعة بسبب نسبة التعليم التى تبلغ 100% أولا وثانيا بسبب توزيعها القائم على نظام الاشتراكات، حيث تشير الارقام الى أن الصحف تعتمد فى تمويلها على التوزيع بنسبة تقارب ال60% بينما تعتمد على الاعلانات بنسبة 40% تقريبا. ولكن هذا النجاح لا يعنى أن المجال يخلو من المشكلات والعثرات، فرغم ان حرية الرأى والتعبير والوصول للمعلومات يكفلها الدستور والقانون، الذى يحظر حبس أى صحفى بسبب أرائه السياسية وأنه لا توجد أى قيود باستثناء المسئولية الوطنية والصحفية، فان الواقع يشير الى أن السياسة التحريرية للصحف اليابانية تقوم بشكل اساسى على توجهات مالكيها وعلاقاتهم بالاحزاب السياسية وخاصة الحزب الحاكم، كما ان الصحافة اليابانية غالبا ما تتعرض لاتهامات من قبل الصحافة الغربية بأنها صحافة مدجنة خاصة فيما يتعلق بتغطية أخبار العائلة الامبراطورية. أما على مستوى الاعلام المرئى فقد كان مؤخرا ساحة للجدل حول موضوعيته وحياديته خاصة فى ظل التوجهات اليمنية الواضحة للحكومة الحالية برئاسة "شينزو آبى" وقد كانت شبكة " أن. اتش. كيه." هى محور هذا الجدل بسبب تصريحات رئيسها الحالى الذى مثل أمام لجنة تحقيق برلمانية مطلع العام الجارى ليوضح ما قصده بالقول أنه من الطبيعى أن تتبع الشبكة مواقف الحكومة وأن تنأى بالضرورة عن انتقاد قانون سرية المعلومات وألا تركز فى تغطيتها الاخبارية على تحركات رئيس الحكومة التى تثير غضب جيرانهم الأسيويين، قائلا أنهم لا يستطيعون الاتجاه يسارا بينما الحكومة تقول يمينا، مشيرا الى أن وسائل الاعلام الاجنبية تقدم رؤية حكوماتها فيما يخص السياسة الخارجية دون انتقادها. وهو ما دفع أحد أعضاء البرلمان للقول أن أكثر ما يخشاه أن تتحول هذه الشبكة التى يأتى تمويلها من الرسوم التى يدفعها المواطنون مباشرة الى جهاز اعلامى تابع للحكومة. خاصة وأنه يوجد بين اعضاء مجلس ادارتها ال12 أربعة أعضاء يعينهم رئيس الوزراء بنفسه. الأمر الذى أدى لتزايد الاتهامات الموجهه للحكومة بأنها تتدخل بشكل سافر فى حرية الاعلام. ورغم نفى الحكومة المتكرر لذلك فقد كانت استقالات عدد من العاملين بالشبكة بسبب تغطيتهم لحادث فوكوشيما وتداعياته وتناول القضايا الخلافية حول ماضى اليابان الاستعمارى دليلا واضحا على وجود قدر من الضغط، فقد أكد أحد المعلقين السياسيين الذى اعتاد الظهور فى برامج حوارية منذ 20 عاما تقريبا عدم تعامله مع الشبكة بعد ابلاغه بعدم توجيه أى انتقاد لقضية الطاقة النووية قبيل انتخابات محافظ طوكيو، رغم التبريرات بأن هذا الطلب جاء لضمان تغطية متوازنة للانتخابات. كما استقال أحد أشهر مقدمى الشبكة بعد مناقشته من قبل رؤسائه لمدة ست ساعات حول فيلم وثائقى أعده حول حادث فوكوشيما، وسبق ذلك اعلان رئيس الشبكة السابق أنه لن يسعى لفترة رئاسة ثانية وما تردد حينها أن قراره المفاجىء جاء بسبب الانتقادات الحكومية لتغطية الشبكة لبعض القضايا الحساسة مثل الطاقة النووية والقاعدة الامريكية فى أوكيناوا، وهوما دفع البعض للقول أن الشبكة أصبحت مكانا يصعب التحدث فيه علانية ضد السلطة، فضلا عن انها باتت تتعرض لضعوط متزايدة لتتبنى الخط الحكومى المحافظ وهو ما بات يشكل خطرا على الديمقراطية.