مهمتنا فى هذا الباب هى ابراز جانب فى الدبلوماسية المصرية يجسد دورها الحقيقى الذى يتمثل فى أن تظل على خط المواجهة لتحقيق أهداف ومصالح مصرية أيا كانت صعوبة ظروف الحياة فى البلد التى يخدم بها الدبلوماسى حتى فى مواقع العمليات العسكرية، وتبديد الانطباع السائد لدى بعض الأشخاص بأن الدبلوماسى شخص متأنق لا يجيد سوى الابتسام والمجاملة ومهمته الأساسية حضور حفلات الاستقبال، وأبطال هذا الباب منهم من كان شاهدا على أحداث تاريخية أو مشاركا فى صنعها أو مر بمحنة خلال فترة خدمته. السفير السيد أمين شلبى التحق بالسلك الدبلوماسى فى يونيو 1961، عمل فى سفارات براج وبلجراد وموسكو ونيجيريا وواشنطن وأخيرا سفيرا لمصر فى النرويج من 1990 إلى 1994. ثم انتقل إلى ديوان الوزارة بالقاهرة ليتولى منصب مدير إدارة التخطيط السياسى، وهو أحد المؤسسين لمجلس الشئون الخارجية والمدير التنفيذى للمجلس. المحطة الأهم فى مسيرته العملية كانت الفترة التى قضاها فى موسكو من عام 1972 إلى عام 1974، وكان فى ذلك الوقت سكرتيرا أول بالسفارة المصرية، وكما يقول وصلت موسكو فى مايو 1972 قادما من بلجراد. هذه الفترة كانت فى منتهى الأهمية بالنسبة لمصر، وعاصرت خلال وجودى فى موسكو حرب 1973، وعاصرت وتابعت تجاوب وردود فعل الاتحاد السوفيتى لهذا الحدث. وقبلها تابعت الجهود المصرية لإعادة العلاقات بين موسكووالقاهرة بعد أن كانت تأثرت بطرد الرئيس الراحل أنور السادات للخبراء الروس, ولكن القاهرة كانت مدركة حاجتها وهى تعد لحرب 73 لدعم السلاح الروسى، لذلك كانت تسعى لإعادة العلاقات . وفى سبيل هذا أرسلت القاهرة عددا من الوفود المصرية الهامة، الوفد الأول كان برئاسة رئيس الوزراء عزيز صدقى الذى التقى بنظيره السوفيتى فى ذلك الوقت، وهذا مهد لزيارة المشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع، الذى التقى أيضا مع نظيره فى موسكو ثم مستشار الأمن القومى حافظ إسماعيل الذى التقى مع الزعيم السوفيتى ليونيد بريجينيف. وكان مقصودا بهذه الزيارات استرضاء الروس وطمأنتهم على التعاون المصرى السوفيتى. والروس رغم الجرح الذى أصابهم بسبب طرد خبرائهم ابتلعوا آلامهم إدراكا منهم بأهمية مصر لتواجدهم فى الشرق الأوسط. هذه الزيارات ضمنت استجابة الاتحاد السوفيتى لطلبات مصر من التسلح والدعم السياسى والدبلوماسى الذى وصل ذروته خلال حرب أكتوبر عام 1973. وهو ما أوصل الاتحاد السوفيتى إلى ما يشبه المواجهة النووية مع الولاياتالمتحدة، عندما أعلنت الولاياتالمتحدة فى 24 أكتوبر حالة التأهب الاستراتيجي ردا على جسور الإمدادات العسكرية من موسكو إلى كل من القاهرة ودمشق. ويتذكر السفير أنه ربما أهم تطور حدث فى الموقف الروسى، بالإضافة إلى الاستجابة لطلبات المشير أحمد إسماعيل من التسلح هو موقفهم من الحرب عند زيارة المستشار حافظ إسماعيل، حيث أصدرت موسكو بيانا قالت فيه: أن الاتحاد السوفيتى يؤيد حق العرب فى استرداد أراضيهم بكل الوسائل. هذه الصيغة كانت تعد تطورا فى الموقف الروسى الذى كان يحض من قبل على التفاوض وعدم الاندفاع للمواجهة العسكرية . وازداد موقف موسكو صلابة فى الأيام الأولي لحرب 1973 وألقت بكل ثقلها السياسى والدبلوماسى خلف مصر فضلا عن جسور السلاح . ودور الاتحاد السوفيتى فى حرب أكتوبر غير معروف إلا لمن عاصره وللعسكريين، ولكننى كما يقول شلبى، أذكره للأمانة التاريخية حتى لا يتم إغفاله أو تجاهله. الروس يتذكرون هذه المرحلة ويقولون أن مصر نكرت الجميل لكل هذا التأييد نتيجة لتحول سياسات الرئيس الراحل أنور السادات بعد حرب أكتوبر 1973 ، وإخراجهم تقريبا من العملية الدبلوماسية ووصل إلى المدى بقطع العلاقات وسحب السفير بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 التى اعترضت عليها موسكو. ولكن موضوعيا وللتاريخ يجب أن نتذكر هذه المرحلة وأن نكتب هذا التاريخ خاصة بعد الدعم الذى نحظى به الآن من روسيا. وكما يقول السفير لقد عدت إلى القاهرة بعد تعيين المستشار حافظ اسماعيل سفيرا فى موسكو. وفى ذلك الوقت حاول جاهدا الحفاظ على العلاقات ولكن جهوده اصطدمت بالاتجاه الذي كان يتبناه أنور السادات فيما يتعلق بالاعتماد الكامل على الولاياتالمتحدة وخاصة بعد انتهاء الحرب. وكما اتضح للجميع فيما بعد أن السادات استعان بهنرى كيسنجر للتعامل مع تداعيات حرب أكتوبر ، واعتمد تماما على الولاياتالمتحدة واستبعد الدور الروسى منذ أن حدثت الثغرة . وزاد هذا الاعتماد بعد انتهاء الحرب وعقد اتفاقيات فض الاشتباك. كل هذا كان تمهيدا للتطورات اللى حصلت بعد ذلك وانتهت باتفاقية كامب ديفيد وانعكاسات هذا على الروس الذين خرجوا تماما من العملية الدبلوماسية. وأصبح واضحا للجميع أن أمريكا تسيطر على العملية الدبلوماسية ليس فقط فى مصر ولكن فى الشرق الأوسط. كل هذه الأحداث توازت مع تراجع العلاقات المصرية السوفيتية . بل أخذ السادات موقفا عدائيا من الوجود السوفيتى فى المنطقة وشارك فى دعم المجاهدين الأفغان ضد الوجود السوفيتى فى أفغانستان فى مرحلة متقدمة. وللأمانة التاريخية أيضا حاول الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى البداية إحداث توازن فى سياساته تجاه موسكو ولكن سرعان ما جرفه التيار الأمريكى.