كتب-جمال عبد الناصر: الإسلام دين احترم الإنسان منذ فجره الأول, بل جاء ووجد الناس يعبدون أوثانا وأحجارا وأسري لعادات وتقاليد فحررهم من تلك الخرافات وعبدهم لله رب العالمين, ونادي بالحرية المنضبطة التي لا تزدري دينا ولا قيما ولا تخدش حياء, فهو دين جاء ليخرج الناس من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد, ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام, ومن ضيق الدنيا الي سعة الدنيا والآخرة, ومن هنا فالإسلام أعطي للناس حرية الاعتقاد وحث عليها, بل كفل حرية الإبداع فجاءت الحضارة الإسلامية بفن راق منضبط يعبر عن ذوق عال وموهبة فذة, كان من نتاجها, فن الشعر العربي والعمارة الإسلامية وفنون الخط العربي والزخرفة التي لا مثيل لها في حضارة أخري. تري هل حرية الاعتقاد في الإسلام مكفولة للجميع؟ وهل أدخل المسلمون الأوائل الناس بالسيف في دين الإسلام وفرضوه عليهم, كما يزعم المستشرقون وأتباعهم, وكما يشيع في فضائيات التوك شو هذه الأيام؟ للإجابة عن هذه الأسئلة يقول الدكتور محمد السيد الجليند أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: في الحقيقة هذه القضية الحرية لا تمثل إشكالية في الأصول الإسلامية, إذ إنه من أصول الإسلام الأولي هي مطلق الحرية, وأساسها قول الله تعالي:, وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر], الكهف:29], والرسول صلي الله عليه وسلم أسس في مكة لهذه القضية حين تلا عليهم:, قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين], الكافرون:1 6], ليثبت هذه القاعدة, وفي النهاية وضع القانون لكم دينكم ولي دين, فقضية حرية الاعتقاد إذن أصل من أصول الإسلام لأن العقائد لا تبني بقرارات سياسية ولا بقوانين دستورية وإنما تبني باقتناع ولذلك تسمي( الإيمان) الذي يعني التصديق الناتج عن يقين وبرهان بأن ما أعتقده صواب. وإزاء إثارة بعض الشبهات ومحاولة تحميل الإسلام خطأ بعض المسلمين في عصر من العصور يقول الدكتور الجليند: لا نحكم علي المبادئ الصحيحة بخطأ من ينفذها, فهذه مشاكل موجودة عند جميع أهل الملل وليس عند المسلمين وحدهم, ولمعرفة هل الإسلام يعترف بحرية الاعتقاد أم لا يعترف بها لا نرجع إلي الواقع بل نرجع إلي النصوص المؤسسة لحرية الاعتقاد. أما عن زعم البعض بأن آية السيف تخالف حرية الاعتقاد وهناك كلام وشبهات يروجها البعض حولها يقول سيادته: قول الله عز وجل, اقتلوهم حيث ثقفتموهم] لو كان الكلام فيها يؤخذ علي ظاهره لقتل كل مسلم من يلقاه, فليس هذا هو المقصود, بل الضمير في الآية لا يعود الي المطلق, بل يعود لجماعة معينة, وفي زمان معين, وهم كفار مكة, فلا داعي لاجتزاء الآية من سياقها. وعن محاربة الإسلام للعادات والتقاليد وتخليص الإنسان من أسرها يقول الدكتور الجليند: تأسيس الإيمان علي الحقيقة دون الخضوع لسلطة الآباء, فالإسلام من بين أهدافه تأصيل حرية الإنسان, وأن يكون مسئولا عن مجتمعه, ولا ينبغي أن يحتج الإنسان علي فساده بمجتمعه أو بيئته, فالإسلام يعذر الإنسان في صغره ولا يحاسبه لفترة معينة تكون البيئة فيها مؤثرة حتي يبلغ وينضج عقله فيكون مسئولا عن فعله, إن من وظائف الاسلام تغيير المجتمع المريض ليصح هذا المجتمع, كان مشركو مكة يحتجون بشرك الآباء ومشيئة الله لكفرهم, الإسلام يرفض هذا الاحتجاج تماما ويعمل علي شفاء المجتمع من الأمراض العقلية وغيرها.