فى غرفة ابنها المراهق غير المرتبة والمهملة دوما.. تجد الست سمية فوق مكتبه وفى أدراجه المفتوحة المطلة منها الدفاتر والأوراق، كثير من الشرائط والحبوب والكبسولات المسكنة مختلفة الألوان فهى برتقالية أو خضراء.. وربما صفراء أو زرقاء، وأحيانا ناصعة البياض، أو ربما تكون بلونين مختلفين، هذه هى عقاقير الترامادول «ومشتقاتها» المسكنة التى يتناولها باستمرار ولا تعرف عنها سوى أنها تسكن آلامه بعد ساعات طويلة من الاستذكار، ولكن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية يؤكد لها أن «الترامادول» هو العدو الخفى الذى يتربص بصحة ابنها وحياته وغيره من المراهقين والشباب فى مصر والعالم العربى، وذلك بعد أن أكدت الدراسات سهولة شرائه من الصيدليات دون «روشتة»، حتى وصفه العلماء بأنه أكبر لعنة دوائية وأخطر صور الإدمان الصيدلانية. وتؤكد د.نسرين البغدادى مدير المركز: أن «الترامادول» من أشهر العقاقير التى يدمنها المراهقون، ومن أكثر المؤثرات النفسية المخدرة خطورة على صحتهم، حتى إن خطورته على حياتهم تفوق خطورة الهيروين، فعقار «الترامادول» يتم تصنيعه فى العديد من الشركات المصرية والعالمية بأسماء تجارية هى « الترادول، أمادول، تامول، ترامال، زامادول، وكوسودول» ويستخدم «الترامادول» كمسكن للآلام المتوسطة والشديدة وهو أحد مشتقات الأفيون التى تستخدم فى تسكين آلام الأسنان والعظام، ويستخدمه الكبار فى علاج الآلام الناتجة عن بعض الأمراض المزمنة وأمراض السرطان، أما المراهقون فيكثر تناولهم «للترامادول» لتسكين الآلام الناتجة عن ممارستهم للرياضة العنيفة التى لا تناسب أعمارهم وتفوق أحجامهم وأوزانهم وقوتهم والتى قد تسبب لهم بعض التمزقات أو الالتواءات أو الالتهابات، مثل حمل الأثقال والملاكمة والمصارعة وغيرها، فيلجأون لتناول الترامادول ليمنحهم الشعور بالراحة، ولكن لقلة تأثيره على الألم يزيدون الجرعة حتى يجدوا الراحة المطلوبة، وكلما زاد الألم وقل مفعول الترامادول زادوا من تناول جرعته حتى يصبحون مدمنين له، وهو نفس ما يحدث للطلاب الذين يجدون فى «الترامادول» الراحة المنشودة والتى ينتظرونها بعد تعب وإجهاد ساعات الاستذكار الطويلة، ولكن بدلا من الحصول على التفوق يصبحوا مدمنين، أيضا العمال الصغار قد يجدون فيه راحتهم فيستطيعون النوم ليلا بعد ساعات العمل الشاقة طول النهار، فمدمن «الترامادول» هو مدمن بالصدفة «وليس نتيجة لتواجده أو مرافقته لأصدقاء كالمدمنين للأنواع الأخرى من المخدرات. ومدمن «الترامادول» المراهق الذى يقل عمره عن 18 عاما، يسهل عليه تخبئة حبيباتها أو كبسولاتها الصغيرة، ويسهل عليه أيضا تناولها فى أى مكان دون أن يثير ريبة من حوله، ويكون ذلك عادة فى أى تجمعات شبابية أوفى «كافيه للانترنت»، وأولى علامات إدمانه كما يؤكدها خبراء المجلس القومى لمكافحة وعلاج الإدمان – صندوق مكافحة وعلاج الإدمان- هى: شعوره بالغثيان مع وجود إمساك –أو إسهال- ووجود تشنجات وصداع وتحسس جلدى، مع احتباس فى البول وسرعة فى ضربات القلب وانخفاض فى ضغط الدم، ويميزه أنه حاد الطباع عكر المزاج شارد الذهن محبط غير مبالى فاقد التركيز والاهتمام، لذلك فهو فى الغالب متعثر أو فاشل دراسيا، أيضا مدمن «الترامادول» لديه ذوق سىء فى ارتداء ملابسه التى كثيرا ما يظهر عليها الاتساخ ويتم التعرف اليه عن بعد لشعره المشعث غير المصفف، أيضا بسلوكياته التى تتسم بالاندفاع والتهور والتمرد على قيود الكبار، وحياته الأسرية والدراسية والشخصية التى تملؤها المشكلات، وبرغبته العارمة فى الهروب من الواقع، كما أنه يتسم بالعصبية والانفعال، ومعروف عنه الكذب واختلاق المبررات، وعلى النقيض نجده أحيانا منطو يشعر بالخوف والخجل. ومدمن الترامادول قد يصاب بالصرع وقد تكون نهايته الإصابة بالفشل الكبدى أو الكلوى، لذلك يجب علاجه بمجرد اكتشاف تعاطيه له، ويكون ذلك تدريجيا وتحت إشراف الطبيب. وأعراض الانسحاب تتلخص فى أن المراهق يصبح خلال الأيام الأولى من العلاج شديد العصبية يعانى الأرق وقلة النوم ويلاحظ ضيق فى حدقتى عينيه، كما أنه يعانى الأرق والسهر لفترات طويلة، والتوتر وفقدانه للوزن والشهية، وميله الشديد للتدخين. ويرى د.مصطفى سويف الأستاذ بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية إن التوعية المستمرة بمشكلة إدمان المراهقين «للترامادول» ضرورة قومية حتى نحافظ على الجيل القادم من هذا العقار المخدر شديد الخطورة، وذلك بتدريس مناهج ومقررات مناهضة للمخدرات بالمدارس، وتفعيل الأنشطة المدرسية لقيامها بدورها الوقائى من وقوع الطلاب فى براثن الإدمان عن طريق مزاولة الأنشطة «الثقافية والفنية والرياضية»، وعدم تهميش دور الاخصائى الاجتماعى وإعطائه دورا أكبر داخل المدرسة للتعاون مع مجلس الأمناء فى توعية الأبناء بمخاطر إدمان المسكنات والترامادول، وعلى الأسرة أن تبدأ الحوار الصريح المتبادل مع الأبناء وتعريفهم أن جميع المسكنات يجب أن تكون للضرورة وبناء على نصيحة الأطباء، وعليهم مراجعة مستشارى الصحة النفسية فى حل مشاكل الأبناء مع التدخل السريع لمعرفة كيفية التعامل معهم فى حالة وقوعهم فى أى مشاكل، ومساعدتهم على اختيار الرياضات المناسبة والملائمة لقدراتهم البدنية ولأعمارهم، وحتى لا يمارسوا رياضات غير ملائمة قد تضطرهم للاستعانة «بالترامادول» لتسكين آلامهم فيتعودون عليه ومن ثم يكون الإدمان. وعن الأسرة التى تعالج ابنها من «الترمادول» أن تتحلى بالصبر والتماسك، وأن تكون متفائلة وليس لديها مشكلات أو مشروعات انفصال أو طلاق، وعليها أيضا أن تتخلى عن أساليب التربية الأسرية الخاطئة، وتتحلى بالقيم الأخلاقية والدينية قبل أن يتم غرسها قيما فى نفوس الأبناء.