حول الديمقراطية ومستقبلها وآلياتها والتحديات التى تواجه تطبيقها خاصة فى مصر ودول الربيع العربي؛ نستطلع هنا رأيين لاثنين من أبرز شخصيات النخبة المصرية هما د. محمد ابو الغار عضو لجنة الخمسين التى صاغت الدستور الجديد ورئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى أحد أبرز الأحزاب التى تأسست بعد ثورة 25 يناير، ود. سمير مرقس المفكر السياسي البارز الذى كان أول قبطى يتولى منصب مساعد رئيس الجمهورية حيث عينه الرئيس المعزول محمد مرسي مساعدًا له لملف «التحول الديمقراطي» إلا أنه استقال احتجاجا على الإعلان الدستوري المكمل الذى أصدره مرسي فى نوفمبر 2012، كما انتُخب عضوا في لجنة صياغة الدستور الذى صدر بعد الإخوان وتم تعطيله بعد 30 يونيو إلا أنه استقال منها أيضاً احتجاجا على تشكيلها. د.محمد أبو الغار :التزوير.. لا الرقابة .. هو العيب نبدأ حوارنا بالدكتور محمد أبو الغار الديمقراطية ليست صناديق انتخاب فقط،».. كلمات رددها الشعب المصرى فى 30 يونيو. اذن ما هى العناصر الأخرى فى الديمقراطية من وجهة نظرك؟ أول عنصر للديمقراطية هو تداول السلطة . وكى تتداول السلطة لابد أن تكون هناك انتخابات رئاسية على فترات وألا ينتخب رئيس لأكثر من مدتين بأى حال من الأحوال ويجب أن يكون البرلمان ممثلا للشعب وللقوى السياسية وأن يكون هناك توازن بين سلطاته وسلطات الرئيس. وبشكل عام النقابات والمؤسسات والهيئات والمحليات كل تلك الكيانات تتطلب مجالس منتخبة لإدارتها كى تكون مؤسسات قوية تؤدى دورها بالمجتمع، بالإضافة إلى دستور جيد يترجم إلى قوانين تنفذ، والدستور لا يطبق بالقوانين فقط وإنما بروح الدستور التى تقضي بوجود المساواة والعدالة الاجتماعية ومدنية الدولة( لا دولة دينية ولا عسكرية) والأحزاب السياسية أساس النظام السياسي الذى يؤدى إلى تداول السلطة . ما حدث بعد انطلاق الربيع العربي أثار تساؤلات عديدة حول جدوى الديمقراطية ، وأسباب فشلها في دول كثيرة اعتادت النظم الدكتاتورية .. برأيك لماذا فشلت ؟ دول الربيع العربي كانت تابعة لنظم شديدة الدكتاتورية استمرت لسنوات طويلة وتلك النظم منعت تكوين الأحزاب وعرقلت تأسيسها والدولة المصرية شجعت نظام الحزب الواحد وهو حزب الإخوان وتعمدت القوى المدنية والديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان وتعمدت قهر الصحافة وإفساد الثقافة وتدخلت فى وسائل الإعلام الآخرى بقوة، هذا كله أدى إلى انحسار دور القوى المدنية الحقيقية، واليوم أنا غير مطمئن لأن الدولة الحالية برغم أنها تحارب الإخوان فإنها لا تعطى الفرصة ولا تشجع القوى المدنية المختلفة سواء كانت أحزابا سياسية أو منظمات مجتمع مدنى ومن المحتمل أن يحدث تدخل فى شئون الصحافة ووسائل الإعلام. ما هو دور الأجهزة الرقابية لدعم ممارسة الديمقراطية وتفعيلها ؟ الأجهزة الرقابية التى يجب أن يسمح بها هى تلك التى نص الدستور على وجودها ومتفق عليها بالقانون وبخلاف ذلك غير مسموح أما الرقابة الدولية فمصر تعمل حاليا على تجهيز انتخابات رئاسية وبرلمانية وكى تستعيد وضعها الدولى يجب أن يُعترف بهذا النظام دوليا على أنه نظام ديمقراطى، وجزء أساسي من هذا الاعتراف أن تكون الانتخابات نزيهة خاصة فى ظل الاعتياد على أن الانتخابات فى دول العالم الثالث كثيرا ما تفتقد النزاهة لذا من المطلوب مراقبتها دوليا ومحليا، وهذا ليس بدعة فجميع دول العالم تراقب انتخاباتها دوليا والمنظمات المصرية نفسها سبق لها أن راقبت على الانتخابات فى انجلترا وفرنسا على الرغم من كونها دولا متقدمة فى تطبيق الديمقراطية، والمراقبة ليست عيبا ولكن التزوير هو العيب سواء كان بشكل مباشر فى الصندوق أو قبل الصندوق عبر قيام الدولة بالدعاية الموجهة ومساندة مرشح ضد آخر أو أى أعمال غير سوية خارج اللجان كما كان يقوم به الإخوان فى الانتخابات البرلمانية السابقة . ماهو الحد الفاصل بين الرقابة والتدخل فى شئون الدول لدعم الديمقراطية؟ الرقابة ليس لها أى علاقة بالتدخل فى شئون الدول ولكنها تعنى بالتأكد من نزاهة الانتخابات وأن الدولة لا تساند مرشحا ضد آخر فى أى عملية انتخابية بالإضافة إلى مراقبة العملية الانتخابية نفسها للتأكد من عدم اللعب فى الصناديق وهذه ضمانة للديمقراطية وليس تدخلا ويجب علينا فى مصر أن نطالب بذلك لأننا تاريخياً نملك «فضائح انتخابية» رهيبة ويجب أن نغير تلك الصورة المأخوذة عنا . بعض التحركات الشعبية في العديد من الدول نجحت في إسقاط الأنظمة الدكتاتورية وتطبيق الديمقراطية بينما قام البعض باستبدال نظام دكتاتوري بآخر ، مع القليل من الحرية والتغيير في شكل أدوات الحكم..هل ترى أن نفس السيناريو سينطبق على الدول العربية؟ فى مصر والدول العربية المشابهة لنا هناك مشكلتان : الأولى هى وجود نظم دكتاتورية قديمة جدا لها جذور بالمجتمع كانت تتحكم به عبر النفوذ السياسي والاقتصادى ومعظم النظم الفاسدة سواء فى السلطة السياسية أو البوليسية كانت تستفيد استفادة كبيرة جدا وحققت أرباحا وثروات ضخمة سواء بشكل مباشر أو بمساعدة آخرين مثل رجال الأعمال المتعاونين معها وهم مركز قوى وقوة ضخمة موجودة بكل الدول , والمشكلة الثانية أن الجيش جزء مهم جدا من تركيبة النظام والدولة فى كثير من الدول العربية مثل سوريا ومصر وليبيا ولابد أن يتحرك الجيش فيها للمحافظة على الديمقراطية ومنع الفساد ومنع هذه القوى الفاسدة من الاستيلاء على مصر مرة أخرى. و نحن نخوض هذه الأيام معركة الانتخابات الرئاسية ما مستقبل ممارسة الديمقراطية فى ظل الظروف التى تعيشها مصر حالياً؟ نستعد لتأسيس نظام ديمقراطى: فهناك رئيس سيتم انتخابه وكذلك برلمان منتخب وأرى أن من ضمن الوظائف الأساسية للرئيس القادم منع الفساد ومنع الفاسدين السابقين من العودة لفسادهم أومساندتهم بواسطة بعض أجهزة الدولة . كيف نؤسس لدولة ونظام ديمقراطى قوى من وجهة نظرك؟ لابد أن يكون هناك ديمقراطية وتعددية بالانتخابات وأن يكون الرئيس القادم نفسه ذا توجه ديمقراطى وألا يميز بين الناس على أى أساس وأن يشجع العملية الديمقراطية ويمنع ممارسة الدكتاتورية من قبل أى مسئول بالدولة لأن الديمقراطية حين اختفت من مصر أدت إلى كوارث فعلى سبيل المثال جمال عبدالناصر حقق مكاسب كبيرة جدا للشعب المصرى وللصناعة المصرية ولكن كل نظام عبدالناصر انهار فى 1967 بسبب غياب الديمقراطية ولو كان هناك ديمقراطية لما حدثت الأخطاء التى أدت إلى نكسة 67 والتى نعانى منها حتى الآن. د. سمير مرقس :الأصل هو الإختلاف والتنوع وننتقل إلى المفكر السياسي د. سمير مرقس الديمقراطية نظام غربى ارتبط بالليبرالية ، اى بالاقتصاد الرأسمالى، فهل هذا النظام برأيك يصلح لنا و لبقية شعوب العالم على اختلاف ثقافاتها ( الهند ، الصين ، اليابان، إلخ..) الديمقراطية تجربة تاريخية وإنسانية وحضارية تعددت صورها التطبيقية في المجتمعات التي أخذت بها. حيث تجسدت الديمقراطية كقيمة عليا تنظم حقوق المواطنين في أن يعبروا عن أنفسهم ويشاركوا في صياغة نموذجهم السياسي بحسب ما يرون وفق أبنية وهياكل يتم تشكلها من خلال القنوات الديمقراطية التي يتم التوافق عليها. والمراجع المتخصصة تؤكد اختلاف المسارات الديمقراطية بحسب التطور الاجتماعي , فهناك دول تعثرت ودول نجحت في قطع أشواط تأسيسية في الديمقراطية أو ما يعرف بتجارب الموجة الديمقراطية الأولى والتي لم تكن كلها تسير بنفس الدرجة، مرورا بالموجة الثانية والتي تمثلها اليابان، ولاحقا البرتغال وإسبانيا، ثم الموجة الثالثة وتضم دول شرق أوروبا مثل: بولندا، والتشيك،...الخ. وأخيرا دول الموجة الرابعة والتي تضم الكثير من البلدان مثل: البرازيل، وتشيلي، وتركيا، وماليزيا، وجنوب إفريقيا، وإندونيسيا،...الخ. إذن، فكل حالة لها ظروفها، تتوقف على التراكم التاريخي الاجتماعي والاقتصادي لكل بلد على حدة، وابداع نضالات الشعوب على أرض الواقع هو ما يلهم النخب الفكرية تصورات للديمقراطية مبتكرة ومتجددة، ليتحقق الهدف منها ألا وهو: المواطنة التامة الفاعلة القاعدية... عندما تشتد الأزمات، ترتفع الأصوات المطالبة بالمستبد العادل، فهل ترى أن الديمقراطية فى بلادنا تؤدى إلى الفوضى و لاتحقق الإصلاح؟ الديمقراطية هي حضور المجتمع بما يضم من مواطنين مختلفين ومتنوعين. الأصل هو الاختلاف والتنوع وليس التماثل والتشابه، حيث من خلال تفاعلات مركبة يتم التوافق عليها يقبل هؤلاء المواطنون المختلفون على التنافس السلمي في المجال العام ببعديه: السياسي والمدني...وعليه فإن المطالبة «بالمستبد العادل» هو نوع من استقالة المواطنين من ممارسة أدوارهم السياسية والمدنية...ومن المفترض أنه مع تقدم المجتمعات وتعقدها يتم إعادة توزيع السلطة وإدارتها لا «مركزتها»، تحت أي حجة...وأي مخاطر قد تنشأ من فوضى أو عدم استقرار لابد من البحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك وعلاجها... البعض يتخذ من ارتفاع نسبة الأمية و الفقر حجة ضد الديمقراطية. فهل هذا صحيح برأيك أولا ؟ و كيف يمكن التصدى لوجهة النظر هذه ؟ من يستند إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية/ الثقافية ليدلل على تأجيل الديمقراطية أو قصرها على شرائح بعينها وحرمان الفقراء والأميين من ممارستها فإنه في واقع الأمر يعكس رؤية نخبوية وعنصرية تجاه الضعفاء والمهمشين...ودليل إدانة للصفوة لفشلهم في الدفع إلى إحداث تغييرات وتحولات جذرية في بنية المجتمع اقتصادية واجتماعية تمكن الجميع أن يعبروا عن أنفسهم ويشاركوا في إدارة مجتمعهم بغض النظر عن وضعيتهم الثروية ومكانتهم في البناء الاجتماعي...والمسألة بهذا المعنى «جدلية»، أي لا يمكن تعطيل الديمقراطية أو حصرها في قلة وإلا عدنا لمجتمعات ما قبل التاريخ، وفي الوقت نفسه لابد من تفعيل الديمقراطية بطرق متعددة وإدراك أن هناك بعدا اجتماعيا للديمقراطية بات يكمل البعد السياسي...وأن الديمقراطية ببعديها السياسي والاجتماعي في علاقة شرطية كي يحدث التقدم ولا تصبح الديمقراطية حصريا في أيدي قلة من المجتمع، حيث يتحكمون في مستقبل البلاد وفق مصالحهم... من الظواهر العالمية التى تنزع المصداقية عن الديمقراطية ، التلاعب الإعلامى، والإنفاق المالى على الحملات الانتخابية بشكل مبالغ فيه، وأخيرا البحث عن تمويل لدى رجال الأعمال وجماعات الضغط. فهل تؤدى هذه الظواهر إلى خنق الديمقراطية و إفراغها من مضمونها ؟ نذكر أن ما حدث في 25 يناير هو بسبب ان الثروة «احتكرت» من قبل قلة أو ما سميته «شبكة الامتيازات المغلقة»، وهو ما أدى إلى انسداد الأفق السياسي / المدني أمام القوى السياسية والكتلة الشبابية الطالعة والذي تجلى بامتياز فيما وصفناه (نهاية 2010) بالهندسة السياسية للتمثيل السياسي من خلال التحكم في نتائج انتخابات مجلس الشعب نهاية 2010...حيث يتم النظر إلى المواطنين ليس بصفتهم «مواطنين» في حاجة إلى تحولات حقيقية وتمكين كي يكونوا بالحقيقة مواطنين...وإنما زبائن تقدم لهم «علب الطعام»، والاحتياجات العينية...الخلاصة: تضعف الديمقراطية إن لم تكن رؤيتنا للعملية الديمقراطية تتجاوز «القانوني / اللائحي/الوظيفي « من جهة، و تعى ضرورة توسيع المشاركة القائمة على الوعي بالمصالح المجتمعية، فلن يزيد الأمر علي استعادة القديم في صورته الإجرائية الضيقة مع بعض التحسين. ومن ثم إضاعة فرصة تاريخية من أجل أن نؤسس «لزمن ديمقراطي مصري قوى» يواكب تضحيات المصريين . «الديمقراطية ليست صناديق انتخاب فقط،» كلمات رددها الشعب المصرى فى 30 يونيو. إذن ما هى العناصر الأخرى فى الديمقراطية من وجهة نظرك؟ و كيف ترى مستقبل ممارسة الديمقراطية فى ظل الظروف التى تعيشها مصر حالياً؟ سأجيب عن السؤال بسؤال يفتح الحوار الجدي حول هذا السؤال المستقبلي المهم والجدير بأن ننشغل به ألا وهو: «أي ديمقراطية نريد لمصر؟» ..يقاس مدى الاتجاه نحو الديمقراطية وإقامتها أو الإطاحة بها بحسب تشارلز تيلي بمدى وجود مشروع لدى من يحكم ينحاز للمواطنين على اختلافهم وتظهر تجلياته واضحة في التشريع والسياسات العامة والسلوك المؤسسي. بهذا المعنى لم تعد الديمقراطية ذات بعد سياسي فقط وإنما لها وجه اجتماعي يراعي كل المواطنين على اختلاف توزيعهم في الجسم الاجتماعي وعليه بات هناك ما يعرف «بالديمقراطية الاجتماعية». فالعملية الديمقراطية في صورتها الحديثة لابد أن تقوم على المواطنة وفق المصالح الاجتماعية والاقتصادية على قاعدة عدل سياسي واقتصادي. بهذا المعنى تتكامل الديمقراطية السياسية والاجتماعية. وهنا نشير إلى أن تداول السلطة تم في تشيلي من تحالف اليسار الذي استمر على مدى 15 عاما تقريبا وبين رجل أعمال دون أن يحدث خلل في الحقوق الأساسية للمواطنين. من جانب آخر لابد من إدراك أن جزءا من المؤشرات التي تعكس تأسيسا طيبا للعملية الديمقراطية هو حضور الكتل النوعية المنتجة فيها مثل العمال والفلاحين من خلال تنظيمات معبرة أو أحزاب حاملة لهمومهم وهو ما أظنه غير حادث بعد. بعض المفكرين يرون أنه كلما اتجهنا إلى مزيد من الديمقراطية ، اتجهنا إلى مزيد من اللامركزية ، فهل تحمل الديمقراطية خطر تفكيك الدولة ؟ العكس هو الصحيح تماما، فإن المركزية الشديدة في القلب، هي التي تؤدي إلى «غياب» و»تغييب» الأطراف...