لأول مرة يتردد الحديث فى أوروبا عن المقارنة بين عصابات المافيا والمنظمات الإرهابية، وأن كلا منهما يجمعهما أوجه تشابه، ليس فقط فى أن كليهما خارج على القانون، ويستخدم العنف والقتل وتهديد المواطنين المسالمين، لكن أيضا يجمعهما أن المنظمات التابعة للمافيا أو التى تمارس الإرهاب أصبحت ترتبط ببعضها فى إطار عمليات تبادل مصالح ومنافع وتنسيق، فكما أن هناك الآن شبكة دولية لعصابات المافيا، هناك أيضا شبكة دولية تجمع المنظمات الإرهابية فى مختلف الدول معا وتحت مظلة واحدة. وعقد باحثون وخبراء فى مراكز الأبحاث السياسية والاجتماعية مقارنات مؤخرا بين نشاط المافيا ونشاط منظمات إرهابية فى العالم وخاصة فى الشرق الأوسط، حيث رصدوا وجود نوع من التطابق بين طريقة تفكير وإدارة كل منهما لأنشطتهما الإجرامية.
فالمنظمات الإرهابية أصبحت تعمل بنوع من التنسيق وتبادل أوجه التعاون فيما بينها فى المناطق التى ترتكب فيها العمليات الإرهابية، وهو ما ظهر واضحا فى سوريا وفى سيناء. ففى كل منهما أعلنت منظمات إرهابية عن نفسها، وهى منظمات معظمها تضم عناصر أجنبية تسللت إلى سورياوسيناء، بل إن كثيرا من هذه المنظمات توجد بنفس الأسماء فى البلدين، فعلى سبيل المثال نجد منظمة مثل داعش موجودة فى سوريا ولكن بدأ يظهر لها أنصار فى سيناء، بالإضافة إلى وجود أعضاء منتمين إلى تنظيم الإخوان أو مرتبطين به وبأهدافه فى كل من سيناءوسوريا, وجميع هذه المنظمات مرتبط بتنظيم القاعدة وعلى اتصال بها سواء من ناحية تجنيد أفراد جدد أو تسهيل عمليات التمويل.
وقد اتفق خبراء مختصون بدراسات عن الإرهاب فى أمريكا وأوروبا على أن جميع هذه المنظمات ترتبط مع بعضها فيما يشبه شبكة دولية للإرهاب، وهو نفس ما اكتشفته دول الاتحاد الأوروبى بالنسبة لنشاط المافيا وعلاقاتها بعصابات أخرى للمافيا فى دول أوروبية أخرى. ووجدت هذه الدراسات أن هناك مظاهر أخرى للتشابه بين المافيا والمنظمات الإرهابية، منها استخدام كل منهما العنف وارتكاب جرائم القتل والنهب، واقتراب بعض أفرادها من العمل السياسى سواء بدعم شخصيات سياسية معينة أو بتسريب عناصر غير معروف عنها انتمائها لهذه المنظمات نحو الاشتغال بالسياسية.
وكانت الأحداث التى أثارت هذه القضية قد بدأت فى روما عندما هاجمت الشرطة مجموعات تمارس غسيل الأموال لحساب عصابات المافيا الموجودة فى جنوبإيطاليا، واستطاع المسئولون من خلال الهجمات التى قامت بها فى شهرى يناير وفبراير الماضيين مصادرة مبلغ 51 مليون يورو، وهو ما يعادل نحو 70 مليون دولار، بالإضافة إلى مصادرة عقارات وممتلكات لأعضاء المافيا، بعد أن تبين أنها تمارس نشاطا غير قانونى فى مجال التجارة، وأن هذه الأموال كانت فى حوزة عصابات فى الجنوب وأصبحت الآن تفرض سيطرتها عن طريق البلطجة فى العاصمة روما.
وفى تحقيق لصحيفة «هيرالد تريبيون» قالت، إن هذا الهجوم كشف عن أن ما تمت مصادرته هو مجرد جزء بسيط جدا مما توصلت إليه السلطات عن إدارة غير مشروعة لنشاط اقتصادى انتشر بسرعة فى أنحاء دول أوروبا الأخرى.
ففى الوقت الذى تعانى فيه إيطاليا من مشكلات اقتصادية اضطرتها إلى فرض حالة التقشف والسعى إلى استعادة عافيتها الاقتصادية، فقد اتضح للحكومة الايطالية أن عصابات الجريمة المنظمة تمتلك ثروات يمكن تشبيهها بأنها «تجلس فوق جبال من الأموال» فى بلد يعانى من مشكلات اقتصادية طاحنة.
وفى ظل هذه الأوضاع الاقتصادية حاولت المافيا أن تستغل هذا الوضع فى المتاجرة فى السوق السوداء والتهريب بالتعاون والتنسيق مع عصابات أخرى للمافيا موجودة فى اسبانيا وإسكتلندا وألمانيا وفرنسا وهولندا وغيرها.
وقد شعر مسئولون فى الدول الأوروبية أن عصابات المافيا تستغل أرصدتها من غسيل الأموال فى الانتقال بالأموال من دولة إلى أخرى، ثم تستثمر هذه الأموال الناتجة أصلا عن أعمال مخالفة للقانون فى عمليات تبدو قانونية، وذلك بالتركيز على شراء العقارات وتأسيس الشركات التجارية فى مختلف أنحاء أوروبا.
ونتيجة لهذه المعلومات التى وصلت إلى الاتحاد الأوروبى، فإن البرلمان الأوروبى أصدر تعليمات فى فبراير الماضى تطالب السلطات المحلية فى كل بلد بمصادرة كل أموال هذه العصابات فى مختلف أوجه نشاطها، بينما قال خبراء مكافحة نشاط المافيا إن أوروبا يجب عليها إصدار قوانين مشددة لملاحقة هذه العصابات ونشاطها، وقال هؤلاء الخبراء إن هذه المطالبة بقوانين مشددة ينبغى أيضا أن يتم التعامل بها فى مكافحة الإرهاب، على أساس أن كليهما يمثل شكلا من أشكال الجريمة المنظمة.
ونبه هؤلاء الخبراء إلى أن مجموعات أخرى من جماعات الجريمة المنظمة قادمة من روسيا والصين وألبانيا تتجه إلى أوروبا للقيام بنشاط تجارى هناك، وهو ما يعنى انتشار هذه المجموعات داخل النشاط الاقتصادى للدولة، وهى منظمات لا تحترم القانون ولا تعمل به، وتهدد أمن الدولة واقتصادها.
ومما يظهر ضخامة المكاسب التى تحصل عليها هذه العصابات ما ظهر من أن منظمات عصابات المافيا الإيطالية استطاعت فى العام الماضى وحده أن ترفع دخلها من 10 مليارات يورو إلى 220 مليار يورو.
وكانت بعض المنظمات الاقتصادية الإيطالية قد ذكرت أن متوسط ما تكسبه عصابات الجريمة المنظمة أصبح يعادل 130 مليار دولار سنويا، أى ما يعادل 7% من الناتج القومى الإجمالى لإيطاليا.
ويقول التقرير الذى نشرته الصحيفة إن عصابات المافيا الإيطالية تمارس نشاطها داخل إيطاليا وكأنها دولة فى الظل أو دولة داخل الدولة، فهى تدفع بأعضاء منها للتسلل داخل مجال السياسات المحلية وتتمكن من السيطرة على بعض المناطق عن طريق التهديد واستخدام العنف.