لم يكن ممكنا أبدا ونحن نعيش فيما يبدو وفيما يدور أياما نحسات في ظل حالة فوضي مزمنة طالت واستطالت إذ يجئ علي أعظم أن أخرجت للناس اليوم يتحول فيه الخلق والإبداع والفن الرفيع إلي ترف وملق وفسق وفجور.. وأن يحق فيها وفينا في آخر الزمان الحق عز وجل: »وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا« صدق الله العظيم. فهذه الأرض مشي فوق ترابها المسيح عيسي بن مريم فوق زراعي أمه السيدة مريم العذراء أطهر نساء الأرض طهرا لتحميه سماؤها ويحنو عليه أهلها. وهذه الأرض التي خرج منها سيدنا موسي عليه السلام بالرسالة وبتوراته النورانية.. وهذه الأرض خرجت منها يوما من بيت طيب من بيت المنيا في صعيد مصر السيدة هاجر زوجة الرسول الكريم وأم ابنه إبراهيم. هذه الأرض التي أشرقت بنور النبوة والرسالات العلي.. يجئ عليها في آخر الزمان يتحول فيه الخلق والإبداع والأدب وكتاب الحكمة ووصايا النبي لقمان إلي نزق وملق وفسق وفجور ودعوة حريمة للشباب والصغار والكبار إلي السقوط في مستنقع الرذيلة. كما يدعو إليها صراحة وعلنا هذا الفيلم الذي اسمه »حلاوة روح«.. لولا أن أرسل الله إلينا هذا المنقذ عالي الهمة الذي اسمه المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الذي أصابته صدمة عندما شاهد مقاطع من الفيلم ففجعته ليرفع الغمة ويمنع عرض هذا الفيلم سيئ السمعة من دور العرض حتي بر مصر كله لتحذو حذونا دولة الإمارات العربية الشقيقة.. والبقية تأتي. تحية خالصة مخلصة لرجل أعاد لمصر وجهها الحضاري يضيئ بعيدا عن قناع الفسق والفجور وعظائم الأمور. علي أية حال لنترك حديث السقوط والنزق والملق إلي حديث عن نساء مصر اللائى ردخلن ميدان الفن السينمائي لأول مرة... وهذه هي حكايتهن. ............ ............ هذا المشهد لم أكتبه أنا.. ولكن التي كتبته كاتبة وباحثة في أسرار الشاشة الفضية عبر الزمان.. اسمها مني غندور في كتابها: »سلطانات الشاشة المصرية« وهو المشهد الذي يصف لنا قصة المرأة المصرية مع السينما قبل نحو 89 عاما بالتمام والكمال. }} ليل خارجي: مدخل مسرح رمسيس في شارع عماد الدين.. سيارة سوداء ذات ستائر مخملية تقف أمام المسرح.. بداخلها تجلس سيدة ولا نعرفها.. ينزل السائق يحمل رسالة بداخلها صورة للسيدة المجهولة الجالسة في المقعد الخلفي للسيارة الباكار وكانت أعظم سيارة في زمانها.. يسلم السائق الرسالة إلي النجم الساطع أيامها يوسف وهبي في حجرته داخل المسرح. الرسالة تقول سطورها كما قلت في كتابي 100 سنة سينما أنا فتاة من عائلة محافظة وأهوي الغني ومعها صورة للمرأة الجالسة في المقعد الخلفي. قرأ يوسف وهبي الرسالة وراح يتأمل الصورة.. فتاة في غاية الجمال كأنها بيتي ديفز في عزها.. نزل جريا إلي باب المسرح فلم يجد صاحبة الرسالة ولا السيارة. ولكن في اليوم التالي ذهبت نفس الفتاة بنفس السيارة السوداء إلي بيت يوسف وهبي.. اقتحمت عليه خلوته وقدمت له نفسها وهي ترتدي ملابس مثيرة وهي تبكي وتطلب منه أن يعلمها فن التمثيل.. وكتب لها يوسف وهبي دورا في مسرحية بعنوان: النجار المزيف.. وكانت تلك البداية لأول ممثلة سينمائية مصرية اسمها عزيزة أمير! ثم تنتقل عزيزة أمير من المسرح إلي السينما عندما كونت شركة سينمائية تحت اسم »ايزلين« وانتجت أول فيلم لها اسمه »نداء الله« ولكنه سقط سقوط مريعا! ولكن في عام 1937 تقدم لنا عزيزة أمير أول فيلم ناطق بعنوان »ليلي« من اخراج ستيفان روستي... وقد نجح نجاحا عظيما عندما عرض في دار سينما »مترو مولبنان« بعد أن دفعت عزيزة أمير لصاحب السينما مبلغ 300 جنيه وهو مبلغ كبير جدا بأسعار ذلك الزمان.. لكي يسمح بعرض فيلم مصري بدلا من الأفلام الأجنبية! ويومها قال لها الشاعر أحمد شوقي وصديقه الاقتصادي العظيم طلعت حرب بعد مشاهدة الفيلم في ليلة الافتتاح: لقد صنعت ياسيدتى ما يعجز عن صنعه الرجال! ثم قدمت عزيزة أمير فيلم »بنت النيل« ثم فيلم »كفري عن خطيئتك«. ثم دخلت إلي عالم المبدع الفني نجيب الريحاني.. بفيلم: »بسلامته عاوز يتجوز« وهو من الأفلام التي اختفت ولم تظهر أبدا! ومن اخفاق طال إلي نجاح ساحق ماحق في آخر أفلامها: »آمنت بالله« التي ماتت دون أن تراه.. تماما كما حدث مع نجيب الريحاني الذي لم يشاهد آخر أفلامه »غزل البنات« مع ليلة مراد. كل ما يمكن أن نقوله عن عزيزة أمير إن مشوار حياتها كان ملحمة اسطورية عجيبة من العشاق والأزواج.. كانت ذات فتنة طاغية وجمال مصري أصيل.. فنانة عظيمة تعبت وشقيت وأشقت كل من حولها! آسيا .. المرأة الحديدية كأنها ابنة ملك الحيثين في بر الشام الذي تزوجها ملك الملوك رمسيس الثاني في أول زواج سياسي في التاريخ المصري.. إنها آسيا داغر جميلة جميلات روابى لبنان.، ابنة أشجار الأرز... المرأة الحديدية التي لا تلين أبدا ولا تنكسر.. عاشقة السينما... لم نعرف يوما شيئ اسمه المستحيل بدأت مشوارها السينمائي بفيلم تكلف ألف جنيه وانتهت بفيلم تكلف الملايين اسمه الناصر صلاح الدين.. وهو من علامات السينما المصرية المضيئة. وقد قدمت آسيا 49 فيلما سينمائيا وتألقت في تمثيل فيلم »بنت الباشا المدير« في دور فتاة وفتي.. وقدمت للسينما ماري كوين ابنتة اختها وجميلة جميلات عصرها وأوانها.. كما قدمت للسينما مخرجين عظاما أمثال: هنري بركات وحسن الإمام وكمال الشيخ وحلمي رفلة وحسن الصيفي. بهيجة حافظ: نجمة الصحراء! ثم نأتي إلي الممثلة المصرية رقم اثنين في جدول العظيمات المعظمات.. بعد عزيزة أمير إنها بهيجة حافظ التي قامت ببطولة فيلم »زينب« للكاتب الكبير الدكتور محمد حسين هيكل رئيس حزب الأحرار الدستوريين وهو ليس الأستاذ محمد حسنين هيكل .. وقد عرض الفيلم في 9 أبريل 1930 وقام بأدوار البطولة أمامها زكي رستم وسراج منير... وهو غير فيلم زينب الذي مثلته راقية إبراهيم ويحيي شاهين وفريد شوقي والسيد بدير.. ثم قامت ببطولة فيلم الضحايا من انتاجها واخراج إبراهيم لاما وقد ظهرت فيه المطربة ليلي مراد قبل أن يخطفها محمد عبدالوهاب في أفلامه. ثم قامت ببطولة أفلام ليلي بنت الصحراء، وليلي البدوية، وزهرة وكان آخر مشهد لها في فيلم القاهرة 30 كضيفة شرف مع سعاد حسني! وعلي الرغم من شهرة بهيجة حافظ الحديدية وصلابتها وجمالها الآخاذ.. إلا أن الحظ والدنيا والزمن الجاحد تكالبوا عليها في أخريات أيامها.. ليقتلها زمن جاحد.. دائما ما يتربص بالمبدعين والعظماء في آخريات أيامهم! فاطمة رشدي سيدة الزمن الأول وها هي فاطمة رشدي تظهر علي شاشة العرض السينمائي.. مجرد فتاة كومبارس في كورس فرقة سيد درويش في شارع عماد الدين شارع الفن أيامها. ثم ذهبت إلي فرقة نجيب الريحاني... لكي تلتقي بقديس المسرح المصري الذي اسمه عزيز عيد صدفة أوصلتهما لكي تكون زوجته علي سنة الله ورسوله.. لتصبح بعد ذلك نجمة فرقة رمسيس... ثم تكون فرقة مسرحية باسمها هي لتقدم علي مسارع عماد الدين 15 مسرحية لها في 7 أشهر لا غير! ثم جربت التأليف والإخراج السينمائي بنفسها بفيلم اسمه »الزواج«.. وبالطبع لم ينجح... إلي أن جاء فيلم »العزيمة« مع حسين صدقي وأنور وجدي الذي اخرجه رائد الواقعية السينمائية في مصر كمال سليم. وقال عنه جورج سادول الناقد السينمائي الفرنسي إنه أحسن فيلم مصري علي الاطلاق! وجاء وقت انحسار الأضواء.. لتترك لنا فاطمة رشدي نحو 200 مسرحية + 16 فيلما سينمائيا وحياة عاشتها بالطول والعرض. }} ملحوظة مني: كما هو المعتاد في هذا الزمان... عندما يلقي كل فنان وكل مبدع في بلدنا في آخر أيامه جحودا ونكرانا حتي من أقرب الناس إليه.. لا يهم ساعتها ماذا قدم للفن أو الأدب أو السينما أو حتي الصحافة.. لا أحد يسأل عنه. هكذا عاشت فاطمة رشدي أواخر أيامها وأنا شخصيا شاهد علي الجحود والنسيان وقلة الأصل التي داهمت فاطمة رشدي بالذات في أواخر أيامها.. وقد قابلتها في مدينة السويس .. تصوروا القوا بها في غياهب مدينة السويس عندما لم تجد خلال رحلة مرضها وضعفها وهوانها علي الناس مكانا تقيم فيه فوفروا لها شقة في المساكن الشعبية في السويس جاد بها عليها محافظها وقتها! وهكذا يكون تكريم الفن العظيم في أواخر أيامه.. وهو في حالة احتضار ومازلت أذكر آخر كلماتها لي وأنا أصافحها وأودعها في شقتها المتواضعة جدا في آخر بلاد المسلمين اللي رموني فيها كما كانت تصفها. والنبي يا بني إنت اسمك ايه؟ قلت لها: اسمي عزت.. قالت: والنبي يا بني ياعزت ربنا يخليك شجرة مضللة وشمعة منورة خلي التليفزيون يعرض أفلامي... عشان الناس ما تنسانيش زي ما الدولة نسيتني.. دا أنا فاطمة رشدي.. فاطمة رشدي.. اللي كان شارع عماد الدين بحاله يتزلزل لما أمشي عليه.. استغفر الله العظيم! أمينة رزق أم السينما المصرية لنترك الناقد السينمائي الصديق كمال رمزي ليحدثنا هنا عن أم السينما المصرية التي اسمها أمينة رزق.. هو يقول: أمينة رزق تلميذة يوسف وهبي... دخلت السينما من باب المسرح.. لها وجه حساس رومانسي الطابع رقيق التقاطيع ونظرات عيون مليئة بالرحمة تحت عنوان الأداء الباكي. في أفلامها الأولي بلورة أمينة رزق صورة المرأة الملاك ذات القلب الذي يفيض حنانا والتي تعصف بها المحن وتتعرض لخيانة الرجال ومؤامرات الأشرار والشريرات وظلم الأقدار.. وقال عنها زكي طليمات: أداء أمينة رزق علي خشبة المسرح يحمل معه طابعا يجعلك تحس فيه بطعم شجن حزين دون أن يكون في هذا المشهد ما يبرر هذا الشئ الحزين! شادية فنانة لا تنسي! أما المبدعة قمة الظرف والطعامة التي اسمها شادية فهي فنانة لا تنسي أبدا.. وقد أبدعت الابداع كله مع المبدع بلا حدود مع محمود مرسي في فيلم شئ من الخوف.. ويكفيها مشهد فتح محبس المياه لكي تشرب الأرض العطشانة بعد أن أغلق الأشرار محبس المياه عن القرية كلها. ويكفيها أفلام الحب والمرح والسعادة مع كمال الشناوي التي علمت فتيات زمانها معني الحب الحقيقي والحنان والسكينة داخل عش الزوجية في آخر المطاف. ويكفيها في رأيي دورها في فيلم »المرأة المجهولة«.. دور عظيم لاينس وقد قدمته شادية كأنها ممثلة من طراز فريد لا يتكرر إلا في العمر كله مرة واحدة. ............ ............ ويبقي لنا حديث عن شريرات الشاشة ونجمات الإغراء دون خطايا وبلاوي سوداء تنزل فوق رؤسنا هذه الايام مثل القضاء المستعجل!{ لمزيد من مقالات عزت السعدنى