ثورات كثيرة وكبيرة شهدها العالم منذ القرن السابع عشر.. الإنجليزية، والأمريكية ، والفرنسية ، البلشفية، والعربية، وضد الاستعمار ، وضد الشيوعية، وحتى اندلاع الربيع العربي.. ثورات غيرت مجرى التاريخ، فهذه الثورات، وتحديدا الأمريكية، أرست لمبدأ "سيادة الشعب" فى وجه الملكية والإقطاع والإستعمار والفساد والظلم. فالثورة الإنجليزية قامت ضد الملكية ومحاولات فرض "الحق الإلهي" للملك، والثورة الأمريكية أو حرب الاستقلال قامت نتيجة الاضطرابات السياسية والسياسات الاقتصادية المجحفة التى اتبعتها إنجلترا فى المستعمرات الأمريكية. الأسباب إذن واحدة، وإن تعددت بؤر الثورات على خريطة العالم، وعبرت الأزمان. لكن النتيجة مختلفة، وعلى الرغم من انتصار الشعب فى معركة الإطاحة برموز الفساد، وتحقيق رغبته فى التغيير، إلا أن مسارات الثورات تختلف وتتشعب، وإن تشابهت أيضا فى بعض المراحل. فبمجرد الانقضاض على الأنظمة، تبدأ مرحلة تشكيل الجمعيات الوطنية أو البرلمانات، وكتابة الدستور، حتى يتم تشكيل نظام سياسي جديد، لكن معالجة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تمت الثورة عليها تختلف من دولة لأخري. ففى فرنسا، دار التساؤل بين المؤرخين حول انتصار "الطبقة الثالثة" التى ثارت ضد غلاء رغيف الخبر وفساد الملكية، وبين القول بانتصارها أو هزيمتها، مرت فرنسا بثلاثة مراحل ثورية بدأت بكتابة الدستور وانتهت المرحلة الأولى منها بما يمكن وصفه بفترة تراجع المد الثورى مع تولى نابليون بونابرت مقاليد الحكم وسعيه لإقامة ديكتاتورية توسيعية حتى سقوطه فى الموجة الثانية. وبالرغم من مراحل المد والجزر التى مرت بها ثورة فرنسا إلا أنها شهدت تحقيق بعض المكتسبات الشعبية، نتيجة إصرار الطبقة الثالثة، منها انتشار وترسيخ مبدأ سيادة الشعب، وما لعبته هذه الطبقة فى ترسيخ مباديء التنوير والديمقراطية المتمثلة فى إقامة نظام جمهورى يعتمد مباديء الفصل بين السلطات. وبالرغم من فشلها فى تحقيق كل أهدافها وتحولها فى بعض الأوقات إلى حمام دماء عبثي، إلا أن الثورة الفرنسية لعبت دورا حاسما فى تشكيل مفهوم الدولة الحديثة عبر إظهار قوة إرادة الشعب أمام العالم. ومن الثورات الأخرى التى أعطت دروسا للعالم فى كيفية قيام الشعوب بثورات سلمية دون إراقة دماء من أجل الحق فى التغيير ما عرف بالثورات المخملية من أجل الإطاحة بالنظام الشيوعي. وبدأ ما سمى ب "ربيع الشعوب الجديد" فى بولندا فى ديسمبر 1988 ثم تلاها انتفاض بولندا والمجر وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا، وكان التغيير الوحيد بالقوة فى رومانيا. وعلى الرغم من تنبؤ المؤرخين المحافظين خلال نهاية القرن الماضى بإنتهاء عصر الثورات، مع إعلان مارجريت ثاتشر رئيسة الوزراء البريطانية أنه "ما من بديل آخر"، إلا أن الشعوب دائما ما تحمل المفاجآت خاصة مع اشتعال غضبهم ضد الأنظمة الفاسدة. وتظل مرحلة ما بعد الثورات هى "فوهة البركان" أو "صدع الزلزال"، التى تقف فوقها الشعوب، كما تعتمد هذه المرحلة الخطرة على قدرة الشعوب على استبصار مستقبلها والتخطيط الجيد، وليس عشوائية انتظار الإصلاح والتغيير.