عائد أنا للتو من الدار البيضاء، بعد قضاء ثلاث ليال، فى منتجع «مازاجان» السياحى المغربى، المطل على المحيط الأطلسى، بدعوة كريمة من شركة » كيرزنر إنترناشيونال«، الرائدة، فى مجال تشغيل المقاصد السياحية الفارهة. فى هذا المنتجع الفخيم، وعلى بعد 90 كيلو مترا، جنوب مدينة الدار البيضاء، وفى منتصف الطريق، الذى يربط بين مدينتين مغربيتين عريقتين- الجديدة وأزمور- حيث تظهر ملامح التاريخ العريق، المصنف ضمن التراث الإنسانى، أقول، إنه فى هذا المكان، تذكرت الفقرة الأخيرة من المقال الذى كتبته فى «الأهرام» الإسبوع الماضى، تحت عنوان «المشير وإفريقيا وكتالوج المغرب». تناولت حينئذ المتاعب التى قد تتعرض لها مصر فى علاقتها الخارجية، بالذات، مع إفريقيا، فى حالة انتخاب المشير، رئيسا، مالم تحدث معجزة من السماء، فى آخر لحظة، تحول دون ذلك. قلت إن مسألة تعليق عضوية مصر فى الإتحاد الإفريقى دخلت فى نفق مظلم، لن يكون الخروج منه سهلا، بسبب ما يرددنه فى الإتحاد:أنه لا يجوز لمن قام بتغيير غير دستورى للحكم أن يتولى رئاسة الدولة، قاصدين تحديدا السيسى، ومتجاهلين أول مبادئ الديمقراطية، وان إرادة الشعب لا تعلو عليها أى إرادة، طالما أن الإنتخابات نزيهة وشفافة. نتيجة لذلك، فإن أحد الخيارات المطروحة أمام متخذ القرار فى مصر هو تجميد عضويتها، طواعية، فى الإتحاد الإفريقى، كما فعلت المغرب،فى حالة لو استمر التلاعب والمراوغة، بعد إتمام الانتخابات الرئاسية، وجاءت النتيجة على النحو غير المرغوب فيه، ورفض مشاركة القاهرة فى القمة الإفريقية، نهاية يونيو المقبل، كوسيلة للضغط، غير النزيه، من أجل إعادة إشراك الجماعة الإرهابية، فى الانتخابات البرلمانية، وفى النظام السياسى المصرى، إستجابة لإرادة الغرب. من الطبيعى،فى حالة اللجوء الإضطرارى إلى هذا الخيار،أى تجميد عضوية مصر، طواعية، فى الاتحاد الإفريقى، أنه سيجرىالإمتناع عن سداد الإشتراكات فى مؤسساته المكتظة بالموظفين،لعل وعسى يعود المناوئون لسياسات مصر، بعد 30 يونيو، إلى صوابهم. يقدر خبراء فى الشئون الإفريقية أن متخذ القرار المصرى لن تكون أمامه أى بدائل، كأولوية وطنية، سوى تجميد العضوية، والتركيز على دعم العلاقات الثنائية مع دول القارة، أسوة بما فعلته المغرب، التى لم تتأثر نتيجة للخطوة، التى إتخذتها منذ 30 سنة، حين تم قبول عضوية الجمهورية الصحراوية. من الملفت للإنتباه، انه يجرى- الآن- الحديث هنا فى المغرب عن ان الرباط أقامت علاقات ثنائية طيبة مع معظم الدول الإفريقية، منذ أن جمدت عضويتها بالاتحاد، بما فيها الدول الإفريقية- ذاتها- الداعمة للجمهورية الصحراوية، مثل جنوب إفريقيا!! تلك هى معضلة العلاقة بين مصر والإتحاد الإفريقى، فى حالة فوز السيسى فى الانتخابات الرئاسية، قد يصبح الموقف على العكس- تماما- فى حالة فوز حمدين صباحى بمنصب الرئيس، وقد سمعته وهويصرح لفضائية «أوربت»، قبل سفرى مباشرة، إلى الدار البيضاء، بأنه: إذا استعادت مصر دورها فى إفريقيا ستحسن جدا من دورها التفاوضى مع مختلف دول العالم. ضمن التعقيبات المؤيدة للتشدد المصرى فى السياسات مع الإتحاد الإفريقى، جاءتنى رسالة، عبر البريد الألكترونى، من المهندس الإستشارى محمد حمزة، وورد فيها: أن موقف الإتحاد الإفريقى يسير فى ركاب القوى الغربية الإستعمارية، وينفذ مخططاتها، وهو أداتها للسيطرة على القارة السمراء، من وراء ستار. فى رسالته الألكترونية، يقول المهندس حمزة: الأسلوب الأمثل فى التعامل مع الإتحاد الإفريقى، فى حالة إصراره على إتباع سياسة المراوغة مع مصر، هو استكمال الخطوات الفعالة التى اتخذها وزير الخارجية، نبيل فهمى، باختراق حدود الدول الإفريقية، بالذات، الدول التى تربطنا بها علاقات تاريخية وتجارية، وثقافية، ولم تتأثر كثيرا بسياسات الإتحاد، مثل: غينيا والكونغو والسنغال والجزائر، بالإضافة إلى تقوية التعامل مع المنظمات النوعية، كبديل عن الإتحاد، إذا لزم الأمر، كالكوميسا والساحل والصحراء، وغيرها.. من وجهة نظر القارئ حمزة، فإن سياسة المراوغة، التى يتبعها الاتحاد الإفريقى، مع مصر، بعد ثورة 30 يونيو، لا تقتصر عليه وحده، بل إن حكومة اليابان تفعل الشئ، نفسه. ذكرنى القارئ، بما كتبته، منذ أسابيع، منسوبا للسفير اليابانى، توشيرو سوزوكى، بأن إعادة التعاون الثنائى، ورفع الحظر السياحى، عن مصر، لن يدخل إلى حيز التنفيذ إلا بعد الانتهاء من التعديلات الدستورية، ولما تم إنجازها بنجاح مبهر، تم رهن تطوير العلاقات بالإنتهاء من الإستحقاق الرئاسى، الذى هو على الأبواب بعد شهر، تقريبا، ليتوقف كل شئ، من جديد، إلى حين الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، وصولا إلى الحائط المسدود، لا قدر الله، ورهن عودة الدفء إلى العلاقات الثنائية، بين مصر واليابان، بإبرام إتفاق مع صندوق النقد الدولى!! صونا لكرامة المصريين، التى هى فوق كل شئ، طالبنى القارئ، بأن أتوقف تماما عما أكتبه هنا، سواء جاء فى شكل همسات عتاب، أو فى صيغة إستجداءات للتعاطف معنا، من كل من هب ودب، أو حتى توجيه الملامة إلى دول ومنظمات واتحادات تفتقد للإرادة السياسية المستقلة. تعرفون ماهى بالطبع! لمزيد من مقالات كمال جاب الله