لا هى زوجة لها كامل الحقوق والواجبات، ولا هى مطلقة تسعى إلى البحث عن زوج آخر مناسب، هذا هو حال الكثير من الزوجات المعلقات، وضحايا ظاهرة الطلاق الصامت، التى انتشرت فى الآونة الأخيرة. وما بين العند أو الرغبة فى الانتقام أو الخوف من نظرات الآخرين، أو هروبا من تبعات الطلاق يعيش كثير من الأزواج تحت سقف واحد مثل الغرباء، حيث يحافظ الزوجان على العلاقة الزوجية كشكل فقط أمام الناس وهذا هو المعلن. أما الحقيقة, فتنعدم العلاقة الوجدانية والعاطفية عندما ينعدم الحوار والتفاهم بين الزوجين, يلجأ الزوجين للطلاق الصامت. وعلى الرغم من حرص الإسلام على حفظ كرامة المرأة وحقوقها، ودعوته لعدم إيذائها، إلا أن ظاهرة (الزوجة المعلقة) تجعلنا نحس أننا عدنا إلى العصر الجاهلي، ذلك العصر الذى كانت فيه المرأة لا كرامة لها ويتركها الزوج معلقة بالشهور بل بالسنين . ولقد أصبح مرتكب هذه الجريمة ينظر إلى ذلك نظرة مستحبة، فهو يجد فى ذلك أحياناً تسلية ولذة، وينسى أنه يرتكب جرماً عظيماً، وأنّ فى القرآن آيات تناولت هذه القضية، ولكن القسوة جعلته لا يستشعر معانيها ولا يتدبر دلالاتها. قال تعالى : » وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم. سورة البقرة، الآية231. وأكد علماء الدين أن الإضرار بالزوجة أو تعليقها محرم شرعاً، ونهى عنه الله سبحانه وتعالى وأرشدنا إلى الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، وخوفاً من تفشى هذه المشكلة وتحولها إلى ظاهرة، يؤكد علماء الدين أن التعليق هدر لحق الزوجة الإنسانى إضافة إلى معاناتها فى مراجعة البنوك والدوائر الحكومية ومتابعة أولادها، فإن كل هذه الأمور لابد فيها من موافقة الزوج وهو فى هذه الحالة رافض معاند لزوجته التى علقها. ويقول الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، أن الله سبحانه وتعالى جعل الحياة الزوجية تقوم على المودة والرحمة لهذا يتطلب الشرع فى عقد الزواج نية التأديب لان ذلك يتلاءم مع طبيعة هذا العصر لأنه يترتب علية بناء الأسرة والأولاد والروابط الاجتماعية المختلفة لكن قدر الله سبحانه وتعالى انه بعد بدء تجربة الحياة الزوجية يكون هناك اختلاف كبير فى الطباع بين الزوجين ليؤدى إلى التنافر والسلبية فى العشرة فلا يكون الزواج سكنا ومودة بل يكون دافعا إلى القلق والاضطراب والنزاع لذلك وضع الله الحل المتدرج للخروج من هذه الأزمة وليست البدء بالطلاق مباشرة وهى الوعظ بالنصح ثم الهجر المؤقت الذى يؤثر على أصحاب الإحساس المرتفع فربما يكون اشد إيلاما من الوسائل الأخري، ثم بعد ذلك استعمال وسائل وإشعار المرأة بقدرة الرجل على قوامة المنزل فإذا ما فشلت كل هذه الوسائل نصل إلى مرحلة التحكيم بين الزوجين المختلفين، وذلك لقوله تعالي: ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) فإذا ما فشلت كل هذه الطرق كان لا مفر من اللجوء إلى الحل الأخير وهو إما الطلاق بالتراضى بين الزوجين، وإما اللجوء إلى القاضى للتطليق عندها يكون، الطلاق مباحا لقوله تعالي: ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ? وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا). وأضاف: إن ما يحدث الآن فى بعض الأسر هو أن يلجأ الأطراف عند النزاع إلى المقاطعة السلبية والحياة الصامتة بين الزوجين بحجة الحفاظ على الشكل الاجتماعى أو عدم الإخلال بمصالح الأبناء كالتأثير على فرص البنات فى الزواج إذا تم الطلاق، فتقوم المرأة بأداء الواجبات الضرورية فى المنزل فى الوقت الذى تقاطع فيه الزوجة زوجها عن الكلام أو المشاورة فى أمور الحياة ويقوم الرجل بمقاطعة زوجته كأنهم غريبين يعيشان فى بيت واحد، وهذا الأمر يحرمه الإسلام، ذلك لان الزواج إنما جعل إحصانا للرجل حتى لا يقع فى المعصية واعفافا للمرأة وسدا لاحتياجاتها الطبيعية، ثم كيف تقوم أسرة على الشكل الخارجى وهى تقوم على نظام أجوف يتعارض مع طبيعة عقد الزواج ومقتضاه وهو المشاركة لتحقيق المودة والعشرة بالمعروف وسعادة الأبناء وان صح ذلك فى بعض الطوائف غير الإسلامية لأنهم يجعلون الطلاق فى أضيق الحدود، وهذا لم يأمر به الإسلام، فلابد من اقتحام المشاكل ووضع حلول جذرية للقضاء عليها ولابد من تضحيات للحفاظ على مقومات الحياة السوية وبالتالى ففكرة المقاطعة السلبية مع استمرار الحياة الزوجية من الأمور المرفوضة شرعا وتفتح الباب لحبائل الشيطان لدفع الزوجين إلى المعصية أو إقامة علاقات غير سوية مع آخرين وسد الذريعة من المصادر الهامة فى التشريع الإسلامى التى تأمر بقطع الطريق على الخطأ حتى لا نقع فيه . يقول الدكتور رمضان عبد العزيز، عضو اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، أن امتناع الزوج عن تطليق زوجته عند استحالة العشرة، تحت دعوى الحفاظ على المظهر الاجتماعى مخالف لنصوص الشريعة الإسلامية ويجب على هؤلاء أن يصححوا هذا الخطأ الذى وقعوا فيه وان يتداركوا ما فات من عمرهم دون ان يعيشوا الحياة الطبيعية بين الأزواج لان المولى تبارك وتعالى قال (قال الله تعالى ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ، ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ، ولا تتخذوا آيات الله هزواً ، واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ، واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم). ولقد نص القرآن صراحة على مصطلح الزوجة المعلقة فقال عز من قائل: » وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً. سورة النساء، الآية 129. لذا فقد جاءت الشريعة الغراء بتحريم مسألة تعليق المرأة، ووضعت مبدأ : إن لم يكن وفاق فطلاق , قال تعالي: » الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ . سورة البقرة الآية 229. وأضاف: إنه لكى تحل هذه المشكلة لا بد من التدخل الايجابى من الأهل وأن لا يقفوا موقفا سلبيا من خلافات الزوجين كما نرى الآن , بل يحملوه حملا على عدم تركها هكذا , فقد قال تعالي:« وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً. سورة النساء، الآية35. فعلى الحكمين أن يعيداهما ويصلحا بينهما - مع وجود الرغبة بينهما - فإذا لم يكن هناك رغبة بينهم الاثنين أو أحدهما، فالفراق خير لهما، وذلك بإحسان، دون مشاكل أو الوقوع فى الحرام، فالفراق خير من الشقاق والخلاف، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى : وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حكيماً . سورة النساء 130. ولقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه أمر ثابت بن قيس الأنصارى رضى الله عنه بمفارقة زوجته لما لم تستطع البقاء معه لعدم محبتها له، وسمحت بأن تدفع إليه الحديقة ملّكها لها، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ أَمَا إِنِّى مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ فِى خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ وَلَكِنِّى أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِى الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً). فعلى كل زوج أن يتق الله فى زوجته ولا يتركها معلقة فيبوء بإثمه وإثمها ويعرض نفسه للسؤال يوم يسأل المرء عن كل ما فعل وينظر ما قدمت يداه .