كانت السنة الشمسية عند قدماء المصريين تبدأ باكتمال البدر الذى يلى الاعتدال الربيعى مباشرة الذى يتساوى فيه الليل بالنهار، وكانوا يعتقدون أنه يوم بدء خلق العالم واعتبروه أول الأزمان. كان «شم النسيم» يوافق احتفال المصريين ببداية فصل الربيع الذى يحتفلون فيه بموسم الحصاد. وعُثر على لوحة مشهورة بمقبرة«مرروكا« بسقارة من الأسرة 16 تحدد الفصول الزراعية الثلاثة : الفيضان (آخت) AKHET والبذر (برت) PERETوالحصاد (شمو) SHEMW وفيه تمثيل للإله الذى يحمل مدلول الفصل وتحته علامة (عنخ) ANKH الهيروغليفية أى أنه فصل الحياة. وعلى مر العصور حُرِّف الاسم إلى (شم) وأضيفت إليه كلمة (النسيم) . وكان يشارك فيه الفرعون والوزراء والعظماء، فكان الناس يخرجون مبكرين، يحملون طعامهم وشرابهم، وكانت العائلات المصرية تجد متعة فى ركوب القوارب الخفيفة وهى تسير بهم على صفحة مياه النيل العظيم يجمعون الزهور ويصطادون الأسماك والطيور وهم ينشدون على أنغام الناى والمزمار. ومن الأطعمة التى كانوا يتناولونها فى ذلك اليوم: البيض والسمك المملح (الفسيخ) والبصل والخس ونبات الحمص الأخضر (الملانة) ولحم الأوز والبط المشوي. وذكر المؤرخ الأغريقى «هيرودوت» الذى زار مصرالقرن الخامس قبل الميلاد أن المصريين كانوا يجففون السمك فى الشمس (الفسيخ) ويأكلونه نيئا،ً ويحفظون البعض الآخر فى الملح (الملوحة). ويرون أن أكله مفيد فى تغيير الفصول. ومازال عدد كبير من المصريات يقمن بإعداد الفسيخ فى المنازل بطرق صحية جدا ويتناولونه وقت الغذاء يوم عيد شم النسيم مصحوباً بالبصل الأخضر والليمون والزيت. وتشير نقوش هيروغليفية إلى تقديس البصل. فمن العادات القديمة التى كانت متبعة فى مصرالقديمة تعليق حزم البصل حول أعناقهم فى عيد (نتريت) 29 من شهر كيهك ويطوفون حول مدينة منف تبركاً به، كما اعتاد آخرون تعليق حِزم البصل على أبواب الدور ويضعون عصيره على الأعتبات ويضعونه تحت الوسائد ويشمونه عند مطلع فجر شم النسيم اعتقاداً منهم أنه يطرد الأمراض. واعتادوا أن يضعوه قرب أنف الطفل عند ولادته ليشم رائحته النفاذة. ومازال المصريون يمارسون تلك التقاليد القديمة عند مطلع فجر شم النسيم حيث يستقبل كل أفراد الأسرة عيد شم النسيم باستنشاق البصل. أيضاً من الأكلات المشهورة فى إفطار شم النسيم البيض. فالبيضة عند الفلاسفة أصل الخلق وازدادت قداستها عند ظهور المسيحية فى مصر فى منتصف القرن الأول الميلادى وبالتحديد فى عام64 على يد القديس مرقس كاروز الديار المصرية والذى يعد البطريرك الأول فى سلسلة بطاركة الكرازة المرقسية ويعد أول أسقف للإسكندرية (وليس الإسكندرية والقاهرة)، فجعل المسيحيون البيضة ترمز للحياة، فمنها يخرج الكتكوت كمن يخرج من القبر حياً، ومن هنا صارت رمزاً للحياة بعد الموت، فصبغوا البيضة باللون الأحمر. لذا بات أكل البيض فى شم النسيم به فأل حسن، وتذكير بحياة الرجاء بعد الموت، فقانون الإيمان المسيحى الذى يرددونه حول العالم يختمونه بقوله: (وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى). والخس والملانة أيضا من المأكولات التى اعتاد المصريون تناولها فى الغذاء يوم شم النسيم، فالخس مفيد طبيا، وأجمع المتخصصون على أنه يحوى مادة زيتية تجلب الحيوية والصحة للإنسان، وبه نسبة من فيتامين (ه). وظل شم النسيم عيداً للطبيعة والربيع منذ العصر الفرعونى حتى وقتنا هذا، وصار عيداً قومياً يحتفل به المصريون مسلمين وأقباطا. لأنه العيد الذى أوحت به طبيعة بلادنا الزراعية. أما أعداء الطبيعة والجمال فلا يحتفلون به بل ويرفضونه!! إنه عيد الزراعة، وبعث الحياة، وأول الزمان، والرجاء، والحب، والتسامح، والتصافي، والجمال.