كنت في دبي في رحلة عمل, وخلال متابعتي لأحداث يوم25 يناير قرأت علي شريط أخبار الفضائية المصرية الخبر المؤلم برحيل الأستاذ لبيب السباعي, أصابني حالة من الذهول والألم, أفقت منها, مترحمة علي هذا الفارس الجميل الذي رحل شابا بوجهه الصبوح وكأنه إبن الثلاثين من العمر. كنت علي إتصال يومي بالسيدة العظيمة زوجته الزميلة الصحفية التي تركت العمل الصحفي مبكرا متفرغة لبيتها وزوجها والأبناء, وكنت علي يقين من أن وعكته الصحية ستنتهي ليقوم منها قويا وعفيا. لبيب السباعي كان صديقا وأستاذا, مد لي يد العون في مواقف صعبة, رحل يوم عرس مصر بثورة25 يناير التي أنصفته, فخلال عام واحد تقلد رئاسة مجلس إدارة الأهرام, ثم أمين عام المجلس الأعلي للصحافة ليكون تتويجا لرجل من الزمن الجميل. كان منصب رئاسة مجلس إدارة الأهرام قريبا من الأستاذ لبيب السباعي, وعندما قلت له: ربما تكون علاقتك بالأستاذ هيكل سببا في إبعاد المنصب عنك فرد قائلا بكل قوة: لو خيروني بين منصب رئيس الجمهورية وعلاقتي بالأستاذ هيكل سأختار الأستاذ هيكل. هذا يعكس حجم الوفاء الذي يكنه لأستاذه, وعلاقته بكل من يصغرونه سنا في الوسط الصحفي تدلل علي حجم حنانه مع تلامذته. وبالرغم من ذلك كانت علاقته القوية بالأستاذ صلاح الغمري الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة الأهرام بعد إنتهاء فترة الأستاذ إبراهيم نافع من أقوي ما يكون, وبذل كل الجهد لخدمة الأهرام في تفان وحب دليل علي تجرده وحبه لمؤسسته. مازلت أذكر عبارة أبكتني رددها خلال إحتفال كبير نظمته الجريدة بمناسبة إنتهاء فترة رئاسته لمجلس الإدارة شارك فيه المئات من أبناء الجريدة, في هذا اليوم تكلم ودموعه تسبق كلماته قائلا: بعد هذا التكريم الواحد لا يترك المنصب فقط, ولكن يترك الدنيا كلها وهو مبسوط وكررها مرتين. كنت الوحيدة التي أبكتها كلمته فقد شعرت بصدقها, وشعرت بأنها نبوءة قد تتحقق سريعا ودعوت أن يحفظه الله لبيته ولزوجته ولأبنائه. تحدثت معه هاتفيا يوم إنتهاء عمله كرئيس لمجلس الإدارة مهنئة له بإزاحة هذا العبء الثقيل عن كاهله وأملي أن تدوم صداقتنا, يومها شكرني, فالعلاقات الصادقة لاتكون خلال تقلد الإنسان للمنصب ولكنها دائما تكون بعد أن يخرج من المنصب. عندما تقلد رئاسة مجلس إدارة الأهرام أرسلت له تهنئة بباقة ورد, ولم أصعد لتهنئته شخصيا بالرغم من علاقتي الوثيقة به, ولم أحدثه تليفونيا علي مدي شهرين كاملين ليفاجئني باتصال قائلا: قلت هشوف هتقعدي متكلمنيش لغاية إمتي فقررت أتصل بك أنا فقلت له ضاحكة: لو أن كل واحد من ال1500 صحفي في الأهرام أخذ من وقت حضرتك عشر دقائق دون داع لن تجد وقتا لإدارة شئون المؤسسة. لم أصعد لمكتبه إلا مرتين لشغل مهم أو لعرض أمر طارئ. وكان دائما يرد علي من يطلبونه حتي وهو في أهم الإجتماعات. دخل الأهرام وعاش بها محبوبا, وتركها وترك الدنيا محبوبا, رحم الله الأستاذ لبيب السباعي وألهم أسرته الصبر والسلوان, اللهم إجعل الحياة زيادة لنا في كل خير, واجعل الموت راحة لنا من كل شر, أمين.