يا عزيزي كلنا تعساء, خاصة في الزواج.. البعض يؤمن بأن المستحيلات أربعة الغول والعنقاء والخل الوفي والزواج السعيد.. كما لو كانت التعاسة قدرا لا مفر منه لكن ما هي التعاسة وما هو الزواج التعيس وما الذي يجعله تعيسا يقولون أن التعاسة هي الفجوة بين توقعاتنا وبين ما نحصل عليه. أو هى المساحة بين ما نريد وما نستطيع الوصول إليه من سلوكيات أو مواقف، مع الحبيب أو الزوج ، أو الصديق. ينجح بعضنا في تجاوز هذه المسافة، ويظل أكثرنا يعيش بين جدارن سجن التوقعات الأربعة، حبيسا، تصدمه الأفعال، والسلوكيات، التى تتحول الى صدمة. فالاختلاف بين ما نتوقع وما يحدث كثيرا ما تكون مشكلة المشاكل. فتفشل العلاقات، بسببها وتتحول المشاعر بسببها، وقد ينتهى الحب بسببها أيضا. ففي الزواج لا تصنع التوقعات المثالية زواجا مثاليا، وفى العلاقات العاطفية، تحمل الحبيبة، تصورات عما يجب أن تكون عليه العلاقة، ويفاجأ الحبيب، بمرور الزمن، بما لم يتوقعه فتتباين ردود الأفعال بين الصدمة والدهشة. فالكثيرات يعشن، في انتظار كلمات الحب والاهتمام، من حبيب لا يفعل ولا يرضى بما تتوقع الحبيبة. وقد يتعلق العاشق، بهدف واحد ، يعتقد فى ضرورة حدوثه ، دون استراتيجية فى الوصول إليه. والنتيجة هي أيضا، إحباط وتعاسة. فى الحياة، كلما ارتفع سقف التوقعات، كلما زادت مشاعر إحباط وصدمات، مع تعرض علاقات للفشل، وكسرت مشاعر، واحبطت محبين وعاشقين، ووأدت صداقات فى تراب الحيرة، والغضب . لذلك.. يقولون إن الأفضل، هو النظرة للحياة بواقعية. وإن علينا دائما أن نفك عقولنا من قيود التوقعات، لنعيش الحياة، فى الحب والزواج والصداقة على طبيعتها.. كما هى، لا كما نريدها أن تكون. حسب الدراسات، وكلام المتخصصين فى علم النفس، فإن لكلمة التوقعات، تأثيرها الشديد فى العلاقات الإنسانية، والأسرية، والعاطفية على وجه الخصوص. فمن الطبيعي أن يكون لكل شخص توقعاته الخاصة التي تحكم علاقته بالآخرين، حيث تبدأ المشاكل عندما، يخلق الإنسان «توقعات» غير واضحة للطرف الآخر. فتحمل المرأة تصورات معينة عما يجب أن تكون عليه علاقتها بزوجها، والعكس صحيح . فيتوقع طرف من آخر، تصرفات محددة، أو ردود أفعال معينة، ثم تنقلب تلك التوقعات على رأسه، حملا ثقيلا، يزيده عدم حقيقها. يقول الدكتور محمد غانم أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، إن توقعاتنا، تبنيها طريقة تربيتنا، ومفاهيمنا عن الحياة، التى قد تكون نفسها ، مصابة بخلل .. ينتج توقعات مختلة .. أو غير واقعية . خبراتنا وعلاقاتنا السابقة وثقافتنا المكتسبة، تشكل أحاسيسنا، وطريقة تفكيرنا، وحكمنا على الأمور، كما إنها تشكل طريقة تطلعاتنا .. وتوقعاتنا . تحدد هذه التوقعات طبيعة علاقتنا مع الآخرين، وتحكم على نجاحها وفشلها، فكلما ارتفع سقف التوقعات، زاد الإحساس بالإحباط، وكثرت المشكلات، وتعرضت العلاقة للفشل، لأننا لم نستطع أن نكسر قيد توقعاتنا، ونرى علاقاتنا على حقيقتها.. بحسناتها وسيئاتها.. بما نحبه وبما نكرهه. فالحب مثلا، لا يمكن ان يكون، كما تحكي عنه الأغاني والروايات والأفلام والمسلسلات. كما لا يمكن، أن تكون علاقات نسخة طبق الأصل من علاقات نسمع عنها فى قصص الغرام التاريخية، وحياة الشعراء. إذ أن الواقع يقول، إنك لا يمكن أن تجبر إنسانا، على أن يكون كما تحب، أو كما تريد أن يكون. فى الوقت نفسه، لا يمكن لأى منا، أن يتحرر من «توقعاته » نحو الآخرين. فكما أن التحرر من الانطباعات الأولى صعب فإن التخلص من قيود التوقعات.. مستحيل . الحل الوسط فى مثل هذه المسائل، هو الحل الأمثل. والحل الوسط يعنى، التدرب على منطقية التوقعات، ونضوجها.. دون التخلى عن الرومانسية فى الحب، ودون التغاضى عن الإيمان بالحب فى الزواج. يقولون أن المثالية، هى أسوار سجن التوقعات، والإغراق فيها هى جدرانه وخرسانة أسقفه المعلقة . فالمثالية، فى التوقعات أساس فسادها.. لأن ارتفاع ما تنتظره من شريكك ، غالبا ما يكون اللبنة الأولى ، فى انتهاء علاقة ، انتظرت منها ما لم يات . ليس عدلا توقع ما لا ينقصك. والأجدر، أن نصحح عيوبنا وندرك أخطاءنا، ثم نطلب من الآخرين، المعاملة بالمثل. لكننا لن نصلح، أنفسنا.. لأننا لسنا ملائكة، رغم ذلك لا نكف عن التوقعات البراقة وما يثير المتاعب، أن تبحث عن كل المميزات التي تحتاجها في شريك ، دون الالتفات إلى ما إذا كنت أنت ، بنفس المميزات أم لا . ليس هذا فقط، إنما توقع رد فعل ما، لم يحدث، يوصلك الى الاعتقاد باساءتك الاختيار .. فنحن فى غابة التوقعات ، لا نلتمس أعذارا ، ولا نرضى بالشفاعات . يحدث، فهذا لا يعني أننا أسأنا الاختيار، ولكن هناك ظروفا طارئة تفرض نفسها في بعض الرغبة فى الاستمرار، مع التفاهم ، أهم ما يقضى على الاختلافات بين الأطراف، حتى لو خالفت توقعاتهم، سلوكيات الآخرين. قليلون، منا أيضا يعرفون أن انتظار كل ما هو إيجابى من الشريك.. أنانية بحتة. فالتوقعات البراقة، إشارة إلى عدم الالتفات إلى أن بداخل كل منا عيوبا وصفات كثيرة سيئة . فالكمال صفة إلهية.. ليست من طباع البشر . حسب خبراء العلاقات الزوجية، فإن التوقعات غير الواقعية، هى السبب فيما يسمونه مرحلة «خيبة الأمل» بين كل زوجين. في كتابها «عشر خطوات لبناء علاقة دائمة مع من تحب»، قالت المؤلفة «بنتري كوهي» ، إن مرحلة «خذلان الحبيب للتوقعات» هى أخطر ما يمر على أي علاقة عاطفية، لأنها عادة، محفوفة بالمخاطر، لذلك تكثر فيها احتمالات الانفصال. وتعود مرحلة «خيبة الأمل» حسب الكتاب، إلى أن كلا الزوجين يعجزان عن التعبير عن مشاعرهما السلبية تجاه الآخر، بالإضافة إلى عجزهما عن حل المشاكل، واتخاذ الحلول الوسطى، فى حين تدخلهما «التوقعات التى لم تتحقق» مرحلة.. حرب الإرادات، حيث لا يتوقف الزوج عن اللوم .. والزوجة عن الانتقاد. ولخطورة مرحلة خيبة الأمل، فإننا، قد لا نفاجأ فى أحيان كثيرة، كيف يتخلى طرفا الشراكة فجأة عن كل الصلات والروابط والذكريات والأحلام والأهداف المشتركة، ويأخذ الخلاف بينهما أكثر من كونه مشاكل اعتيادية. فيتحول إلى حرب معلنة،لأسباب عديدة منها شخصية ، ومنها ما هو ناتج عن إحباط من عدم تحقق ما كان مفترضا.. أو متوقعا . يقول د.غانم أستاذ الطب النفسي أن السبب، الأساسى، فى تربيتنا لأطفالنا، وتلقينهم مثاليات لا تتحقق. وفى أوروبا، يكافحون التوقعات، ببرامج الإعداد النفسى للمقبلين على الزواج، والتأهيل النفسى، لمن انفصلوا، لإعادة التجربة.. مرة أخرى .. بطريقة بعيدة عن المثاليات. فأحياناً ، لا تكون الطرق المباشرة ملائمة للتعامل والحصول على ما تطلبه الزوجة من زوجها أو ما يريده الزوج من زوجته . ولأننا لا نمل من الرغبة فى تحقيق التوقعات، وتغيير الطرف الآخر، قد يلجأ أكثرنا للحيلة، وما يختلط بها من دهاء وتمثيل.. واحيانا كذب. والنتيجة، أنه كثيرا ما تصل القصص، من المأذون إلى العيادة النفسية، حين تفشل كل الحيل، فتبدأ الشكوى من مشكلات نفسية وصحية .