نعم.. سيكون بوسع الرئيس المقبل أن يستند إلى شرعية الاختيار الشعبى الذى ستفسر عنه الانتخابات المقبلة. لكن السؤال هو ماذا بعد انتخاب الرئيس؟ ماذا سيكون موقفه من مطالب الثورة التى لولاها ما كسر المصريون حاجز الخوف فى انتفاضة 30 يونيو التى لولاها أيضاً ما كان بوسعنا اليوم أن نتحدث عن شرعية الاختيار الشعبى الذى ستفرزه صناديق الانتخاب وذلك بعد عقود طويلة من انتخابات صورية ومزيفة؟ وكيف نتفادى سيناريو الاصطدام بين شرعية الاختيار الشعبى والشرعية الثورية لا سيما وأن هناك اتجاها لا تخطؤه العين يعبر عن رغبة مريبة فى إجهاض ثورة 25 يناير وطى صفحتها؟ فثمة ما يوحى بأن هناك توافقا بين بعض قطاعات المال والأعمال والبيروقراطية الإدارية وأحزاب تجاوزها العصر وربما قطاعات أخرى عميقة وغير مرئية فى الدولة المصرية تسعى جميعها لإحداث قطيعة مع ثورة يناير المجيدة. تُرى كيف سيكون موقف الرئيس الجديد من هذه القوى التى تنتظر جزءا من كعكة النظام الجديد بعد دورها فى انتفاضة 30 يونيو؟ ربما يعتقد البعض أننا تجاوزنا مرحلة الشرعية الثورية وأصبحنا الآن بصدد شرعية سياسية فى مرحلة جديدة لبناء الدولة. هذا أمر قد يبدو صحيحا من منظور زمنى حيث جرت فى نهر الحياة السياسية فى مصر مياه كثيرة فى السنوات الثلاث الماضية. لكن الشرعية الثورية هنا لا تعنى شرعية الأمر الثورى الواقع الذى فرضته الثورة على الأرض، فقد تجاوزنا هذا الواقع زمنيا، والأهم أننا تجاوزناه بإسقاط نظام الحكم الثلاثينى الذى كان قائما عشية اندلاع ثورة يناير. هذا لا يمنع من أن الشرعية الثورية ما زالت حاضرة. ربما تبدو فى تراجع من داخلها وحصار من خارجها لكن من الصعب تجاهلها تماما. والأرجح أن الشرعية الثورية لن تسلّم رايتها للشرعية السياسية إلا بإنجاز التحول الديمقراطى الحقيقى وقيام دولة القانون والعدل والحريات. من هنا فإن خطورة الصدام بين الشرعية الانتخابية والشرعية الثورية تتجلّى فى نتيجتين، أولاهما أننا سنصبح مجتمعا يتقدم بسرعة إلى الخلف حين نتنكر لثورة يناير أو حتى لانتفاضة 30 يونيو. نحن بذلك نبدد إنجازاً تاريخيا عظيما بدلا من أن نعتز به ونبنى عليه. هذا يعنى أيضا أننا مجتمع يرتد على نفسه فى فترة زمنية قياسية. ولست أقصد بالارتداد هنا إسقاط نظام حكم منتخب قبل انتهاء مدة ولايته، ولكنى أقصد بذلك أن الشعب الذى قدم الآلاف من الشهداء والجرحى لكى ينتزع حريته وكرامته وحقه فى الرأى والتعبير هو نفسه الشعب الذى يصفق معظمه لقوانين وممارسات تقيد هذه الحقوق ذاتها بل وتصادرها أحيانا. النتيجة الثانية والأخطر للصدام الذى لا نرجوه بين شرعية الصناديق والشرعية الثورية أن هذا الصدام قد يؤدى إلى دورة أخرى من دورات عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى ويربك مرحلة التحول الديمقراطى. فالملاحظ أن الارتداد على ثورة يناير قد تسبب فى تبلور تيار معارض للمرحلة الانتقالية وللقائمين عليها، وهو تيار متصاعد ويتجاوز فى الواقع جماعة الإخوان المسلمين ليضم قوى وشرائح مجتمعية أخرى يختلف فكرها السياسى لكنها تتوحد حول قيم ومطالب ثورة يناير. وعندما تنجح الشرعية الثورية فى فرض الالتزام بمطالب الثورة تصبح عندئذ دعامة وضمانة لشرعية الاختيار الشعبى من الخروج عليها ومحاولة إسقاطها لنسقط جميعا فى أتون الفوضي. بل إنها تصبح فوق ذلك إعلانا نهائيا عن الانتقال من واقع الثورة إلى نموذج الدولة الجديدة التى طال انتظارها. السؤال الآن ما هو المعيار الذى يمكن أن نقيس به نجاح الشرعية السياسية للرئيس المقبل فى الوفاء بمطالب الثورة؟ بالطبع علينا أن نستبعد ابتداء المطلب الخيالى (والمشروع فى ذاته) بالقضاء على الفقر والبطالة والارتقاء بمستوى المعيشة والنهوض بالاقتصاد المصرى خلال عام أو عامين أو حتى ثلاثة. فنحن نعلم جميعا حقيقة أوضاعنا الاقتصادية والتحديات الصعبة التى كانت تواجهنا قبل ثورة يناير إضافة إلى التحديات الاقتصادية الجديدة التى أفرزتها أحداث السنوات الثلاث الماضية. الواقع أن نجاح الرئيس المقبل فى الوفاء بمطالب الثورة يتوقف على الإجابة على أسئلة ثلاثة. السؤال الأول هل سيكون بوسع الرئيس المقبل أن ينهى حالة الانقسام الاجتماعى والسياسى والنفسى التى يعيشها المجتمع المصرى فيضمّد الجراح ويجمع شمل أبناء الوطن الواحد ليصبح رئيساً لكل المصريين دون استثناء ؟ هذا سؤال التحدى العظيم الذى سيواجهه الرئيس الجديد، لأن وحدة المصريين كانت من أبرز سمات ثورة يناير، وبالتالى فاستعادة هذه الوحدة الوطنية هو وفاء لقيم الثورة. السؤال الثانى ماذا سيكون موقف الرئيس المقبل من التركة الثقيلة التى تراكمت فى فترة زمنية وجيزة من انتهاكات حريات وحقوق الإنسان ؟ هذا بدوره سؤال الاختبار الكبير، لأن الحرية والكرامة الإنسانية كانتا أكثر الصيحات علوا خلال ثورة يناير، والظن أنها كانت أيضا من مطالب انتفاضة 30 يونيو. السؤال الثالث كيف سيتعامل الرئيس الجديد مع ملف مكافحة الفساد الذى قد يتطلب مواجهة جسورة مع بعض قوى المال والأعمال بل ومع تقاليد فساد حكومى مؤسسى طال الكثير من أعمدة الدولة المصريين؟ هذا بدوره سؤال شائك آخر. (للحديث بقية) مجرد سؤال بمناسبة الحكم الصادر منذ أيام من المحكمة الإدارية العليا برفض الاستشكال فى تنفيذ الحكم بإلغاء صفقة بيع عمر أفندى وبالتالى تأكيد بطلان عقد البيع لعدم تناسب سعر الصفقة مع القيمة السوقية للشركة ولمخالفات أخرى جسيمة... لم يقل لنا أحد فى أجهزة الدولة المعنيّة من كان المسئول عن إبرام هذا العقد، وما هو التكييف القانونى الصحيح لفعله أو بالأحرى فعلته ؟ لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم