أصبحت الساحة العلمية والطبية في الآونة الأخيرة مجالا للتراشق والتطاحن مما يضر بقضايا البحث العلمي والابتكار في مصر ويجعل البحث العلمي هدفا لكل شخص متخصص أو غير متخصص دون دراية أو معرفة والتي نتجت بالدرجة الأولي عن عدم اتباع الاصول العلمية للمبتكرين .. هذه الأصول التي أصبحت راسخة وواضحة في العالم كله من خلال قيود ونظم دقيقة معترف بها والتي يجب اتبعاها عند ابتكار اي جديد يمس حياة الانسان ويؤثر علي صحته ويصبح السؤال الملح: ماهو المطلوب؟ بداية يجب الاعتراف بأن وزارة الصحة المسئول الوحيد عن صحة المواطن في ربوع البلاد وخارجها وهو تكليف دستوري فمن حقها تحري الدقة العلمية والقانونية للموافقة علي تداول أي عقار مستحدث أو جهاز أو نظم علاجية وقد كان علي رأس اهتماماتها تلك النظم العلاجية للفيروس الكبدي سي والذي أصبح متوطنا في مصر. هنا يجب علينا مواصلة الابتكار بالأصول العلمية المتعارف عليها لايجاد عقار مصري زهيد الثمن آمن وفعال ويكون في متناول المواطن البسيط الشريف. ومنعا لحدوث صدامات بين حق الجامعة في دستورية تطوير العلم وتحديثه واطلاق الفكر العلمي للبحث والابتكار وكذلك حق البحاث في المراكز البحثية المختلفة وبين حق وزارة الصحة في حماية كل مواطن فإنني أطالب بسرعة انشاء »هيئة رسمية دستورية محايدة لا تتبع أي جهة إلا جهة سيادية عليا« ولتكن »مجلس النواب« وتكون ملزمة لكل الجهات الرسمية وهذه الهيئة تماثل هيئة الاغذية والدواء في الدول الكبري وهي هيئة محايدة علمية قضائية لها أعضاؤها ومعاملها وهي المسئولة عن كل ما يدخل جسم المواطن بعد أن يخضع لملفات وأصول علمية راسخة والحصول علي موافقات في كل مرحلة في جلسات تماثل المحاكم وهذه الهيئات موجودة بنفس النظام في جميع الدول الكبري. ومن خلال هذه الهيئة تمر أبحاث أنتاج أي دواء مستجد أو جهاز علاجي بعدة مراحل ولا ينتقل البحاث إلي المرحلة التالية إلا بعد استيفاء الملفات البحثية العلمية وعند موافقة »منصة التحكيم« علي النتائج ينتقل إلي المرحلة البحثية التالية أو يوقف الاستمرار في البحث وتذكر الأسباب المؤدية لذلك أو تستوفي بعض النقاط العلمية في الموضوع وتبدأ المرحلة الأولي قبل الاكلينيكية بعرض ملفات الدواء المستحدث وخصائصه التفصيلية ومكوناته كيماوية و بيولوجيا والمادة الفعالة وصورته الدوائية ومدي ثباته وعند الموافقة علي المرحلة الأولي يصرح الفريق العلمي المبنكر باستيفاء المرحلة الثانية علي حيوانات التجارب وتشمل ديناميكية مسار الدواء في الجسم من ناحية الامتصاص والانتشار والتعامل الحيوي والاخراج ومدي التراكم داخل الانسجة ودراسة آثار السمية الحادة وتحت الحادة المزمنة والمسرطنة والتأثير علي الاجنة وعلي الاعضاء المختلفة وذلك بعمل ملفات تشريحية وهستولوجية ورصد النتائج المعملية للوظائف البيولوجية وبعد مناقشة نتائج هذه المرحلة والموافقة عليها يسمح للفريق العلمي بالبدء في المرحلة الثالثة. وهي التجارب علي حيوانات مصابة بنفس المرض الذي يصيب الانسان أو يسمح بالتجارب علي شرائح نسيجية ويتم الحصول علي دراسات لمسار المرض قبل العلاج وبعده في جميع الاعضاء بعمل ملفات بيولوجية وفسيولوجية وهستولوجية وباثولوجية لتقييم تأثير الدواء العلاجي ثم تبدأ المرحلة التالية الاكلينيكية علي الانسان وتشمل أولا دراسة التأقلم والتحمل للدواء علي متطوعين أصحاء بجرعات صغيرة تزداد تدريجيا حتي تصل إلي جرعات تفوق الجرعة العلاجية وبعد عمل اختبارات وظائف الأعضاء وتقييم النتائج يتم التجربة العلاجية علي عدد من المرضي يتم فيها اختيار دقيق لمرحلة المرض علي أصول طبية واضحة ومؤيدة بالتحاليل والاختبارات مع اعتبار العمر والجنس والتاريخ الصحي لأمراض أخري ويجب أن يكتب إقرار موثق من جميع المرضي بعلمهم انهم تحت تجربة علاج مستحدث ولهم الحق في التوقف عن التجربة بإراداتهم الحرة أو الانسحاب منها في أي وقت ويجب عمل ملفات تفصيلية عن نتائج هذه المرحلة للتقييم العلاجي. وبعد أن تتم مناقشة هذه الملفات تتم المرحلة الأخيرة وهي أن تقوم الهيئة بنفسها وبواسطة معاملها وعلمائها بمراجعة التأثير العلاجي المستحدث بإرسال العلاج تحت إشرافها إلي عدة مراكز متخصصة يعمل بها كبار الاستشاريين ويتم تجربته مع مماثل له ظاهريا وتوضع رموز كودية لكل منهم ويتم تحليل النتائج وبعد مقارنتها اكلينيكيا ومعمليا يوضع مماثل له ظاهريا ويوضح رموز كودية لكل منهم ويتم تحليل النتائج وبعد مقارنتها اكلينيكيا ومعمليا يوضع التقرير النهائي الذي يسمح بتصنيع العلاج وتداوله إذا اثبت بعد ذلك ظهور ما يدعو إلي سحب العلاج وإيقافه وإصدار أمر بعدم تداوله. إنشاء »هيئة الدواء والغذاء القومية ذات الأهمية الكبري في مصر سوف تمنع الصدام والخلاف بين مبتكري العلاج وبين المعارضين له لعدم فهم ومعرفة الأصول العلمية للابتكار وبهذا فإننا نمنع تبادل الاتهامات ونمنع التهوين المبني ربما علي عدم المعرفة أو التهويل الذي ربما يكون لأسباب غير علمية. لمزيد من مقالات د.احمد عبداللطيف ابو مدين