عقد عمال شركة طنطا للكتان العائدة من الخصخصة إلى الملكية العامة بأحكام قضائية نهائية مؤتمرا فى طنطا مساء أمس الأول فى قاعة أفراح استأجرها العمال من أموالهم كى يطلقوا صرخة استغاثة.. وهذه المرة ليس فقط من أجل تنفيذ حكم إعادة تشغيل الشركة وعودة عمالها وفق قرار المحكمة العليا الإدارية بتاريخ 28 سبتمبر الماضي، بل وأيضا لإنقاذ زراعة الكتان وصناعته من مصير مظلم يتهددهما لسنوات مقبلة. ووفق ما أوضحته قيادات عمال طنطا للكتان فإن الشركة كانت قد تعاقدت منذ أكثر من عام مع مزارعى الكتان بدلتا النيل على توريد محصول يقدر بنحو 600 فدان (24 ألف طن) نظير نحو 7 ملايين من الجنيهات، ولأن شهر إبريل هو موسم جنى المحصول وتسليمه إلى الشركة التى تعد الأولى والأهم فى المنطقة العربية، فإن التقاعس عن توريد ثمن المحصول لمنتجيه يعنى ببساطة قطع الطريق على إعادة تشغيل شركة طنطا للكتان والزيوت ومصانعها العشرة لمدة عام مقبل أو لأعوام عدة مقبلة، كما يعنى توجيه ضربة مؤثرة لزراعة محصول الكتان الذى أشتهرت الدلتا به منذ أجدادنا قدماء المصريين. عمال المصنع المتعطل عن الإنتاج وسط دعوات من الدولة والمجتمع بدوران عجلة الإنتاج ذهبوا إلى شركة الكيماويات القابضة التى تسلمت «طنطا للكتان» من المستثمر السعودى فى شهر نوفمبر الماضي، لكنهم لم يجدوا اكتراثا، وبزعم عدم توافر التمويل اللازم لشراء محصول هذا العام وإعادة تشغيل المصنع، ومما يزيد من غضب العمال ودهشتهم وألمهم تداول معلومات عن أن ما يتقاضاه كبار المسئولين فى الشركة القابضة سنويا من مرتبات وبدلات وحوافز وغيرها يفوق السبعة ملايين جنيه المطلوبة لشراء محصول الكتان، بل وربما يفوق جملة ما تحتاجه مصانع الشركة لصيانتها وإعادة تشغيلها بكامل طاقتها، وتقدر تكلفة التشغيل لثلاثة أشهر بنحو 11 مليون جنيه تكفى لكى تنهض الشركة على أقدامها وتتكفل لاحقا بتدبير أمورها. «طنطا للكتان» هى واحدة من ثمانى شركات عائدة من الخصخصة بأحكام قضاء نهائية باتة، صدرت جميعها بعد ثورة 25 يناير، وكان آخر شركة «سيمو» للورق الشهر الماضي، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تحترم أيا من أحكام القضاء هذه إلى حينه ولم تثبت بعد حرصا على المال العام الذى تم نهبه بواحدة من أفسد عمليات الخصخصة فى التاريخ والعالم، وذلك بشهادة خبراء الاقتصاد، وعلما بأن برنامج الخصخصة بدأ عام 1992 وبلغ ذروته عام 2005 حيث بيعت شركة «طنطا للكتان» مع 64 شركة عامة، فيما أقترب إجمالى الشركات المباعة وفق البرنامج من أربعمائة شركة قامت عليها الصناعة المصرية وتطورت بأموال الشعب وأسهمت فى صياغة تاريخ مصر الحديث، ولم يكن من الممكن للمصريين خوض حرب 1973 بدون اسهامات شركات القطاع العام فى الاقتصاد القومي. التلكؤ فى إعادة تشغيل الشركات العائدة لأحضان الشعب والاقتصاد القومى وعودة عمالها كى تدور عجلة الإنتاج دفعت عمال طنطا للكتان لمحاولة تشغيل الشركة بمبادرة ذاتية فى 19 مارس الماضي، لكن آخر حيل البيروقراطية تفتقت عن قطع الكهرباء عن الشركة وكأن هناك من يرعى مصالح مستوردى منتجات الكتان والورش الخاصة الصغيرة التى تكسب من موت شركة على هذا القدر من الأهمية، وتنتج منذ إنشائها فى عام 1954 منتجات لا مثيل لها من نبات الكتان: الزيوت والأخشاب والدوبارة واليوريا (الصمغ). بالقطع فإن سبعة ملايين جنيه لمحصول الكتان ومعها نحو أربعة للصيانة العاجلة ليست بالمبلغ الكبير لإنقاذ شركة وصناعة بهذه الأهمية، وأضعاف هذا المبلغ قد يذهب فيما هو أقل أهمية وضرورة، وإذا لم تتحرك الحكومة لإنقاذ زراعة عريقة وصناعة واعدة على هذا النحو فإن المجتمع بأسره مدعو إلى أن يتحمل هو الآخر مسئوليته وهنا فإن المصريين مطالبون باستعادة تراث مقدر فى العمل الأهلى وفى جمع التبرعات تماما مثلما كان حالهم مع انشاء جامعة القاهرة عام 1908وبنك مصر عام 1920 ثم لاحقا مشروع القرش فى ثلاثينات القرن الماضى وبناء مصانع الحديد والصلب فى خمسينياته. وإذا استمر تقصير الحكومة، مع أن رئيسها المهندس «إبراهيم محلب» أعلن من المحلة فى 5 مارس الماضى وفور توليه مسئوليته: هناك تكليف من رئيس الدولة بإعادة القطاع العام إلى قوته واصلاحه فنيا وهيكليا، وذلك بعد إهمال طويل لأصول الدولة ورؤوس أموالها فلن يكون هناك مفر من حملة قومية لجمع 11 مليونا من الجنيهات لإنقاذ زراعة وصناعة الكتان فى مصر.