هذا الدين العظيم الحنيف الذى ارتضاه الله لعباده منذ أن خلق آدم عليه السلام وإلى أن تقوم الساعة وبين سبحانه وتعالى أن من يبتغى غيره دينا لن يقبل منه حيث قال سبحانه فى سورة آل عمران : (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين) آية/85. أقول : هذا الدين الحنيف عقيدة وعبادة وعمل وقيم وأخلاق وسلوكيات، إنه تشريع الله العظيم الذى إن مضى البشر على هديه والتزموا بتعاليمه سعدوا واستحقوا أن يكونوا أحياء، بمعنى أحياء قال الحق سبحانه : (ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) الأنفال آية/ 24، وقال سبحانه (شرع لكم من الدين ماوصى به نوحاً والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..) الشورى آية /13. هذا الدين العظيم يريد من بنى آدم أن يعيشوا حياتهم إخوة متحابين تربط بينهم علاقة وُدّ وحبّ فى الله ولله، نجد ذلك واضحاً بيناً فى سورة جمعت العديد من الآداب الربانية الإسلامية حيث يقول الحق سبحانه : (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) الحجرات آية /10 إنها سورة الحجرات التى نادى الله فيها سائر البشر قائلاً : (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) الحجرات آية/13 الأب واحد والأم واحدة إليهما ينتمى سائر البشر، بل إن الجميع خلقوا من نفس واحدة كما ذكر الحق فى سورة الأعراف وقبلها فى سورة النساء قال سبحانه : (ياأيها الناس أتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء..) النساء آية /1 وقال سبحانه : (هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) الأعراف آية/189 فإذا كان الأب آدم والأم حواء فماذا هذا الشقاق والعداء والخصام والبغضاء والخروج على حدود الله وشرائعه ؟ ولماذا هذه السخرية والاستهزاء بخلق الله ومن خلق الله ؟ لماذا الهمز واللمز وهذه الإشارات وتلك الشتائم، وهذا السباب، وتلك العبارات التى تخدش حياء من فى قلبه إيمان بالله ؟ ألم يقل الحق سبحانه وتعالى فى سورة الحجرات سورة الآداب والأخلاق : (ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب..) الحجرات آية/11. والشريعة إما أمر وإما نهي، والنهى فى الآية صريح : (لا يسخر) (ولا تلمزوا) (ولا تنابزوا) والحكم الربانى على من يخرج عن هذا النهى واضح (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) وهى أى الشريعة آداب وسلوكيات وحياء وأخلاق إنها جامعة كل خصال الخير آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر. ولعل من تسخر منه أفضل وأكرم عند الله وأفضل وأكرم عقيدة وباطناً، وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول الآية الكريمة عدداً من الروايات وكلها تنهى عن السخرية، قيل نزلت فى صحابى جليل هو ثابت بن قيس رضى الله عنه عندما عَيَّرَ صحابيا آخر بأمه، وقيل نزلت فى وفد بنى تميم عندما استهزأوا بفقراء الصحابة، وقيل نزلت فى عكرمة بن أبى جهل حين قدم المدينة مسلماً وكان المسلمون إذا رأوه قالوا : ابن فرعون هذه الأمة فشكا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. ورضى الله عن ابن مسعود إذ قال : «البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا». لماذا يا أبناء مصرنا الحبيبة هذا الذى نشاهده على شاشة التليفزيون ونسمعه ونقرؤه من سخرية واستهزاء؟ لماذا هذا الاجتماع لمشاهدة من يسخر ويهزأ ويلمز؟ ألم يقرأ فى حياته تلك الآية أو يسمعها ولو مرة واحدة؟ متى نثوب إلى رشدنا ونعود إلى رحاب خالقنا ونصلح من أنفسنا وقلوبنا؟ عندئذ يصلح الله حال الأمة ويكشف عنها تلك الغمة فربنا سبحانه وتعالى لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، جميعنا فى حاجة إلى تصحيح مسارنا فى حياتنا عقيدة وسلوكاً وعملاً، فكما تكونوا يول عليكم فإذا كنا أهلاً لعمر رزقنا الله عمر وإذا كنا أهلاً للحجاج رزقنا الله نعوذ به الحجاج متى نستيقظ من غيبوبتنا الدينية ؟ متى نعود إلى صراط الله المستقيم؟ إذا صلحت الأسرة وصلحت المدرسة وصلح الإعلام وعرف كل ما له وما عليه صلح حال الأمة، أسأل الله لمصرنا الأمن والإيمان والسخاء والرخاء والله من وراء القصد إنه نعم المولى ونعم النصير.