«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه: احمد البرى
العيون الساهرة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 04 - 2014

أنا سيدة فى الخامسة والثلاثين من عمرى، اعمل فى مركز مرموق، وعلى درجة عالية من التعليم، بدأت حكايتى عندما تقدم لى شاب طالبا يدى، وقال والدموع تتساقط من عينيه إنه تزوج من فتاة تصور أنه سيحيا معها حياة هادئة ومستقرة،
فإذا بها تذيقه كل ألوان الجحيم، ولم يجد مفرا من تطليقها، فأخذت الطفلين، واستولت على الشقة، وسعت الى إذلاله لكنه تحمل غدرها، ولم يدخر جهدا لإسعاد ابنيه التوأم برغم أحواله المادية الصعبة، فتأثرت بكلماته ورق له قلبى، وتصورت أنه مرهف الحس، خصوصا عندما لاحظت اهتمامه بأداء الصلوات فى المسجد، فأبديت موافقتى على الارتباط به، ولم أتوقف عند المسائل المادية، وقبلت بتأجير شقة صغيرة ومتواضعة لتكون بيتنا الجديد، وبهدية بسيطة بديلة للشبكة التى لم يستطع شراءها حسب قوله، ولم يقدم لى مهرا مثل كل البنات ورضيت بمساهمته القليلة فى شراء الأثاث، وبعض ما استطاع الحصول عليه من مطلقته حسب زعمه، وبرغم ذلك حاول أن يسجل فى قسيمة الزواج أنه قدم لى مهرا فرفضت لكنى لم أتنبه إلى ما كان يضمره لى فيما بعد، ولا أدرى ما الذى دفعنى إلى الموافقة عليه دون أن أمنح نفسى الفرصة الكافية للسؤال عنه، وعن الأسباب الحقيقية لطلاق زوجته، وما هى إلا أيام بعد انتقالى الى عش الزوجية حتى تكشفت لى جوانب عديدة مما أخفاه عنى، ومنها أن مطلقته هى التى خلعته بعد شهرين من الزواج، وان الأثاث الذى يتحدث عنه لا يخصه، وإنما استولى عليه منها، وأنه يرتبط بأمه ارتباطا مرضيا، إذ تدفعه إلى قضاء معظم الأيام معها، والمبيت عندها، ويتركنى وحدى، وإذا اصطحبنى معه يبيت إلى جوارها على السرير نفسه، بينما أنا فى حجرة أخرى.. حدث هذا ولم يكن قد مضى على زواجنا سوى أسبوعين، وهنا تأكدت من ارتباطه المرضى بأمه، وأنه كان يريد كتابة مهر فى عقد الزواج لكى يسترده إذا خلعته، وادعى الفقر برغم أنه ميسور الحال لتبرير بخله الشديد الذى اتضح بصورة فجة بعد رحيل أبيه، حيث ورث عنه مبلغا كبيرا من المال فاشترى لنفسه سيارة فارهة وأمه لديها سيارة مماثلة، بينما لم يشتر لى شيئا، وهنا فكرت فى الانفصال عنه، ثم تراجعت بعد أن أصبحت حاملا، وللأسف تمادى فى إهمالى، ولم يعبأ بما تعرضت له من آلام ومتاعب صحية لدرجة أنه رفض الذهاب معى إلى الطبيب، وعندما انخرطت فى بكاء مرير ذهب إلى أمه، فاتصلت بها شاكية مما فعله بى فأغلقت الهاتف فى وجهى!
ومرت الأيام ووضعت طفلتى، وطلبت منه شراء ملابس لها، فنظر إلىّ باستغراب ثم اتصل بأمه قائلا لها أمامى «مراتى عايزة منى فلوس علشان البنت..خلصينى يا ماما»، ولم أصدق أن رجلا مسئولا عن أسرة وزوجة وطفلة صغيرة يفعل ذلك ولم أتخيل يوما اننى سأتزوج طفلا كبيرا مدللا لهذه الدرجة، ولا أدرى كيف سمحت هذه السيدة لنفسها باللعب ببنات الناس، وتعتبرهن حقل تجارب لإبنها فتزوجه من تشاء، وتطلقه ممن تشاء، وتدمر أحلامهن فى الاستقرار وتسقيهن كئوس المرارة بالطلاق بلا ذنب ولا جريرة، ومع تماديه فى الأنانية المفرطة والقسوة التى لا حدود لها من عنف وضرب وإهانة ذهبت الى طبيبة نفسية، وشرحت لها حالته، فقالت: ان تصرفاته ناتجة عن اضطراب فى شخصيته وسيطرة أمه عليه، والغريب أنها استاذة وطبيبة بإحدى الجامعات الخاصة، ولكن عملها ووضعها الاجتماعى لم يمنعاها من أن تسلك هذا السلوك الغريب مع زوجة ابنها، وكأنها تريد تطليق كل من ترتبط به لكى تصبح مطلقة مثلها، وهذه حقيقة جديدة أخفاها عنى!
وقد مرضت ابنتى فى ذروة أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، وكان يبيت وقتها عند والدته كعادته، ورجوته المجىء لعرضها على الطبيب، فإذا به يقول لى ببرود شديد «اذهبى بها إلى مستشفى الطوارئ» وسوف أتصل بك فى الصباح الباكر للاطمئنان عليها، فحملت الطفلة والدموع تنساب من عينى ورآنى أقاربه وحدى على هذه الحال فكان تعليقهم بأن هذا التصرف ليس جديدا عليه، فلقد سبق أن ترك زوجته الأولى، وهى تعانى آلام الإجهاض المبرحة، قبل أن يطلقها وهى حامل!
وتبين أن ابنتى تعانى صعوبة فى الكلام، فاتخذت والدته هذا السبب ذريعة للانسحاب من حياتى، ولا أدرى ما ذنبى فى أمر قدره الله، وليتهما اقتصرا على ذلك، فلقد تماديا فى إيذائى، والاستيلاء على أشيائى، ورفضا إعطائى مستحقاتى التى كنت فى أشد الحاجة إليها لعلاج ابنتى، وحتى كارنيه العلاج التأمينى الحاصل عليه من عمله لم يعطه لى، ولجأت إلى وسطاء من الأقارب والمعارف للحصول على جزء من مستحقاتى ولو على مؤخر الصداق، فإذا بمطلقى وأمه يلفقان لى تهمة «قذف وسب»، وكادا أن يتسببا فى إيذائى لولا رحمة ربى، فحصلت على البراءة، ولأنه سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد، فلقد أراد أن تتجرع والدته نفس كأس المرارة الذى أعدته لى، فتم الاستغناء عنها فى عملها، وفقدت راتبها الذى يقارب ثلاثين ألف جنيه شهرياً.
ولم تمنعه هذه الاشارات الإلهية لمثوى الظالمين من الاستمرار فى غيه، فحاول تلفيق قضية أخرى ضدى لكى يستولى على ابنتى، ولا يدفع المبلغ الزهيد الذى تحصل عليه منه عن طريق المحكمة، وفوق كل ذلك أصبحت فريسة لمن حولى بدءاً من بواب العمارة الذى يسرقنى بالمغالاة فى كل مايشتريه لى، إلى المحامى الذى يستنزفنى ماديا، ويخلى مسئوليته عن أى فشل فى مهمته.. أيضا رغبت فى تعلم قيادة السيارات، ولم أجد مدرسة لتعليم القيادة توافق على اصطحاب إبنتى معى، ولذلك لجأت الى سائق تاكسى، وبعد حصتين وجدته طامعا فىّ شخصياً، فانسحبت مستعوضة ربى فيما حصل عليه من نقود!، وحتى المنجد سرقنى عندما لجأت إليه لإصلاح ماتلف من أثاثى فى تنقلاتى بين شقق الإيجار الجديد، وأيضا المدرسة التى أردت أن ألحق ابنتى بها قاسيت الأمرين لكى تقبلها دون حضور أبيها الذى أغلق هاتفه، ولم يفكر ولو فى تلبية طلب ابنته بأن تراه.. هل تتصور ياسيدى أنه عندما اتصلت به وقالت له «عايزة أشوفك يابابا» رد عليها «لما تحبى تشوفينى خلّى ماما تكلم المحامى»! هل يعقل أن يصل الأمر بأى أب إلى هذا الحد فى معاملته لطفلته التى لم يتعد عمرها خمس سنوات؟!
وماحدث معى تكرر مع أختى لسوء اختيارها هى الأخرى بمن ارتبطت به، أو قل لأنها كانت مطمعا له، فهى طيبة وحسنة النية، ولم تتوقع أن تقع فى الزواج من شخص لا أجد من الكلمات مايصفه، ويكفى أن أقول لك إنها عندما اكتشفت بخله وعنفه وشذوذه طالبته بأن يطلقها بإحسان، وكل ما أرادته منه مسكنا لإبنتهما الرضيعة، فادعى موافقته على طلبها، وانتهز فرصة زيارتها لى، واستولى على جميع ماتملك، واستبدل بابا مصفحا بباب الشقة العادى، ورفض أن يعطيها شيئا، وحتى ملابسها التى اشترتها من الخارج عندما كانت تعمل فى إحدى الدول العربية حرمها منها!.. وتخيل حالة سيدة لم تكمل الثلاثين من عمرها ولا تعمل وبلا أم ولا أب ولديها طفلة وليس لها مأوى، وكل ذنبها أنها ترغب فى بناء أسرة صغيرة، وأن تحمل لقب أم، فالإحساس بالوحدة قاس، وهو نفس الشعور الذى لازمنى بعد وفاة والدتى وكان سببا فى زيجتى الفاشلة، ولقيت أختى المصير نفسه.
وهكذا تجمعنا أنا وأختى ومعنا الطفلتان، وتحملنا فوق طاقتنا بلا معين، ولا أعرف من أين أتى مطلقها ومطلقى بهذه القسوة، ولا كيف استحلا أموالنا وأعراضنا.. لقد فتشنا عن حلول كثيرة، فلم نجد ملجأ إلا الله، واستعنا بالصبر والصلاة وقلنا لنفسينا «لنتاجر مع الله، ودعوناه أن يؤتينا من فضله، فإذا بالأمور تنقلب تماما، وانفرج كربنا إلى حد كبير، فزاد فرارنا إلى القرآن الكريم، وسألناه عز وجل أن يرزقنا قلبين سليمين، لا يتأثران بالآلام مهما تبلغ قسوتها، فاستجاب لدعائنا وقوانا بسند من عنده، وهانحن نشعر بالسعادة ونحن نستمع الى الدروس الدينية التى تعيننا على استكمال حياتنا والتقدم إلى الأمام، وتكفينا الابتسامة التى ترتسم على شفاه ابنتينا.
وهاهى الأزمة توشك أن تنفرج تماما، وأجدنى قد استعدت صحتى، وعاودت هوايتى المفضلة كفنانة تشكيلية، واستأنفت مشروعى الذى طالما حلمت به، فلقد كان مطلقى يكسر لوحاتى. ويمنعنى من إشباع هوايتى، والسعى لإقامة معرض كبير لأعمالى !
وأقول لكل مكروب «كن على ثقة شديدة بالله، فلا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع، وقل «اللهم دبر لى أمرى، فإنى لا أحسن التدبير» وإذا شعرت بأنك لا تقوى على تحمل الابتلاءات قل «اللهم إنى أعوذ بك من جهد البلاء»، فما جعلنى اصطبر على حالى، وإحساسى الشديد بالظلم والقهر قول الله تعالى فى سورة الأنبياء «اقترب للناس حسابهم، وهم فى غفلة معرضون» فأقول لنفسى «هانت» فالحساب قريب، وحقوقى محفوظة عند رب العباد.
والآن استحضرت ذاكرتى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعظم الدعاء إجابة، دعاء غائب لغائب»، فأوصيك وقراءك بالدعاء لى ولأختى ولكل من يتعرض للقهر، فالإحساس بالظلم كالنار المتقدة لا يوصف، ومن هنا جاء وعد الله للمظلوم بإجابة دعائه.. وجزاكم الله خيرا.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
آن للعيون الساهرة أن يلقى عليها الله نعاسا أمنة منه، وحان الوقت للنفوس المضطربة أن تجد الهدوء والسكينة، فلقد واجهت أنت وأختك ظروفا مأساوية متشابهة بفشل زيجتيكما اللتين أثمرتا طفلتين جميلتين، وتغلبتما على المصاعب الجمة والأمواج العاتية بصبر وإيمان حتى أوشكت الأزمة على الانفراج، فلا تقلقا بعد هذه الرحلة الناجحة فى الكفاح، وناما قريرتى العينين، فالعيش فى الماضى قتل للإرادة، وتبديد للحياة الحاضرة، ولابد من طى ما فات لأنه مضى، وانتهى، فلا تعيشا فى كابوسه، وتطلعا إلى الأمام بجلب السرور واستدعاء الانشراح، وسؤال الله المعيشة الطيبة.
وإنى أتأمل تصاريف القدر فى ارتباطك أنت وأختك برجلين يتصفان بنفس الصفتين السلبيتين من الارتباط المرضى بالأم والبخل الشديد،، وفى هذا الصدد أقول: إنه من المجازفة ان تتغاضى الفتاة المقبلة على الزواج عنهما، فلابد أن تدرسهما جيدا بمساعدة أسرتها، فإذا كانت علاقة الشاب بأمه سليمة وصحية من الناحية النفسية، ويكون قد تعلم معاملة النساء باحترام وتقدير فهذا يبشر بزيجة ناجحة، وأما اذا لوحظ عليه الارتباط المرضى بأمه، فإنه يكون قد نشأ على التدليل، ولا يتحمل أى مسئولية، وسوف يلجأ إليها فى كل خطواته، وبالتالى تصبح علاقته الزوجية سلبية تماما.
ويمكن خلال فترة الخطبة التعرف على مدى التصاق العريس بأمه ولذلك علامات كثيرة منها اتصاله الدائم بها لاستطلاع رأيها فى كل كبيرة وصغيرة. والعمل بما تشير عليه به دون نقاش، ومثل هذا الزوج يكون ضعيف الشخصية وغير واثق فى قدراته ولا يستطيع اتخاذ قراراته بنفسه.
أما اكتشافك أن زوجك طفل كبير مدلل، فإن هذه الصفة موجودة فى كثيرين من الرجال، ولا تشكل حالة مرضية نتيجة الارتباط بالأم فى غالبية الأحوال، فبداخل كل رجل قلب طفل يحتاج إلى من يدلله والزوجة الذكية قادرة على القيام بأدوار متعددة فى حياة زوجها، فهى أحيانا أم ترعى طفولته الكامنة فيه، وأحيانا أنثى توقظ رجولته، وصديقة تشاركه همومه وأفكاره وطموحاته، وأحيانا ابنة تستثير مشاعر أبوته، فكلما تعددت وتغيرت أدوار المرأة فى مرونة وتجدد، فإنها تسعد زوجها كأى طفل يسأم لعبة بسرعة ويريد أخرى جديدة، ولكن اذا ثبتت الصورة وتقلصت أدوارها، فإن هذا نذير بتحول اهتمامه عنها الى ما هو جذاب ومثير، وما يقال عن الرجل ينطبق على المرأة فالعلاقة تبادلية، وليست قالبا جامدا فيقع عليها عبء كل شىء بينما هو غارق فيما هو فيه..
ويتمثل طريق الخلاص من ارتباط الرجل المرضى بأمه فى عدة مفاتيح أهمها الرحمة والحنان والكلمة الطيبة والدلال واللطف والزينة واللمسة الحانية والمزاح والمداعبة والدعاء، وكلها تصرفات بسيطة لها مفعول السحر فى جذب الزوج مع الأخذ فى الاعتبار أنه يحتاج إلى بعض الوقت لكى يتعود على الانفصال الصحى عن عائلته الكبيرة، ويحافظ على التوازن بين استقلاليته كرب عائلة مسئول وكابن بار بوالدته، وهذا يتحقق بالتدريج لكى لا يترك الانفصال الوجدانى المفاجئ جروحا لدى الطرفين سواء الأم أو الابن.
أما على جانب البخل فإن البخيل يعد أشد الناس عناء وشقاء، اذ يكدح فى جمع المال والثراء، ولا يغدق منه على زوجته وأولاده، فيعيش فى الدنيا حياة الفقراء، ويحاسب فى الآخرة حساب الاغنياء، ويقول الحق تبارك وتعالى فى كتابه الكريم «ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة».. فليعلم مطلقك أن عدم رعايته ابنته التى تسعى الى رؤيته والائتناس به ستكون وبالا عليه، فما تغنى اموال الدنيا عنها، والعاقل هو الذى يدرك ذلك، واذكره بقول الحسن بن على بن أبى طالب «من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من اعطى من لا يرجوه».
ونفقة مطلقك على ابنته حق أصيل عليه، فيجب ان يتقى الله فيها، وكذلك مطلق أختك، فهما مطالبان بمد جسور الصلة مع ابنتيهما حتى تنشآ متوازنتين نفسيا، ولا يتغلغل الكره داخلهما تجاههما وأؤكد عليهما ذلك بعد ان عميت بصيرتاهما عن هذه الحقيقة، وسوف يندمان يوم لا ينفع الندم.
ولا أجد خيرا من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان يكثر منه وهو «اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وغلبة الدين، وقهر الرجال»، وأسأله عز وجل لك ولأختك الثبات والانتصار فى الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.