عاشت مصر بالأمس عيدا تميز عن باقي الأعياد الوطنية, إنه عيد أعظم ثورة شهدتها مصر في تاريخها الحديث والتي جذبتها سريعا إلي ديمقراطية لم تشهدها منذ أيام الفراعنة وفي سبيلها إلي استكمال التغيير في كل جوانب الحياة في مصر. والحمد لله أن احتفالنا الأول بهذه الثورة جاء لائقا بقيمة دماء شهدائها ومصابيها. وقد يري بعض المزايدين أن الثورة لم تحقق أهدافها, إلا أننا نري أنها حققت إعجازا وليس مجرد انجاز وهو إزالة رأس الفساد ورموزه كما أنها في سبيل تحقيق باقي أهدافها بالنسبة للمحاكمات التي يتعين أن تكون بعيدة عن تأثير الرأي العام خاصة وأن حقوق الدفاع حرصت عليها كل دساتير العالم والمواثيق الدولية وأن عدالة المحاكمة سوف تتيح لنا استرداد أموالنا المهربة. ونتمني أن يفطن الثوار زهرة شباب مصر إلي بعض أصحاب النفوس الضعيفة المندسين بينهم والساعين إلي إجهاض الثورة والوقيعة بين الثوار والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي لن ننسي دوره في تبني مطالب الثوار والحفاظ علي سلمية الثورة. ونحن لا ننكر أنه كانت هناك أخطاء واكبت المرحلة الانتقالية التي تولي فيها المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد والتي منها ترك رئيس ديوان رئاسة الجمهورية السابق يعبث بأوراق ومستندات خطيرة بل ويدمرها وقيل وقتها أنها كانت تحوي بين طياتها الكثير من أسرار الدولة والنظام السابق ورموز فساده, كما لم يتمكن المجلس من الحفاظ علي أدلة الاثبات المتعلقة بقتل المتظاهرين مما جعل مرتكبي تلك الجرائم يدعون علي غير حق ببراءتهم من دم الشهداء, كما يؤخذ علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة ترك رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد يقوم بتحويل الأموال التي لم يعرف ما إذا كانت خاصة برموز الفساد أو غيرهم عبر البنك الذي كان يرأس مجلس إدارته بحجة عدم خضوع ذلك البنك لأحكام البنك المركزي المصري وأخيرا عدم التدخل في الوقت المناسب لمواجهة من قاموا باقتحام مقار جهاز مباحث أمن الدولة والتي تم خلالها إتلاف الأدلة التي كانت تدين النظام السابق ورموزه وأيضا عدم مواجهة من تعدوا علي دور المحاكم وأساءوا للسلطة القضائية في الوقت المناسب. ونري أن هذه الأخطاء لم تكن كلها عمدية بل ترجع غالبيتها الي عدم دراية كافية بالنواحي السياسية وكيفية إدارة شئون البلاد وخشيتهم من وقوع المزيد من الضحايا والشهداء وبالتالي لم يكن مقبولا لدي الكثير من أبناء الشعب المصري أن ينال المجلس الأعلي للقوات المسلحة جزاء سنمار, وأقل ما يمكن عمله هو تكريمه علي ما تم انجازه من الحرص علي توفي الأمن وتأمين العملية الانتخابية التي يشهد الجميع بنزاهتها رغم تشكيك المغرضين الذين يرتبطون بجهات أجنبية وعربية تسعي لإجهاض الثورة تنفيذا للمخطط الصهيوني الأمريكي بما تنفقه عليهم من أموال. ولا يفوتنا التذكير اننا بحاجة الي رجال القوات المسلحة البواسل ممثلين في مجلسهم الأعلي في المراحل المتبقية لتأمين العملية الانتخابية في انتخابات مجلس الشوري ورئيس الجمهورية وتوفير الأمن للمواطنين الي ان تنهض الشرطة وتقوم بالدور المنوط بها بعد أن تلتئم جراحها التي سببها لها بطش وجبروت النظام السابق ممثلا في الرئيس السابق ووزير داخليته اللذين كانا لاهم لهما سوي أمن الرئاسة أو النظام حتي لو اقتضي الأمر أن يكون خصما من أمن المواطن. لقد ثار جدل عميق حول أولوية صياغة دستور جديد للبلاد أو إجراء انتخاب رئيس الجمهورية كما نادي البعض بتولي رئيس مجلس الشعب مهام رئيس الجمهورية لحين انتخاب الرئيس الجديد. وكانت أبرز الحجج التي ساقها المؤيدون لانتخاب رئيس الجمهورية قبل صياغة الدستور أن إتمام المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة الي رئيس جمهورية منتخب سوف يعجل باستقرار الأمن والوضع الاقتصادي بعد أن عمت الفوضي وكثرت الاحتجاجات وغيرها من الأزمات المتعددة. ونري أن الأخذ بهذا الرأي سوف يوقعنا في مأزق دستوري يعيدنا إلي حالة من عدم الاستقرار والفوضي التي لا تحمد عقباها لأسباب منها: أولا: كيفية اختيار رئيس الجمهورية وحدود سلطاته, حيث تضمن نص المادتين27,26 من الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلي للقوات المسلحة الشروط اللازمة لترشيح وانتخاب رئيس الجمهورية ولم يتضمن بشيء من التفصيل اختصاصات الرئيس, وهل سنأخذ وفقا للدستور الجديد بالنظام البرلماني أو الرئاسي أو النظام المختلط الذي يجمع بين النظامين ويحدد علاقة رئيس الجمهورية بباقي سلطات الدولة, حتي يكون المرشح للرئاسة علي علم تام بحدود سلطاته والتزاماته قبل إقدامه علي الترشيح وهو ما يجعلنا نتفادي مستقبلا أي تنازع في الاختصاص بين رئيس الجمهورية وباقي سلطات الدولة. فإذا افترضنا أن ترشيح رئيس الجمهورية تم علي أساس الشروط والاختصاصات الواردة في الإعلان الدستوري, ثم جاء الدستور الجديد بشروط مغايرة للترشيح والانتخاب وعدل اختصاصاته, فإننا سنجبر حتما علي إعادة فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية بما يتفق مع النصوص الواردة في الدستور الجديد, باعتبارها متضمنة إلغاء الإعلان الدستوري. ولا يجوز التذرع بالقول إن رئيس الجمهورية أنتخب علي أساس سليم يتعلق بسريان الإعلان الدستوري وقت الترشيح والانتخاب, وسندنا في ذلك أن رئيس الجمهورية سوف يستمد سلطاته وصلاحياته وكيفية ترشيحه وانتخابه من أحكام الدستور الجديد وليس الإعلان الدستوري, ولن نتمكن من عبور هذا المأزق الدستوري إلا بإصدار الدستور الجديد قبل فتح باب الترشيح لانتخاب رئيس الجمهورية. ثانيا: فيما يتعلق بمجلسي الشعب والشوري: تضمن نص المادتين32 و35 من الإعلان الدستوري, أن يكون نصف عدد أعضاء أي من المجلسين علي الأقل من العمال والفلاحين, ويعين رئيس الجمهورية ثلث عدد أعضاء مجلس الشوري. وقد ينتهي الأمر في الدستور الجديد إلي إلغاء نسبة ال50% من العمال والفلاحين وإلغاء مجلس الشوري, فيكون المجلسين قد انتخبا علي أساس إعلان دستوري تم إلغاؤه وهو ما يؤدي الي الطعن علي تشكيل مجلس الشعب بالبطلان وما يترتب علي ذلك من حله. ونري في هذه الحالة دعما للاستقرار أن يتضمن الدستور الجديد نصا انتقاليا يسمح باستمرار مجلس الشعب المنتخب علي أساس الإعلان الدستوري حتي انتهاء مدته الواردة في الدستور الجديد أو استكمالها. المزيد من مقالات مستشار زكريا شلش